لقد برز بعض المؤرخين المغاربة وامتازوا في مؤلفاتهم على تدوين الطبقات والتراجم، وكان لهم القدح المعلى في هذا النوع الخاص من الكتابة، حتى أصبحت سنة في نشر العلم والأدب وغيره، فألفوا في تراجم عائلاتهم وبيوتاتهم وأشياخهم وكل ما يمت إليهم بصلة، حتى صارت الآن مراجع ومصادر لقضايا التاريخ المغربي، لأنه ضمن هذه التراجم تذكر عرضا استطرادات ومسائل غامضة وبحوث وقضايا متنوعة، كذكر أو وصف المدن والقرى والإتيان بالعديد من الوثائق، سواء كانت ظهائر أو رسائل رسمية أو فتاوى أو ذكر للمدارس العتيقة منها على الخصوص، مع ما يذكر أحيانا من العادات والتقاليد، إلى غير ذلك مما لا يمكن أن يوجد إلا في هذا النوع من المؤلفات. وكتابات العلامة محمد المختار السوسي يغلب عليها هذا الطابع من التأليف، فنجد مثلا أن موسوعته المعسول، التي نهج فيها نهجا خاصا تتبع فيها جمع مختلف المصادر التي يحتاج إليها، ووظفها في تراجم عديدة لمختلف الطبقات تعايش فيها العالم والشيخ والأستاذ والتلميذ، والصوفي والفقيه والأديب والشاعر زيادة على القواد والرؤساء إلخ....، وفيه من الأخبار والأحداث التاريخية، مما جعله يتبوأ الصدارة كأهم كتاب تاريخي مؤلف في القرن العشرين، وسلط الأضواء أيضا على عدد من القضايا بجزئياتها وتفاصيلها، كما هو الشأن في الكفاح المغربي قديما وحديثا، مع ذكر عدد كبير من الحوادث والحروب والأمراض والمجاعات، ولهذا كله، فإن للمعسول مكانة خاصة، حيث إن مؤلفه رحمه الله أنقذ لنا عددا هائلا من الوثائق الرسمية، ظهائر منها أو رسائل أو فتاوى أو قصائد شعرية، زيادة على عدد من المخطوطات أتى بها كلها أو ملخصة أو عرف ببعضها أحيانا. وزيادة على موسوعة المعسول، نجد مثلا أنه جعل للعلماء السوسيين كتابا آخر على حدة، ألا وهو رجالات العلم العربي في سوس، وكما جعل للأدباء مؤلفا اختص بهم، وهو المؤلف الذي ما يزال مخطوطا في جزأين مترعات الكؤوس، وكما ترجم لفقراء والده في مؤلفهم منية المتطلعين، وخص كذلك أحد مريدي والده سيدي أحمد الفقيه الركني بمؤلف خاص به أسماه إتحاف النبيه وله أيضا، رحمه الله، في جانب التراجم كتبا أخرى من أهمها الترياق المداوي، الذي ترجم فيه حياة والده الشيخ، وهناك أيضا تراجم أساتذته الحضريين في كتابه مشيخة الإلغيين من الحضريين، وهناك أيضا مخطوط له الصالحون المتبرك بهم في سوس أخيرا وكذا علماء تافيلالت، حيث وجدناه في كناشة ضمت 38 ترجمة صغيرة، وربما لم يتممه، وأثناء اعتقاله في معتقل أغبالو نكردوس جعل لكل من عاشرهم هناك كتابا يترجم لهم، هو الجزء الثاني من معتقل الصحراء ولا ننسى أن نذكر بأن ـ كما قلنا سابقا ـ أول كتاب اشتغل به في حياته، وقد كان ابتدأه سنة 1340 هـ، وهو آنذاك في نهاية عقده الثاني، هو ترجمة حياة والده المسمى حياة الشيخ الوالد، وقد كان هذا المؤلف هو البذرة الأولى لكتاب الترياق المداوي، وكذا من أفواه الرجال بأجزائه العشرة، الذي لا يخلو هو الآخر من العديد من التراجم، ولم يبق لنا إلا مخطوط كتابه الرؤساء السوسيون، الذي تتبع فيه كثيرين ممن لهم رياسة كالقيادة والمشيخة في العهود الأخيرة من أواخر القرن