اهتم العلامة محمد المختار السوسي بالثقافة الأمازيغية، سواء من حيث جمع متونها الأدبية أو الدراسات المقارنة حولها أو الترجمة إليها. وذلك انطلاقا من تصوره الفكري الذي عمل على أساسه، وهو إبراز ارتباط المغاربة جميعا والسوسيين خصوصا بالإسلام عقيدة وشريعة وشغفهم باللغة العربية دراسة لقواعدها وإبداعها فيها، ومن مؤلفاته في هذا المجال ترجمته لكتاب الأربعين حديثا النووية إلى الأمازيغية السوسية. يعد العلامة محمد المختار السوسي في طليعة الرعيل الأول من رجال الوطنية والفكر والثقافة بالمغرب في عهدي الحماية والاستقلال. وقد أهله لشغل هذه المكانة فكره الإصلاحي المتجلي في أعماله العلمية ونضاله الوطني من أجل الاستقلال وتنمية بلاده بالحفاظ على قيمها العربية الإسلامية وثوابتها الوطنية وترسيخ سمات الشخصية المغربية الأصيلة المبدعة. وقد تعددت الواجهات التي اهتم بها العلامة السوسي، فمن النضال الوطني إلى الإصلاح الاجتماعي، ومن التأليف التاريخي إلى الإبداع الأدبي، ومن التصنيف العلمي الشرعي إلى التربية والتعليم، وقد أنتج هذا النشاط الدائب والعمل المستمر مؤلفات كثيرة تنيف على الثمانين جزءا، تميزت بعمق النظر ودقة التفكير وحسن الترتيب وسعة الإحاطة. من أبرزها كتابه: المعسول في عشرين جزءا وخلال جزولة في أربعة أجزاء والإلغيات في ثلاثة أجزاء ومن أفواه الرجال في عشرة أجزاء... وغير ذلك من المطبوعات والمخطوطات. محمد المختار السوسي والثقافة الأمازيغية تناولت الدراسات والبحوث الجوانب التاريخية والأدبية من إنتاج العلامة السوسي من خلال رسائل وأبحاث جامعية وكتب ودراسات منشورة، وبقيت جوانب أخرى ما زالت في حاجة للدراسة منها اهتمام العلامة السوسي بالثقافة الأمازيغية، سواء من حيث جمع متونها الأدبية أو الدراسات المقارنة حولها أو الترجمة إليها. وقد اختلف الدارسون حول اهتمام العلامة محمد المختار السوسي بالثقافة الأمازيغية، فمنهم من دافع عن جهوده في هذا المجال وعده من رواد الدراسات الأمازيغية، وهناك من حمل عليه وعده من المهملين لتراثهم الأمازيغي حين لم يتعرض لجمع نصوصه وعكف على استقصاء مظاهر اهتمام السوسيين بالثقافة العربية الإسلامية وجمع إنتاجهم وترجم لأعلام العلماء ونوابغ الأدباء. ولاحظ عليه هؤلاء إهمال إيراد النصوص الأمازيغية، بل تجنب إيرادها في كتابه المعسول حينما يتعلق الأمر بحادثة تاريخية وردت حولها نصوص أمازيغية سوسية. ومهما يكن الموقف من العلامة السوسي، فقد كان مخلصا لمنهج اصطفاه ولمرحلة تاريخية معقدة تميزت بالتدخل الأجنبي في المغرب وتهديد مقومات البلاد وقيمها الإسلامية وثوابتها الوطنية، وكانت أصداء الظهير البربري لا زالت ترن في الآذان معلنة عن خطة استعمارية لقطع المغرب عن ماضيه العربي الإسلامي وربطه بالقوميات الأوربية الناشئة في أواسط القرن العشرين الماضي تلك القوميات المتعصبة التي أدت إلى تدمير أوربا نتيجة الحرب العالمية