فقدت مناطق الجنوب الأسبوع الماضي أحد أهم الأعلام بالبلد، من الذين ذاع صيتهم داخل مناطق سوس وخارجها، ويتعلق الأمر بسيدي الحاج احمد بن البشير بن الحاج المدني الناصري الإفراني، الذي وافته المنية عن سن تناهز 97 عاما مساء يوم السبت 2 شوال 1426 5 نونبر ,2005 بمنطقة مجاط التي مكث فيها أزيد من 50 سنة. أنفق عمره في البذل والعطاء وإصلاح ذات البين والجهر بالحق، وتبعا لما أوصى به، فقد تم دفنه بالقرب من ضريح والديه وجده سيدي المدني الناصري بجماعة إفرانإقليمكلميم، بعد أن شيع جنازته جمع غفير من أهله وأصدقائه وأحبائه من مختلف مناطق المغرب. وفي الكلمة التأبينية التي ألقاها بالمناسبة الأستاذ محمد الصالحي قريب الفقيد ورحمه الله وعضو المجلس العلمي بتيزنيت أشار إلى بعض خصال هذا الرجل الذي أورثه الله ما أضفاه على الأسرة الناصرية السوسية من علم وصلاح وكرم وشهامة ونصح وإيثار وشفقة وحنان، واسترسل في الحديث عن صبره وكرمه ومجاهرته بالحق وحبه لأهل البيت وصلة الأرحام. وفي هذا السياق رصدت التجديد بعض الشهادات في حق الفقيد من الذين عرفوه وعاشروه وخالطوه عبر مختلف مراحل عمره، فقد حفظ القرآن الكريم منذ صغره، ودرس أمهات كتب العلم على يد الشيخين سيدي محمد بن الطاهر الإفراني، بمدرسة تنكرت، العتيقة وعلى يد سيدي عبد الله بن محمد الصالحي الإلغي، بمدرسة أمسرا، وكان يرافق والده ويحضر مجالسه التي كان لها كبير الأثر في تكوين شخصيته، هذه الشخصية التي تميزت بصفاء السريرة وطبعت بالصفح والعفو. وقد ساهم المرحوم سيدي الحاج أحمد بن البشير الناصري المزداد سنة 1329ه 1912م بشكل فعال في إجلاء الاستعمار، إذ يعتبر رمزا للوطنية والمقاومة، حيث انضم إلى الحركة الوطنية منذ سنة 1944 وانخرط في أعمال المقاومة منذ بداياتها الأولى، فاشتهر بالشجاعة والإقدام، وعمل إلى جانب الوطني الكبير علال الفاسي، وإلى جانب الدكتور عبد الكريم الخطيب، الذي تربطه بالفقيد صداقة حميمية. أنشأ زاوية بقبائل مجاط مارس من خلالها التربية على الطريقة الناصرية، وكان حريصا على زيارة موسم سيدي محمد بناصر الدرعي بضواحي زاكورة (مؤسس الطريقة الناصرية)، كما كان مهتما بالأنشطة الفلاحية. ومما عرف عن الفقيد رحمه الله تمتعه بذاكرة قوية، من خلال معرفته لمختلف الأعراق والسلالات وانتماءاتها وحفظه للأشعار وأقوال الحكماء، ويشهد الكثير ممن صاحب المرحوم بتدينه ومواقفه الجريئة، حيث كان يجهر بما يراه حقا ولا يخشى في الله لومة لائم، كما أن الله تعالى متعه بهيبة ووقار وتواضع مع نبل وشهامة. وفي الميدان السياسي عرف الفقيد رحمه الله منذ سنة 1963 بصفته عضوا في مجلس المستشارين وعضوا في مكتبه المسير، وقد توجه آنذاك إلى بعض الدول الإفريقية كالسنغال ومالي عضوا في البعثات البرلمانية، كما ساهم في تدبير الشأن العام المحلي، حيث كان رئيسا لجماعة إفران الأطلس الصغير في الستينات. اعتمر وحج البيت الحرام أزيد من 12 مرة، وكانت أول مرة يشد فيها الرحال إلى الديار المقدسة سنة 1951 عبر الباخرة. للفقيد أربعة أبناء، ثلاثة منهم ذكور، سهر على تعليمهم وتحفيظهم القرآن الكريم بالمدارس العتيقة، ومكنهم من متابعة الدراسة بالتعليم الأصيل وجامع القرويين بفاس وكلية الحقوق بالرباط.