الثالث عشر الهجري، إلى حوالي منتصف الذي يليه، وجعله في فصلين: الفصل الأول في القواد الحسنيين الرسميين المعينين من لدن المولى الحسن الأول، والثاني في الرؤساء القبليين. وفي إطار هذا كله، وبمناسبة الاحتفال بمرور ثلاثين سنة على انطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، ارتأينا أن نسوق في عدد اليوم تراجم بعض القواد والرؤساء، الذين اخترناهم من الكتاب المخطوط المذكور أخيرا الرؤساء السوسيون، وقد رأينا أن نأتي ببعضهم، والذين هم متاخمون للأقاليم الصحراوية. رضى الله عبد الوافي المختار السوسي المكلف بنشر تراث والده للاتصال: 070469751 إطلالة على مخطوط الرؤسـاء السوسيــون للعلامـــة محمــــــد المختــــــار السوســـــي بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثلاثين لانطلاق المسيرة الخضراء، ارتاينا أن نلقي نظرة على بعض تراجم قواد ورؤساء المناطق الجنوبية المتاخمة للصحراء العزيزة، حسب ما ذكره المرحوم العلامة محمد المختار السوسي في مخطوط كتابه الرؤساء السوسيون. مقدمة المخطوط: هؤلاء مجموعة من الرؤساء، وفي أيديهم صولجان الإدارة، وزمام العامة والخاصة، ولذلك لابد أن نلقي عليهم نظرة، ولكن هؤلاء الرؤساء كثيرون متنوعون، فمنهم الرؤساء الرسميون المسمون القواد، ومنهم الرؤساء القبليون فقط، وحيث لا نتكلم إلا على أواخر القرن الماضي، الثالث عشر الهجري، والنصف الأول من هذا القرن الرابع عشر، رأينا أن نضيف شرطنا ليمكن أن نجعل بين يدي القارئ نماذج تمثل أخلاق أولئك الرجال في عصرهم، كما يراه المؤرخ، وإلقاء نظرة عجلى على أدوارهم التي مثلوها، فاخترنا أن نسوق من نعرفهم، ممن كانوا القواد الحسنيين الذين قدمهم المولى الحسن عند تشريفه لسوس، سنة 1299هـ، وفي سنة 1303هـ، ثم بعد ذلك نذكر بعض رؤساء قبليين رأيناهم أولى بالموضوع، ولكونهم إلى معارفنا أقرب. وقد كانت سوس، في القرن الماضي كله على عادتها من النظام القبائلي فقط، حتى جاء مولانا الحسن فحاول أن ينظم القواد عليها، ولو رسميا وظاهرا فقط، فلنخلد عمله هذا، ولنذكر من تشرفوا بتقديمه. وهناك قواد يردون نوابا من السلطان إلى المراكز الكبرى، كتزنيت بعد تأسيسها، وتارودانت ، لا نتعرض لهم الآن، لأنهم ليسوا من السوسيين في شيء، لا يمثلون نفسيتهم، ولا عقليتهم ولا أخلاقهم، فلا داعي للتعرض لهم الآن، ولو لم نرد الاختصار. محمد المختار السوسي لطف الله به القـــــواد الحسنيـــــون القائد دحمان الكلميمي الوادنوني القائد دحمان بن بيروك بن عبد الله بن سالم بن الشيخ عبد القادر ـ ولعل عبد القادر هو أول رئيس من رؤساء الأسرة ـ لأن الرياسة كانت في ما بعد القرن الثاني عشر أو في أواخره، وبين هؤلاء، وبين آل هاشم التازروالتيين ود وصلة، بل مصاهرة في ما سمعت، ولذلك تمشى كلمة الأسرتين على نمط واحد، وقد اشتهر الرئيس بيروك إلى أن توفي 1274هـ، وقد قسمت تركته سنة 1276هـ، وقد خلف ثمانية أولاد مع بنات، فعليهم قسم القاضي علي ابن البخاري التركة، وقد كان وقع أسيرا وربى في يد آل بيروك، فصار من يدهم إلى يد سيدي هاشم الإيليغي، فكتب الأسير مذكرات عما وقع