الثانية. وكان العلامة السوسي يرى مع زملائه في الحركة الوطنية المخاطر المحدقة من انطماس التراث الأصيل الذي قضى المغاربة دهورا طويلة في بنائه وتنميته ليعبر عن ارتباطهم بعقيدتهم وعن شخصيتهم المتميزة، فعملوا جميعا لأجل الحفاظ عليه من التيارات الفكرية الوافدة الكاسحة وذلك عبر توثيقه وحفظه للأجيال المقبلة التي ستعمل ـ كما اعتقدوا - على الاهتمام به وإحيائه واتخاذه وسيلة للبناء والتنمية. وخلال هذا التوثيق كان رواد الدراسات الأدبية والتاريخية بالمغرب مهتمين بالتجليات المحلية والجهوية للحضارة الإسلامية في حواضرهم وبواديهم وجهاتهم، مركزين على السمات الجامعة للفكر والإبداع المغربي، مبرزين إجماع المغاربة عبر التاريخ على الاعتزاز بالعقيدة والدين، متجنبين ما أمكنهم ـ حسب تصورهم ـ خدمة المشروع الاستعماري، البارز من خلال الظهير البربري والواضح من خلال الدراسات الاستعمارية التي كتبها أقطاب الدراسات التاريخية من أمثال هنري تيراس وميشو بيلير وباسي وغيرهم.. ممن كان غرضهم تحقيق تغيير فكري بالمغرب يرمي إلى طمس هويته الحضارية وربطه بصفة نهائية بفرنسا. لقد كانت هناك إذن دوافع فكرية وتاريخية مرحلية دفعت العلامة محمد المختار السوسي إلى الاهتمام بالتراث العربي الإسلامي في منطقة سوس عوض العناية بنظم النظامين السوسيين بالأمازيغية والتعريف بهم، فجعل الأولوية للأهم قبل المهم، ولما ينبغي استدراكه قبل ضياعه مما يمكن تأجيل الاشتغال به لينهض بعبء توثيقه وضبطه وجمعه ونشره بعد الاستقلال من آنس من نفسه الكفاءة والقدرة، حينما تنتقي الموانع من الاهتمام به ويصبح في نظر المغاربة تجليا من تجليات التراث والثقافة الإسلامية المغربية الأصيلة باللسان الأمازيغي في مختلف جهات المغرب، عوض أن يكون كما في نظر الدارسين الغربيين مظهرا من مظاهر الفكر والإبداع خارج نطاق العقيدة والقيم الوحدوية للمغاربة. غير أن ما ينبغي أن نشير إليه أن العلامة محمد المختار السوسي لم يهمل الثقافة الأمازيغية ولم ينسلخ من طينته التي نشأ عليها في قريته بدوكَادير إلغ، بل اهتم بما أمكن له منها انطلاقا من تصوره الفكري الذي عمل على أساسه، وهو إبراز ارتباط المغاربة جميعا والسوسيين بالتحديد بالإسلام عقيدة وشريعة وشغفهم باللغة العربية دراسة لقواعدها وإبداعها فيها، ومن مؤلفاته في هذا المجال نذكر: - الألفاظ العربية في الشلحة السوسية: وهو مقال نشره بمجلة اللسان العربي عدد فيه مظاهر تأثر الأمازيغية السوسية بالألفاظ العربية الكثيرة التي اندمجت فيها وانسجمت معها إلى أن صار الناس يستعملونها حتى في المناطق الجبلية الأكثر عزلة. - أمثال الشلحيين وحكمهم نظما ونثرا، مجموع أمثال بلغت 1500 مثل جمعها فاستعارها منه الكولونيل جوستينار وترجمها إلى الفرنسية ونشرها ببعض المجلات الفرنسية ثم أملاها على زميله في معتقل أغبالو نكردوس محمد الفاسي. - حديث سيدي حمو: مؤلف حول العادات والتقاليد