أكد عمر الكتاني أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس أكدال، في ندوة أن حصيلة المغرب الاقتصادية والاجتماعية جد سلبية، ترجع في الأساس إلى طبيعة النظام الاقتصادي المغربي، الذي لا يزيد في العمق أن يكون اقتصاد ريع، وأضاف الكتاني في الندوة الثانية للمنتدى الوطني للحوار والإبداع الطلابي، أول أمس بالحي الجامعي السويسي، إن المغرب طيلة السنوات الخمسين الماضية لم يستطع الحسم في النظام الاقتصادي والاجتماعي المطلوب، تنبثق منه سياسة اقتصادية واضحة ومحددة، مشيرا إلى أن المشكل في المغرب ليس في الكفاءات والخبرات، وأوضح المحاضر أن تركيز المغرب على سياسة القروض الصغرى التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني، ومحاربة الفقر عن طريق مبادرات من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تبقى جزئية ولا ترقى إلى أن تكون سياسة عامة للتنمية الحقيقية، وشدد المحاضر على ضرورة تبني سياسة المشاريع الكبرى، لأنها تشكل الخيار الوحيد أمام المغرب للخروج من الوضعية التي هو عليها، وأكد الكتاني أن المشكل ليس في وجود مشاريع كبرى بل في الإمكانيات، داعيا إلى تبني سياسة استثمارية توفر الأمكانات المطلوبة. في الاتجاه نفسه، قال لحسن الداودي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إن وضعية الاقتصاد المغربي جد صعبة، وتحتاج إلى تضافر الجهود من أجل رفع التحديات التي تواجهه، وأوضح الداودي في مداخلته حول السياسة الاقتصادية بالمغرب، أن تطور الاقتصاد المغربي في فترة الاستقلال لم تكن خاضعة لنسق موحد وثابت، وذي أولويات محددة، مؤكدا أن أولويات السياسة الاقتصادية، ظلت خلال الخمسين سنة الماضية، يطبعها التردد وعدم الثبات بحيث إن الأولويات تتغير تقريبا من حكومة إلى أخرى، بحيث ظلت خاضعة للتحولات السياسية التي عرفها المغرب، وتتأثر بها إلى حد كبير، وأبرز المحاضر من جهته، أن الأولوية في تلك السياسات لم تكن من أولوياتها بناء الانسان المغربي والشخصية المغربية، بهويتها الاسلامية الجامعة، حيث طغيان المصالح المادية على كل شيء، في ارتباط قوي بصراع المصالح الذي تحكم في العلاقات الدولية خلال الحرب الباردة، واعتبر الداودي أن السياسة الاقتصادية قوضت من إمكانيات الطبقة الوسطى، التي بدأت في التراجع والضمور، الأمر الذي سيؤثر على التوازن الاجتماعي، وينذر بظروف صعبة. ودعا الدوادي إلى التسلح بالعلم والعمل الجماعي، باعتبارهما شرطان أساسيان في رفع التحديات المطروحة. ندوة الجامعة في السياق ذاته شهدت كليتي الحقوق بسلا وأكدال على التوالي، ندوتين حول الجامعة، أثار فيهما المشاركون سؤال مستقبل الجامعة المغربية، وكذا علاقتها بالتنمية والبحث العلمي، وحصيلة الإصلاح الجامعي بعد مرور نصف العشرية المقررة له. بحيث تطرق مصطفى أكوتي، أستاذ مبرز في الاقتصاد، في مداخلة حول البحث العلمي بالمغرب، أن هذا الأخير يشكو من ثلاثة نواقص كبرى، لخصها في غياب هيكلة، وعدم قدرة الجامعة على بناء شراكة استراتيجية مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي، والافتقاد إلى الشروط السياسية والثقافية المناسبة، وأشار أكوتي إلى أن الدراسة التي أنجزت خلال 2003 لتقييم الجهود المبذولة من طرف الباحثين المغارة، كشفت أن الجهود المبذولة جد متواضعة، في الوقت الذي سجلت غياب سياسة حكومية للبحث العلمي، وأوضح المحاضر أن البحث العلمي بالمغرب، يشكو ضعف عملية تقييم وتقويم نظام البحث العلمي، وهيمنة البحث الفردي على الجماعي، مما يطرح مشكل استمرارية البحث في المشاريع المقررة، فضلا عن عدم كفاية وتشتت الإمكانيات المالية. وأبرز أكوتي أن أن إنتاج المعرفة واستثمارها