له، فذكر آل بيروك وسيدي هاشم، وذلك قبل 1240هـ.. كان القائد دحمان خلف أباه، فعاصر الحسين بن هاشم في صولته، فكان أحد أعضاده، ثم لما تنظمت القيادة 1299هـ على يد السلطان مولانا الحسن كان من جملتهم، وآل بيروك كآل سيدي هاشم، اشتغلوا بالتجارة مع السودان، فتكونت لهم ثروة، تمكنوا بسببها في جهتهم، وقاعدة رئاستهم في قلعة أكلميم، وقد سوروها وجعلوا لها ثلاثة أبواب، وفيها عين تسمى (تيط نتسكورت) ـ عين القطاة ـ وكان المتحذلقون يسمون هذه القطعة (فاسا الجديدة)، ولما سافر السلطان مولانا الحسن إلى(سوس) 1299هـ ليجبر ما كان واقعا في بعض نواحي تلك الجهة، من الاتصال بالأجانب، وجد في المترجم خير رجل ناصح قوي، فقام بحراسة تلك الناحية، مستعينا بالقوة التي خلفها السلطان هناك، وقد أعطاه السلطان كل ما يتوقف عليه، وأفسح له المجال، وأمده بالعدد والعدة، حتى بالمدافع المجرورة والسلاح الجديد إذ ذاك، من بندقيات القرطاس، بله الأموال العتيدة، فتكونت له شيعة قوية تساند الجنود الحكومية، فتم أمل السلطان كما يريد به، فكان له شفوف بين القواد الكبار بذلك، وقد بنى بناء متينا في داره، وقد كان استجاد االخرثى والفرش والآنية، وكان حاتم صقعه، يجيد الطبخ، ويقدم للأضياف جفانا كالجوابي، تطفح بالأطعمة المسنمة بأكاليل الشيزى. جاء الكلولي سنة 1315هـ، فحنى له كل القواد الرؤوس، فيجبي بهم المغارم من القبائل إلا هو، فإنه ابتعد عنه، ويسرب إلى الحكومة كل أفعاله، فبه فسد أمره أخيرا، فعزل سنة 1318هـ ، ولما خلفه أنفلوس وطلع إلى (مجاط) ونزل في قرية(تاغلولو) ورد عليه في أصحابه ليؤدي له التحية الواجبة، وقد أخبرني من رآه إذ ذاك أنه كان رجلا طوالا أعرابيا ذا أنفة، وبسببه ألف العلامة سيدي محمد بن العربي الأدوزي كتاب الموالي، وقد تلاقيا في (إيليغ) فسمعه يتنقص من عبيد الشريف سيدي الحسين. كان عابدين هو الخليفة للقائد دحمان، ولعله هلك قبل القائد الذي مات في رجب 1325هـ، وقد خلفه في مركزه محمد فال، سنتين ثم فتك به أولاد الحبيب من بني عمومته، وذلك بعدما كان في القيادة إبراهيم خليل بن أحمد بن الحبيب بن بيروك، فقتله أحمد سالم بن القائد دحمان، فبهذا التنازع فشل آل بيروك بين جيرانهم وضعف أمرهم، فظهر إزاءهم علي فال بن الحاج بلعيد المتوفى سنة 1331هـ، ولم يلبث إلا قليلا، وكان شجاعا بهمة، ثم خلفه أخوه محمد بن بركة الوارد من (تنبكتو)إلى 1347هـ، فهلك حتف أنفه، وآل الحاج بلعيد ليسوا من آل بيروك، وبعدهم ورد دحمان بن عابدين بن بيروك من (تينبكتو) 1349هـ، فاسترد مكانة أهله، ثم بعد احتلال (اكلميم)آخر 1352هـ تعين قائدا رسميا، فبقى إلى أن كانت حوادث 1370هـ حول الاستفتاء المزعوم حول العرش، فكان من جملة الملحوظين بالعناية، فظهر اسمه في المتشبثين باسم العرش الشرعي، فعزل بعدما سجن ما شاء الله، فهو إلى الآن في داره، وله أولاد ذوو شعور، يذكرون اليوم في (أكلميم)، ويلاقون ما يلاقيه الأحرار. القائد محمد بن مولود الإدحمادي الوادنوني يسكن ب(فصك)، يذكر مع القواد بمعاصريه، وهو ذو إقدام وثبات ككل قواد الأعراب الصحراويين، الذين ينشأون في الأنفة من الصغار