والأخلاق والحياة الاجتماعية في سوس نشر نجل المؤلف عبد الوافي السوسي مقدمته بجريدة التجديد العدد 1171 بتاريخ الجمعة 2 جمادى الأولى 1426 ـ 10 يونيو .2005 - قطائف اللطائف: مؤلف للحكايات والنوادر السوسية التي تبرز الحياة الاجتماعية في المنطقة. - ترجمة كتاب الأنوار السنية في الكلمات السنية لمحمد بن أحمد بن جزي الغرناطي إلى الأمازيغية السوسية. - ترجمة الأربعين النووية إلى الأمازيغية السوسية: وهذا الكتاب هو الذي ندرسه في هذا العرض. ويمكن أن نضيف إلى هذه المؤلفات اهتمام العلامة السوسي بوصف المخطوطات الأمازيغية في كتبه كما فعل في كتابه خلال جزولة الذي جمع فيه رحلاته العلمية في جــبال الأطـــــلس الصغير ووصف فيه الخزانات التي زارها وما فيها من كتب ومخطوطات، ومن جملتها الكتب المحررة بالأمازيغية. من خلال كل ما مرّ نرى أن العلامـــــــة محمد المختار السوسي قد أدلى بدلوه في الاهتمام بالثقافة الأمازيغية من خلال هذه المؤلفات وقدم لها ما لم يقدمه أي أحد من معاصريه، والظاهر أن الذين ينتقدونه إنما يؤاخذونه على شدة اهتمامه بإسهام المغاربة عامة والسوسيين بصفة خاصة في خدمة الثقافة الإسلامية، مقابل قلة اهتمامه بما كتب بالأمازيغية من أشعار وحكايات فيلزمونه بما لم يلزم به نفسه ويحاكمونه بناء على ذلك محاكمة جائرة لا أثر فيها للمقياس العلمي ولا تثبت ولا استدلال. التعريف بترجمة كتاب الأربعين النووية يعد كتاب الأربعين حديثا للإمام أبي زكرياء يحيى ابن شرف النووي المشهورة بالأربعين حديثا النووية من كتب مختارات الأحاديث التي سار فيها المؤلف على منهج سابقيه في جمع أربعين حديثا في أصول الدين أو في الفروع أو في الجهاد أو الزهد أو الأخلاق أو الخطب، وقد قال في مقدمتها: وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله، هي أربعون حديثا مشتملة على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وقد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام أو ثلثه أو نحو ذلك، ثم التزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيحي البخاري ومسلم، وأذكرها محذوفة الأسانيد، ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها إن شاء الله تعالى. وقد لقي كتاب الإمام النووي انتشارا واسعا بين الناس في مختلف البلاد الإسلامية وفي المغرب خاصة فقد اهتم به المغاربة وحفظوه ورواه العلماء بسنده إلى مؤلفه وانبروا لشرح أحاديثه والتعليق عليها، وأدرج في المقررات الدراسية في مختلف العصور الإسلامية، كما جعله الوعاظ خاصة من أتباع الطرق الصوفية ومريديها مادة لمواعظهم وحثوا الناس على استظهاره. أما في منطقة سوس فلقي الكتاب رواجا كبيرا ورواه السوسيون بالسند المتصل إلى مؤلفه الإمام النووي كما نجد عند أبي زيد عبد الرحمن التمنـــــــــــارتي ت 1060هـ في كــــتابه الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة حيث