ليس شأنا خاصا بالجامعة، وإنما يعني كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، الأمر الذي يتطلب تضافر جهود مختلف مؤسساته، بحيث تكون مؤسسات لإنتاج المعرفة، وأخرى لاستثمارها، ودعا المحاضر إلى تقوية الجسور بين الجامعة والمقاولة، انطلاقا من الإجابة على أربعة أسئلة تدور حول كيفية إنتاج المعرفة وتداولها، وكيفية الحفاظ عليها واستثمارها، الأمر الذي يتطلب، يقول أكوتي، من الجامعة أن تكون ورشة للبحث والتفكير فيه، وليس إدارة تقنية تدبر ما هو يومي، وأثار أكوتي انتباه الحاضرين إلى التأثير الجوهري للبعد الثقافي والسياسي، على البحث العلمي، باعتباره في حاجة إلى مجموعة من القيم التي تكيف الإيمان بقيمته، و دوره في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يتطلب توفير حرية تداول الأفكار والمعلومات، بعيدا عن التضييق السياسي والحقوقي، واعتبر المحاضر المنظور الجديد للسياسة التعليمية محشوة بقيم المهنية، بشكل يجسد استمرار آليات الضغط والتحكم السياسي وتحولها إلى آليات الضغط والتحكم الاقتصادي. الدكتورعبد العزيز أفتاتي، أستاذ بكلية العلوم بوجدة، في مداخلة حول الإصلاح الجامعي بعد مرور خمسة سنوات، أبرزو أن ليس هناك إصلاحا جامعيا بدون تمويل حقيقي، مؤكدا على أن الإصلاح الحالي يسكنه هاجس التمكين للمذهب الإديولوجي الليبرالي، الذي يسعى إلى تحويل التربية إلى سلعة تباع وتشترى، انسجاما مع منطق السوق الاقتصادي، وكشف أفتاتي الفرق الشاسع في ميزانيات البحث العلمي بين المغرب وغيره من الدول كاسبانيا وإيطاليا وفرنسا، مرجعا التفاوت الموجود إلى غياب البحث العلمي كأولوية لدى الحكومات المغربية، وأوضح المحاضر الفرق الشاسع في عدد الباحثين بين المغرب وهذه الدول، التي كثيرا ما تشكل نموذج للساسة المغاربة في الاقتباس التعليمي أو غيره، وكشف أفتاتي أن الهندسة البيداغوجية التي أقرها الميثاق في البداية، تم التراجع عنها في الهندسة البيداغوجية الحالية، مشيرا إلى أن عدد خريجي الجامعة تراجع بسبعة آلاف خلال السنوات الخمس الماضية، وأبرز الأستاذ الجامعي أن الإصلاح الحقيقي يتطلب أولا الاستقرار والتمويل، وهما ما لم يتوفرا للإصلاح الحالي، الأمر الذي جعله أقرب إلى الفشل إن لم يكن قد انتهى إليه، وكشف المتحدث ذاته، أن الذي يتم الآن ليس إصلاح التعليم الجامعي، وإنما ملاءمة النظام التعليمي المغربي مع النظام الأوربي. التنمية في ليلة اليوم نفسه، التقى الحاضرون في المنتدى، مع الدكتور محمد الفايد أستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، في موضوع أي إسهام للمدنية الحديثة في خدمة الانسانية؟، بالمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية، تطرق فيه إلى مثالب الحضارة المعاصرة، حيث يعتبر العلم مقدسا، مما أدى إلى مخاطر تربوية وطبية واجتماعية واقتصادية تهدد الوجود البشري في استمراريته، وأكد الفايد أن التنمية عملية ذاتية تنطلق من إرادة الشعوب وهويتها، محذرا من الضياع الثقافي الذي يعيشه الانسان المعاصر اليوم، وأضاف الفايد أن الحضارة كما حددها القرآن الكريم، هي توازن شامل، تربوي واجتماعي وسياسي واقتصادي، مشيرا إلى الحضارات الظالمة مآلها إلى الزوال، كما يبين القرآن الكريم ذلك. وأشار الأستاذ المحاضر أن الحضارة المعاصرة تفتقد إلى التوازن المطلوب، حيث هناك غرب منتج وآخرين مستهلكين، أدى إلى تبعية عمياء في كل شيء، اعتقادا بأن التقنية الغربية وحدها الطريق إلى التقدم، الأمر الذي اعتبره الفايد حقيقة غير علمية وتفتقد إلى الدليل، لأن التنمية عملية نفسية أولا قبل أن تكون مسألة تقنية، مستدلا في ذلك بتجارب واقعية من بلدان أسيوية بالخصوص.