والذلة من عهد صغرهم. القائد إد مسعود الزروالي الوادنوني هو قائد (إد مسعود) يذكر أيضا مع القواد في تلك الجهة، ولكن حاله عندنا كحال من تقدمه، ثم علمت أنه قد احتاج أخيرا غاية، حتى جلا إلى(الحوز)، فمات هناك سنة 1329هـ. القائد علي ابن الشيخ مسعود الأخصاصي من فخد (آيت علي)، أول من كان قائدا على (الأخصاص)، ثم تلاه القائد بوهيا، كريم إلى الغاية لا يبقي ولا يذر، ولكن الزمان لم يعنه، فبعدما برقت له بارقة في الرياسة عثر عثرة لم يقل له السعد فيها لعا، وسمعنا انه كان ذا يد على بوهيا، ولكن هذا جازاه جزاء سنمار، ولا يزال ينحت أثلته، ويجري في إضراره، والدهر الخؤون معه حتى نال منه ما يراه، وقد كانت الفترة ما بين 1299 هـ إلى 1315هـ فترة لم يكن فيها لجميع هؤلاء القواد إلا الإسم فقط، وبعض شرف نسبي معنوي، وأما المادة فليس للإنسان منهم إلا ما سعى، ثم لا بد أن ينفق مما سعاه للإبقاء على مركزه المعنوي إن أراد المحافظة عليه، حتى الهدايا المعتادة تقديمها في الأعياد إلى العرش، إنما يجمعها من يستحيي من القائد من أقاربه طواعية، فويل لكل من عثر به دهره، أو أعرض عنه منهم أقاربه، كعلي هذا، فإن العشاء سقط به على السرحان، فأملق قبل أن تطلع سنة القواد سنة 1315هـ، التي ارتاش فيها، وفيما بعدها القواد مع الحاحيين، وبذلك سقط اسمه، ونسي مركزه، حتى لم يقدر أن يرفع الرأس إذ ذاك، فنسيه الدهر، فكان القائد بوهيا والقائد المدني على جميع (الأخصاص)، فبقى الآخر يتقلب في مفاقره إلى أن توفي بعد 1320هـ، ومن أغرب ما وقع أنه كان يحسن إلى إنسان إحسانا جما في أيام عزه، وحين قلب له الدهر مجنه بكر صبيحة يوم عيد إلى ذلك الإنسان، فمنعه البواب من الدخول، فرجع بصدر يتلوى امتعاضا وأمعاؤه تتفتت سغبا، ولا نحسب هذا المتحجر القلب إلا القائد بوهيا نفسه، وإنما كتم من ذكر الحكاية اسمه، لئلا ينال بوهيا مقت التاريخ، لأنه صاحبه، وقد كان بوهيا صهرا للقائد علي، وقد كان لأبيه الشيخ مسعود في الرياسة قدم قبل أن يتولى ولده القيادة. القائد بوهيا بوفوس الاخصاصي إسمه إبراهيم بن عدِّ بوفوس، قائد (الأخصاص)، كان ابن كسبه قبل 1315هـ، فتيسر له ما يبقي به مركزه المعنوي قويا، إلى أن جاءت سنة 1315هـ، فاستولى وعرك(الأخصاص) ، ثم لم ينشب أن فسد ما بينه وبين القائد الأعلى الكلولي، فأرسل إليه القائد محمد بن أحمد بن حسون التزنيتي، والقائد عبد السلام الجراري، والقائد سعيد البعقيلي، فراودوه على مراجعة تزنيت، وضمنوا له الأمن التام من الكلولي، وقالوا إنهم يحملون منه عهد الله وميثاقه، فقال: أترون إن مكر بي ماذا أنتم صانعون؟ قالوا: نظن أنه لن يخيس عهده، فقال لهم: ولكن إن خاسه فماذا تصنعون؟ تحوقلون وتسترجعون، ثم حكى لهم حكاية أسد رابض في أجمة، يقوم ثعلب بمؤونته كل يوم، فكان يستقدم إليه الوحوش فيفترسها، وفي يوم جاء الثعلب إلى القنفد فقال له: إن في هذه الأجمة وليا من أولياء الله، ذا بركة تزوره الوحوش سواك، وما الجفاء لك بخلق، ولا أنت ممن يليق به أن لا يغتنم بركة الصالحين، فانقاد القنفذ حتى إذا توسط الطريق وقف يتأمل الآثار، فقال للثعلب: ما أرى هنا إلا آثار الذاهبين فأين آثار الراجعين؟ لا والله ما أنا بمقدم على مكان لا يرجع منه، وأطلب الله أن تلحقني بركة صالحك، ونفحة من وليك، وأنا في حجري آمنا سالما غير متعرض للمخاوف، فرجع القنفد، وكذلك أنا أقول لكم: ما أنا بمعترض لمن يفترسني، فرجعوا آئسين، وكان بوهيا كلا شيء أمام الكلولي، ولكن القائد دحمان يسانده، ثم أنه أجفل من داره ب(الأخصاص) إلى دحمان مستجيرا ـ وقد ترك القبيلة في يد مزاحمه القائد المدني ـ فنزل بـ(إكسل) يبني دارا، كأنه عازم على الاستقرار، وهو ينتظر رجوع الجواب إلى دحمان في قضيته، وقد رفعها إلى الوزارة ب(الحمراء)، وكان ذلك من الأسباب التي ارتحل بها الكلولي عن(تيزنيت)، وسبب التفاقم بين بوهيا والكلولي، أن بوهيا يظهر منه استبداد بالرأي عليه، ثم أقام له الكلولي القائد المدني على طرف من (الأخصاص)، فاسود ما بينهما كما نرى، ثم لما أخلع الكلولي أواسط سنة 1318هـ، راجع بوهيا داره قرير العين، فالج القدح، فوجد داره متهدمة، فأعاد بناءها بإتقان حضري، ثم كان عند أنفلوس في منزلة عليا، وقد انجلى المدني عن (بيزكارن) إلى(فصك)، فاستبد من جديد بكل (الأخصاص) إلى أن انقشع سحاب أنفلوس 1321هـ، فحوصر حصارا شديدا صابر فيه، وداره ممتلئة بالرجال، إلى أن صغرت كفه، وخلا مزوده، فأقلع بأهله فنزل (تالعينت) ب(أيت جرار)، عند القائد عبد السلام، فآواه وذلك في سنة 1323هـ فهدمت أيضا داره، ثم إنه زحف بـ(آيت جرار)، فلاقى البعمرانيين وغيرهم على (افرض ندادا حماد)، فانهزم البعمرانيون، وقتل ذلك النهار الشيخ الحسين بن يحيى ، ثم تقدم بوهيا بمن معه فهدموا دار سي أحمد بن الطالب العبلاوي، وكان ابن الطالب أحد المتحزبين على بوهيا حتى هدمت داره فأخذ منه بثأره، فلم يزل بوهيا في حروب مع أعدائه والمدني وشيعته يناوئونه، إلى أن كانت معركة إزاء(دار بني الشين) فجرح بوهيا جرحا بليغا حمل به إلى (تنكرفا) فهلك، وذلك 25 صفر 1229هـ، وقد أفاض في ترجمته المؤرخ الرفاكي، فأدى لصاحبه ما يستحق، واللُّهى تفتح اللَّهى، ولا يشكر إلا الرجل الحر الطيب الأصل. الرؤســــــــاء القبليــــــــون القائد المدني الأخصاصي الرجل العظيم الشهرة أخيرا، وأسرته تسمى إدعبلّ الحاج، والمدني هو ابن احمد بن عبلَّ بن الحاج محمد، وهي أسرة مجيدة بين الأخصاصيين، وأول من اشتهر منهم شهرة كبيرة أحمد بن عْبْدْلَّ، وكان عضدا من أعضاد الحسين بن هاشم، وهو في نفسه رجل مروءة وعفاف وملازمة للصف ولدليل الخيرات، وقد هلك مختتم القرن الماضي أو في سنة 1301 هـ، ثم ظهر في الأسرة أخوه سعيد بن عْبْلَّ، فكان مع القائد بوهيا المذكور يدا واحدة، وكان شيخ فخدة (إدْبْوتَاتّنْ) إلى أن سرب إليه أخوه عمر من فتك به، وذلك في نحو 1312 هـ، ثم ظهر عمر بن عْبْلَّ في مظهره، فنشأ تفاقم بينه وبين المدني، الذي صار إذ ذاك تبرز قرونه، فكان ينعى عليه قتل سعيد، فظاهر عمر القائد بوهيا على المدني حين قدمه الكلّولي حتى أجليا المدني عن بلده، ثم بعد الكلّولي هلك عمر نحو 1319هـ، فخلا الجو للمدني، وقد جاءه هذا الاسم من الشيخ سيدي المدني الناصري، دفين (تانكرت)، الذي يقام عليه اليوم موسم