رواه عن شيخه يحيى ابن عبد الله الحاجي العالم المدرس بالزاوية المنانية الحاجية بأحواز تارودانت الذي رواه بسند متصل بالإمام ابن حجر العسقلاني. المهدي بن محمد السعيدي عن الموقع الإلكتروني لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتصرف ملحوظة: نظرا لضيق الحيز حذفنا الهوامش، فمعذرة لكاتب المقال وللقراء الكرام. مواعظ في أبيات نخصص هذا الركن لترجمة بعض الأبيات الشعرية الأمازيغية التي تضمنت مواعظ بليغة ورقائق تربوية، مكتفين بعرضها وترجمتها، وتاركين للقارئ الكريم حرية التأمل والتدبر والتعليق: ءايايد ءيويغ ءادّونيت ءيزالن ءاويغ ءيضان حضوغ تيروليوين نخوب ءيتّلي ربّي رّاي ءور شيخ شا ءيشا ءورد نحيدّج ءوردّجين زّولّيغ ءالّيك دوّزغ ءوسّان ن تودرت س لمعصيات ءور ءوفيغ مايد قّيلغ ياد ءيفّغي شّغل ءافوس ءاوي ءوري تكْراز ءار ءاسّا كـْ ءاغ يومز واشال ءاتا ءاوكـّ عايدن ءادّونيت ءاد ءيكّ ييتّسن ووسّان ءواكـّ عايدن ءاد ءيزّال ءاد ءاكّن ءيلمساشين ءاد زلّعغ ءاكـّ ءايلّي كَان وينو كولّو ءوزومغ ءاد دّوغ ءار لحيدّج ءيس فرضن غيفي ماشا سمارنت تيرّا ءيتّوكَا لحوكم غيفي ءفات لامر ياضو لشتاب ءالّ نغ تقّيميد ءاد ءيد ءيهدو ربّي ءانحضو دّين نغلب شّيطان نحضو تازّالّيت نهنّا زكـْ لموحرّامات وا توزنيد لموت سين ءيمازانّ ساولّيي شاناخ تيميتار ن ءايت ييكِيل تيقّورارين ءادّاكْ ءيمليل بنادم س شّيب ءوخسان تّوتّين ءيناقساس زّاد ءيوافود ءيكشمتن موحول ءيكَا ءام ءوسطّا ييوض ووبّوي غور ءوغانيم ءاداغ ءيرحم ربّي ييوطّيد رّحيل ن واشال كم عملت يا دنيا بالليل والنهار وتعبت وشقيت واختلطت أموري ولم أتصدق قط ولم أحج البيت ولم أصلِّ وأمضيت كل أيامك في المعاصي لم تعد بيدي حيلة وفاتتني الفرصة وما ندمت إلا بعدما لم يعد ينفع الندم يا ليتني أعود إلى الدنيا ولو أياما قليلة كي أصلي واتصدق على الفقراء حتى لا ادع شيئا مما أملك وأصوم وأحج البيت الحرام لكن هيهات هيهات فقد صدر الحكم وقضي الأمر وطوي السجل ولا فائدة من البكاء رب اهدني كي اتمسك بديني وأتغلب على الشيطان وأحافظ على صلاتي وأبتعد عن المحرمات أرسل إلي الموت رسولين فحدثاني عن علامات واضحة لأهل الفناء عندما تبيض شعرات الرأس وتسقط الأسنان وتنقص القوة عن الجسم ويظهر فيه الضعف فذاك أشبه بمنسج يشرف على النهاية رحماك يا ربي ها قد اقترب الرحيل الفقيه سيدي امحمد بن البشير الناصري الإفراني في ذمة الله ســوس تـودع أحـد علمائهـا الأعــلام قالوا عن العالم الفقيد رحمه الله أبو القاسم اليزيدي (من تلامذة الفقيد) نعمى لقبر حل به الإفـراني ودع المغرب عموما، وأرجاء سوس والجنوب خصوصا، عالما عاملا تقيا، أفنى عمره في طاعة الله ذكرا وعبادة، وتعليما وإنفاقا، وشاء الله تعالى أن يتوفاه إليه بعد فجر الخميس 17 محرم الحرام 1427 هـ، الموافق 16 فبراير 2006 م، عن سن ناهزت 91 سنة، قضى 49 سنة منها في تدريس العلوم