منذ الشهر الثالث للاحتلال الأمريكي للعراق تبدت معالم فشل المشروع الأمريكي. وقع ذلك عندما برز نشاط المقاومة العراقية على نحو أقنع الجميع بوجودها، ومن ثم بقدرتها على الاستمرار والتصاعد. عنوان الفشل في ذلك الوقت كان يتمثل في وقوع المحتلين بين مطرقة المقاومة وسندان القوى الإسلامية الشيعية المتحالفة مع إيران، وأقله القريبة منها، في حين كان المحتلون يمنون النفس بتيار سياسي تابع يستخدمه الأمريكيون كوكيل يحكمون البلد من خلاله. من أجل مطاردة المقاومة وتقليل الخسائر كان على الأمريكيين أن يقبلوا بصعود القوى المتحالفة مع إيران، ومن ثم تسليمها مهمة إعادة إنتاج قوى الأمن والجيش على نحو يمكنها من استلام المهمة القذرة في الشوارع نيابة عن قوات الاحتلال. وهكذا مضى المسار السياسي (مجلس الحكم، الجمعية الوطنية الانتقالية، الحكومة الانتقالية، الجمعية الوطنية المنتخبة، الحكومة المنتخبة)، ومعه المسار الأمني (جيش، شرطة، داخلية، فرق خاصة) بيد القوى الشيعية، لكن ذلك لم يحقق النجاح، إذ فشلت القوات الأمنية العراقية في استلام مهمات الأمن أو تحقيق الاستقرار، الأمر الذي اضطر قوات الاحتلال إلى مواصلة نشاطها وتحمل الخسائر. لا جديد إذن فيما عرف باستراتيجية بوش لتحقيق النصر في العراق. إذ أنها ذات الاستراتيجية المعتمدة منذ تأسيس مجلس الحكم، أي العمل على توفير عملية سياسية تعطي الانطباع بأن المسار الديمقراطي يمضي في طريق النجاح، إلى جانب استمرار الجهود الأمنية لمطاردة المقاومة ونقل السلطات الأمنية إلى القوات والأجهزة العراقية. في هذه المرحلة تبدو الانتخابات القادمة محطة مهمة بالنسبة للأمريكيين على اعتبار أن العرب السنة سيشاركون فيها، الأمر الذي يمنحها الشرعية التي لم تتوفر في الانتخابات الماضية، في حين يتوقع أن يشارك الفائزون من هذه الفئة في الحكومة المقبلة، كي يقال إنها حكومة تمثل كافة الطوائف في العراق، وأنها هي ذاتها التي تمنح رخصة البقاء "المؤقت" لقوات الاحتلال، ما يعني أن مقاومتها لن تكون مشروعة. إلى جانب ذلك ستتواصل الجهود الرامية إلى إدماج بعض قوى المقاومة العراقية في العملية السياسية، وبالطبع من خلال اللعب على تناقضاتها، ومن ثم إقناعها بلا جدوى الاستمرار في العنف، على أمل أن يتحقق الأمن والاستقرار ويغدو بالإمكان خروج القوات الأمريكية من المدن نحو قواعد عسكرية بعيدة تتحكم بالبلاد من خلالها. على أن هذا المخطط لا يبدو في وارد النجاح، ذلك أن الانتخابات وفق القانون الحالي لن تغير شيئاً في طبيعة التركيبة القائمة (التحالف الشيعي الكردي)، بقدر ما ستؤكد نظرية الأقلية بالنسبة للعرب السنة، أي عشرين في المئة أو ما دون ذلك بعد هضم حق المحافظات العربية السنية في سياق توزيع مقاعد الجمعية الوطنية، وإذا أضفنا إلى ذلك احتمالات التزوير المتوقعة في ظل عملية سياسية يشرف بيان جبر وعساكره على إدارتها، فيما يشرف طالباني وبرزاني عليها في الشمال، إذا أضفنا ذلك فسندرك أننا إزاء عملية محسومة النتائج، ولن يغير من بؤسها أن يبادر الحزب الإسلامي ومن يتحالفون معه في جبهة التوافق بعد الانتخابات إلى المشاركة في الحكومة ببضعة وزارات هامشية، إلى جانب منصب فخري مثل رئاسة البرلمان أو رئاسة الجمهورية. وفي حين ستواصل هيئة علماء المسلمين وقوى المقاومة رفض الاعتراف بعملية سياسية من هذا النوع، إلى جانب التأكيد على إخراج قوات الاحتلال، فإن المقاومة ستتواصل، وبالطبع بشقها المشروع ضد قوات الاحتلال، والإشكالي ضد الأجهزة العراقية التي تساعد الاحتلال، والثالث المرفوض ضد الأبرياء غير المحاربين. خلاصة القول إن استراتيجية بوش المجربة والفاشلة ستواصل فشلها، والنتيجة هي أن الهزيمة لا بد منها بصرف النظر عن طريق إخراجها.