سنوي، وقد توفي 1307هـ، بات عند والده يوم ولادته فسماه باسمه، ثم نشأ عزوفا مقداما على العظائم، ولكنه فقير، وقد حكى ثقة أنه لحقه يوما وهو راجل، وقد انشق مقدم نعله البالية فخرجت إبهام رجله وهو يسوق أتانا ضئيلة هزيلة، حمل عليها آصعا من الشعير نفحه بها القائد بوهيا الغني المثري، شفقة عليه، قال الحاكي: وكنت أنا على رمكة في رفقة، فأشفقت عليه وقد رأيته حافيا متلويا في شملة سوداء، وعلى رأسه خيط أسود متدل على أسمال جنبيه على هيأة لباس الصحراويين المدقعين، ووقفت فنزلت فنقصت من الشعير إلى مخلاة فرسي، فوضعها عرض قربوس السرج، وقد رزمت أتانه، وناولته حذائي فانتعلها، فصرت معه نزجي الحمارة حتى نزلنا من الشعب المطل على (بوزكارن)، ولما قارب قريته أخليت ما في المخلاة في عدل أتانه، فقلت له: إن الأمر الآن سهل وقد قاربت دارك، في مبدإ هذا المسكين الذي هذا وصفه، ظهر القائد المدني العظيم الشأن، وسبب بروزه إلى ميدان الرياسة أنه كان في محاربة الكلّولي، بـ(وجان) بين أهله، فلاقى من خليفة القائد بوهيا عنتا ومكرا كبيرا، فاشتكى وبكى على القائد محمد بن هيبة، وكان حاضرا فوقف معه، فأوصله إلى القائد الكلّولي، فوصفه له وصفا لائقا وأنه من بيت رياسة، يقدر أن يقاوم، وقد كان ما بين القائد بوهيا وبين الكلّولي في جو يزداد اكفهرارا، فسماه رئيسا على إخوانه (إِدْبُوتَاتْنْ)، فقام بوهيا وقعد، ولكن لم يجد ما يصنع، فقد وصل ظهير عزيزي بتولية القائد المدني على أفخاد من (الأخصاص)، مؤرخ في جمادى الثانية 1317 هـ، فثبت مركز المدني في (الأخصاص) وقد والى إلى الكلّولي كل ما يريده من أموال الرعية، فحمد مسعاه، ثم لما انجلى الكلّولي ورجع بوهيا وقعت حرب بينهما، فاندحر المدني إلى (فاصك) وبقي هناك كل عهد أنفلوس، ثم رجع إلى (الأخصاص) فكان له شأن بين أهله حين جلاء أنفلوس في تخريب ديار القواد، ثم بقي رئيس (إدبوفولن) لا غير، إلى أن ظهر أمر الهيبة، فكان ممن بادر إليه، فولاه على (الأخصاص) جميعا، فمن ذلك اليوم تسمى قائدا على الجميع، فكان مع مربيه ربه إلى (الحمراء) في طليعة الهيبة، ثم كان الانهزام فكان بين الناس، ثم رجع إلى (الأخصاص)، فصار يجول بكل ما أمكن له في تذليل العقبات أمام التمكن في (الأخصاص) حتى لم يبق في (الأخصاص) من يعارضه، فصار يغرِّم الناس ما شاء، وبسط الأمن، وصار وحده مصدر الأمر والنهي ولا كلام آخر معه في (الأخصاص)، ثم تطاول إلى غيرها، فاستولى على (أيت عْبْلَّ) حين قتل أحمد بن الطالب كما تقدم، ثم على (آيت يعزى)، والقبيلتان من (آيت باعمران)، كما استولى من (إفران) على (تيمولاي)، ثم إلى (تانكرت) و(إداوشقرا)، فنزل عليهم حتى غرمهم غرامة حرب دارت بينه وبينهم، وهي ثلاثون ألف ريال حسني، ثم نادى في كل (إفران) أن مفصل دعاويهم في (بوزَكارْن) وحده، ومعنى ذلك أنهم صاروا من إيالته، وقد كان استولى على (آيت همان) بـ(آيت براييم) فبدا له أن يستولي على كل (مجاط) فزحف ولده محمد الشجاع، فنزل بينهم فجأة، فحين قيل له إلى أين أنت زاحف؟ قال: إن الأمر العالي في (بوزكارن)، فإليه يذهب من أراد أن يعرف وجهتي، هذا جوابه بنصه، فرأى المجاطيون، وقد كان بينهم خلاف، أن الرجل مصمم على إنجاز ما في ضميره، مما يتوجسه من الناس، وأنه لا يرده إلا القوة، وأن الحديد لا يفل إلا بالحديد، فإذ ذاك أجمع المجاطيون كلهم فردوه رغم أنفه، ثم نزلوا إلى (إفران) وطردوه منها، وكان القائد امبارك الذي كانت بينه وبينه عداوة متأصلة رغم ما بينهم من المصاهرة، يبدي ويعيد في مضادته، إلى أن لم يبق له إلا (تيمولاي) و(إفران)، وهي في الحقيقة طرف من (الأخصاص) من قديم، وكذلك زحف مثل هذا الزحف إلى (آيت باعمران)، ولكن الشيخ سعيد وأهله وشيعتهم ردوه وهو يتعثر، وهذا كله بمواطأة مربيه ربه، الذي صدق المدني في قوله أن هذه القبائل لا تكون فيها لك فائدة، إلا إذا توحدت قيادتها، ولذلك لا يكاد يستولي على ناحية حتى يصدر إليه مربيه ربه ظهيرا بتوليه عليها، وقد صارت تخوم حدود إيالته التي يمضي فيها أمره ونهيه بلا معارض لا تتجاوز (الأخصاص) و(تيمولاي) و(آيت همان) و(آيت عْبْلَّ) و(أيت يعزى) ولكن له في هاتين القبيلتين الأخيرتين من يراعيه في وقت جمع المغارم، وكان يعلن في كل فترة بمغرم عام، فكم مائة ألف ريال حسني وزع أقساطا، فجمع إلى آخر درهم، وهو في غير إيالته هذه له حزب قوي من بين الرؤساء من القبائل البعمرانية والمجاطية إلى الجبال الجزولية إلى الصحراء، فينشر لهم فضلات يقنعون بها، وكذلك له فقهاء يأوون إليه ويرون فيه حامي البيضة، فيشيدون بذكره، تملقا منهم وتزلفا لما في يديه، ويستغل هو ذلك، فيتظاهر بأنه أشد الناس إيمانا... وهو ذا هيبة بصون أسراره، حتى أنه لا يترك أية رسالة بعد قراءتها دون حرقها إن كان فيها سر، أخبر بذلك أحد كتابه، وكان ضيق السجن، يجعل الضباع مع المسجونين، زيادة في تخويفهم، مع أنهم يسلسلون ويصفدون ويكبلون، وقد يكون على حق في بعض اللصوص والفتاك بالناس، وقد كان يسير دائما على سياسة فرق تسد، فيها يسود على الناس وهو شديد الحجاب خوفا على نفسه، ولكنه كريم مضياف لا يسأل الواردين أين ولا من هو، فيكتفي هو وفهيمته، وهو الذي سور (بُوزَكَارْنْ) وجعلها عاصمة لإيالته، ثم استحالت مركزا عاما للقبائل التي تناصره، ومن عادته أنه يؤدي صلاته بأوقاتها وأورادا يذكرها، ويتظاهر بقراءة المصحف وتفهم الآيات، وكان ينحاس إلى صالحين اختار عليهم بشيء من أعشاره، وكان كلما طلب من الطلبة دعوة، يجعلها منها ألا يعيش حتى تعلو عليه يد الحكومة، فكان من الغرابة أن استجيب الدعاء فسقط مريضا فأسلم الروح في 8 رمضان 1352هـ،، في الوقت الذي تتهيأ فيه الحكومة للاحتلال النهائي لتلك البلاد، وأخباره وقضاياه وحروبه كثيرة تستحق كلها التدوين، فإن الرجل يقل مثله من العصاميين، الذين يبنون مجدهم بأيديهم بلا معاونة حكومة، ثم يستبد 22 سنة تامة، ثم خلفه أخوه الحنفي الذي كان خليفته في حياته بإذن منه لأولاده، ثم بقي الأمر كذلك إثر الاحتلال الذي جاء بعد وفاته بشهرين، فالقائد الحنفي اليوم رسمي في (الأخصاص)، وولده المدني خليفته، وقد خلف المدني من الأثاث والأموال والحبوب عجائب، ذكر لنا أن من ذلك 360 زربية غالية كبيرة من دون ما يبتذل مثله ونحو 200 صينية كبيرة منها مفضضات عشرات، والمقارج