الشرعية وما يرتبط بها من فنون في مدرسة سيدي علي أوسعيد الأخصاصية البوياسينية بنواحي إقليمتزنيت، فتخرج على يده فقهاء وعلماء وأئمة وأدباء. وهوالزاهد الناسك سيدي امحمد بن البشير الناصري الإفراني، الذي تعلقت به قلوب الناس وعمّهم فضله، وفقد فيه المغرب، بل الأمة كلها، العالم الورع والمعلم المقتدر والأديب الموسوعي والفقيه المتضلع. وقد ولد رحمه الله سنة 1336هـ بمدشر أمالو في تنكرت بجماعة إفران الأطلس الصغير، التابعة لإقليمكلميم، حفظ القرآن على يد سيدي محمد أوحسون بمسجد توريرت ن علي مجوض، وأخذ العلم عن والده سيدي البشير بن المدني الناصري وسيدي الطاهر محمد الإفراني، وابنه العلامة سيدي محمد بن الطاهر، وتصدر للإقراء بمدرسة سيدي علي أوسعيد بالأخصاص، وبها مكث إلى أن وافته المنية بإفران مسقط رأسه. التجديد بادرت إلى إنجاز ملف عن الفقيد سيدي امحمد بن البشير الناصري رحمه الله، فزارت واتصلت ببعض الفقهاء والعلماء الذين تتلمذوا على يده أو عرفوه وخالطوه، وقد أجمعت كل الشهادات على مكانته العلمية العالية ومعرفته العميقة وأخلاقه الرفيعة وتمثله لنهج السلف الصالح قولا وعملا. ونظرا لضيق الحيز، واعتبارا لأهمية هذه الشهادات ومكانة أصحابها، فإننا سنعمل على نشرها على جزأين، سائلين اللهالمغفرة والرضوان للفقيد، ولذويه وأهله وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان. و{إنا لله وإنا إليه راجعون}. الحسن بونعما تسرب في الأسبوع الماضي خطأ تقني إلى هذه الشهادة، حيث نشرت الأبيات التي تتضمنها على أنها شعر حر، بينما هي من الشعر العمودي، مما تسبب في اضطراب المعنى، ونعيد في ما يلي نشر هذه الشهادة مع الاعتذار لصاحبها وللقراء الكرام. نزلت بنا وبالأمة فاجعة وفاة شيخنا الفقيه الأجل العلامة الرباني سيدي محمد بن البشير بن المدني الناصري الإفراني تغمده الله بالرحمات والرضوان، فجادت، لا بل أملت علي قريحتي مرارة المصاب، وعصرت من ذاكرتي حرارة الفؤاد، هذه الأبيات بل شبه أبيات كرثاء في حق شيخنا الإفراني، لا أداء لحقه ولا إبرازا لقدره، فذلك كالشمس في رابعة النهار، وإنما إبرادا للغلة، وإبراء - أحاول - للعلة، ومن باب: ما لا يدرك كله لا يترك جله، فجمعتها ليلة السبت التاسع عشر من محرم المذكور، وكتبتها وألقيتها في اليوم نفسه بإفران. على أنني لم أعرضها على فن عروض ولا بديع، ولا حاولت نحوا من ذلك، وإنما أطلقت عنان الفكر والقلم تسوقه جيوش الذهول أين وكيف تشاء، ولم أبال بشيء مما عسى أن يكون من نقد أو انتقاد، لأنني لست بشاعر ولا أديب، ومن دأب الأدباء والنقاد إغضاؤهم عن مثل هذا الكلام الذي يعرفون أنما هو نفثة مصدور، ومن هذه الأبيات: هم الزمان ولم يهم بصالح أضنى الأنام بمؤلم الحدثان ما للزمان وللأفاضل صرفه فيهم يصول بفعل ذي عدوان يا أيها الزمن المدير دوائرا للمتقين وكل ذي عرفان أقسمت لو أحنيت رأسك مرة ألبسته غدرا من التيجان ومددت ألوية الفجار علامة حتى يحاذر غدرك الثقلان هذا الإمام أخو المعالي محمد من علمه في الناس ذو سيلان أفزعتنا بمصابه وفجعتنا هلا أخذت معاشر الثنيان إن الفقيد يفوق وزنا أمة وأهالها من رجحة الميزان جمع الفضائل والمكارم والتقى كل الأنام بذا شهود عيان ما شئت من علم ونسك خالص وتقلل نصح بل إدهان قد كان للآمال قبلة قاصد يعطي عطاء لا تطيق يدان قد كان موئل جاهد متعطش للعلم منه تشنف الأذنان يا سوس قد أفلت شموس علومنا وأفولها خطب عظيم الشان كل الليالي قد يزول ظلامها لكن ليلك لن يفي بأذان موت الفقيه مصيبة لا تجتلي لسقيم إدراك وللعميان قد قيل ـ وهو الصدق ـ ليس بمدرك فضل الأفاضل غير ذي عرفان موت الفقيه مصيبة فليبكها الـ شجعان في نحب كما النسوان لله أفئدة أصيب غشاؤها من غاشم بمهند وسنان لله أفئدة تئن كليمة ليست تطيق تنهدا بلسان لله أفئدة تلهب وهجها هل تحتويها رحمة الرحمان لله أندية سلبن زعيمها من كان يغمرها بسحر بيان يامن يروم مثيله في عصرنا هون فلست ترى له من ثان ... لو كان يمكن ذاك عشت مؤملا لكنه الزمــن الــخـؤون يــماني إن أنس لن أنسى الفقيد وعلمه نعمى لقبــر حــلــه الإفــرانــي حيى الإله بوابل من رحمة جــثــمانه مترشـــحا لـجنـــان واشفع له يارب عفوا بالرضى أنت المؤمل أنت ذو الإحسان üüüüü هذه محاولة فقط لتسلية النفس بل لتسرية الغم عنها ولكنها أبت إلا أن تبقى تتوجع وتستحلي ذلك التوجع لما فيه من ذكرى الفقيد رحمة الله عليه، وإن لم تغب لحظة عن الذاكرة. والله يعلم كم مرة تاهت الروح في المنام حتى تلتقي مع الشيخ الفقيد تراه مناما وتتفاءل بذلك أن تراه في اليقظة فيتم اللقاء، لكن هذه المرة ـ ومن سوء حظها ـ رأته في المنام كما العادة وتاقت إلى رؤيته قبل أن يستقبله أو يستقبلها عالم البرزخ، ويشاء الله تعالى أن يبقى ذلك التوقان يجول ويجول حتى يلتقي بالشيخ - إن شاء الله - في فراديس الجنان منعما مظللا برحمة الله راضيا مرضيا وقد أبدله الله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله، وراحة وروحا بدلا من عناء هذه الدنيا، وأنسا في جوار المنعمين عوضا من وحشتها الموحشة، فكم كان يستوحش من بهرج الدنيا وزهرتها، وكم كان دائم العناء الفكري بالنظر في ما آلت إليه أحوال المسلمين، بل أحوال البشرية جمعاء، وكم كان مهتما مغتما بتأخر المسلمين في العلوم الدينية والدنيوية، إذ يرى ـ رحمه الله - أن الطائفة المعدودة على الأصابع من العلماء المبرزين لا تفي بتلبية حاجة الأمة ولا تسد هذا الفراغ الذي يملأه الجهل، وحقا فالعلم والجهل كالماء والهواء، كلما ترك الماء فراغا إلا وملأه الهواء، فكذلك العلم والجهل، وقد صرح في هذا المجال بأن أمنيته الوحيدة أن لو كانت لديه إمكانات يوظفها في إنشاء معاهد إسلامية متعددة الاختصاصات يشرف عليها ويوسع بها دائرة العلوم، فرحمة الله على الفقيد، فقد ذهب مأجورا بأمنيته الغالية، وإنا لله وإنا إليه راجعون.أ