الغالية الحمراء بمجاميرها نحو ذلك، ولكن الناس تعجبوا حيث لم يوجد من الدراهم إلا نحو مائة ألف ريال حسني لا غير، فقال أين تلك المغارم الهائلة، مع أنه لا ينفق منها أصلا، ولكن صح عند بعض المطلعين أن الأيدي من الورثة جالت في ذلك، فانقضى أمر القائد المدني وذهب كبرق خاطف، والبقاء لله، في لية الجمعة عاشر شعبان 1364 هـ، وولده الباسل محمد مات حتف أنفه بجمادى الأولى 1345 هـ، وهو عضد والده وقائد جيوشه. وتوفي القائد الحسين الاثنين متم صفر 1366 هـ، بعد رجوعه من الحج بـ36 يوما. القائد محمد بن القاسم الإمسراوتي الإفراني رئيس من رؤساء القبائل، كبير القدر في (إفران)، فله سمعة طنانة، وأحاديث وحكم وأحوال، لا يزال الناس يتحدثون بها، وكان يحكم في أمور القبائل، وفي الخصومات بين الأسر، فلا يتعقب حكمه، وهو أيضا لا يعدو الحق، فبذلك سودته قبيلته، واعترفت به قبائل أخرى تجاوزها، وقد عرف بالسلم والسعي فيه والإشادة بالفضيلة، وبالغنى والضيافة، هذا كله ما أخبر به أهل تلك الجهة، ولا ريب أن هذه صفات من جمعها تكون سيادته مذهبة التاج، توفي نحو 1280هـ، فيما ظهر من أخبار الناس، وقد غادر ولدا يسمى سعيدا، اختل مزاجه فهلك، ومحمد بن سعيد بن محمد بن بلقاسم هو اليوم الرئيس الرسمي على تلك القبيلة، لما كان له قبل الاحتلال من ظهور بين رؤساء القبيلة، لشرفه التليد، ولتأصل بيته في الرياسة. القائد محمد بن أمغار التيمولائي من أسرة انتقلت من(إدغرال الأخصاصية)، وكانت الرياسة القبلية فيها قديمة، وهذا أحد أفرادها الذين عندنا أخبارهم، ويعيش إلى ما وراء 1260هـ في القرن الماضي، وكان مذكورا بجودة الرأي والكرم والديانة، ككل رؤساء ذلك العصر. القائد الحسن بن محمد بن أمغار التيمولائي ولد المتقدم، خلفه وكان دونه في الشهرة والزعامة، ولكنه في كل حال ليس بسكيت، وكان صليبا ذا أنفة، وذات يده لم تهيئه لمركز كبير، وقد اشتهر في حروب مرت تلك الجهة، توفي حتف أنفه 1314هـ. القائد إسماعيل بن الحسن بن محمد بن أمغار التيمولائي ولد المتقدم، اشتهر في الحروب القائمة بين (آل تيمولاي العليا) و(آل تيمولاي السفلى)، وكان مع مركزه كريما، فأعانه ذلك على أن يرتكز مع القائد بوهيا، في حين أن الآخرين مع المدني، وكانت تلك الحروب في سنوات 1315هـ ـ 1322هـ، ثم بعد المصالحة جاء مع مرابط ناصري إلى (تيمولاي السفلى)، ففتك به وبمن معه نحو 1322هـ، ورياستهم لا تعدو قريتهم فعلا، وإن كان يحسب لهم حساب في تلك الجهة. القائد محمد بن حمو التيمولائي اشتهر في مناوأة المدني الأخصاصي كسنوات، يدافعه عن (تيمولاي) بعقل راجح وكرم فياض، وكان محبوبا عند أهله متواضعا لهم، سوده قومه لأخلاقه وعقله وكرمه، مع أنه أقلهم مالا، وكان متدينا، قد يكفي أعيان القرية لهمتهم يوم عيد، ثم أنه غلبه المدني فوغل (تيمولاي) سنة 1335هـ ، وفي السنة بعدها قتل. القائد مبارك بن علي الأشقرائي الإفراني كان ذا ثروة كبيرة في أوائل القرن الماضي هيأت له مركزا في قبيلته، ولا يعلى على يده، وكان رئيسا محمودا له حكايات، مات بعد 1250هـ فيما ذكر، فتمزقت ثروته، ومن أجداده يدر السوقي التنكرتي، الفقيه