بعد الإعلان الرسمي من طرف البنتاغون نهاية الشهر الماضي عن وصول عدد القتلى من الجنود الأمريكان إلى ألفي قتيل (سقط أكثر من أربعين منذ الإعلان إياه) يبدو من المناسب التذكير بجملة من المعطيات التي يحلو للبعض تجاهلها لأغراض سياسية بحتة، ففي البداية ثمة ما يمكن أن يقال في ظلال الرقم المذكور، ذلك أنه لا يشمل غير القتلى من الجنود النظاميين من حملة الجنسية الأمريكية في حين يعرف القاصي والداني أن هناك من يلبسون زي الجيش الأمريكي لكنهم لا يحملون الجنسية الأمريكية، بل دخلوا الجيش لأغراض الحصول عليها إضافة إلى المزايا التي تتوفر لهم من خلال العمل في هذا القطاع، والنتيجة أنهم أشبه بالمرتزقة الذين عرفتهم الحروب والنزاعات المسلحة في العالم قديماً وحديثاً. أما الأهم من ذلك فهو أن الرقم المذكور لا يشمل الأمريكيين الذين يعملون في الشركات الخاصة التي تقدم الخدمات المرافقة للجيش الأمريكي والشركات التي تعمل في مجال إعادة الإعمار، إضافة إلى المتعاقدين مباشرة مع الجيش، ورقم هؤلاء بين القتلى ليس محدوداً بحال من الأحوال. يبقى رقم الجرحى الذي لا يرد في إحصاءات البنتاغون إلا لماماً، لكن متابعة هذا الأمر تؤكد أنه قد تجاوز الستة عشر ألف جريح يتوقع ألا يعود نصفهم إلى الخدمة من جديد بسبب الإعاقة، ومعلوم أن رقم الجرحى يظل كبيراً نظراً لما يتمتع به الجندي الأمريكي من عتاد استثنائي (ستر واقية وخوذات) تحول بينه وبين الموت في أكثر الأحيان، فيما لا تحميه من إصابات قد تفضي إلى إعاقة دائمة. نذكر بذلك كله ليس من أجل التأكيد على حقيقة الورطة الأمريكية في العراق، بل أيضاً من أجل التأكيد على بؤس المقولات التي يرددها أركان الائتلاف الشيعي الحاكم في العراق والتي ترفض الاعتراف بشيء اسمه مقاومة، معتبرة أن ما يجري هو محض إرهاب في إرهاب يستهدف العراقيين. وفي حين لا يمكن إنكار حقيقة أن ثمة عمليات مرفوضة تصيب المدنيين العراقيين، إلا أن ذلك لا يجب أن يلفت الانتباه عن العنف الدموي الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الحكومية بحق الأبرياء في مناطق العرب السنة، إضافة إلى الجرائم اليومية لقوات الاحتلال. المقاومة إذن موجودة وهي الرقم الأصعب في المعادلة العراقية، شاء التحالف الحاكم أم أبى، أما مقولة غياب الأسماء والعناوين خلا تنظيم القاعدة فليست صحيحة بحال، وقبل يومين كان ثمة تقرير لرويترز يتحدث عن تلك التنظيمات وهويتها، والتي أهمها (الجيش الإسلامي، المقاومة الإسلامية الوطنية (كتائب ثور العشرين)، جيش المجاهدين، جيش أنصار السنة)، وهذه جميعاً لها مواقفها وبياناتها، بل إن للمقاومة الإسلامية الوطنية موقعها على الإنترنت أيضاً. هناك مسألة أخرى تتعلق بتأثيرات ما يجري على الداخل الأمريكي والبريطاني، وهنا يبدو واضحاً أن موجة الرفض لمسلسل النزيف البشري، وحتى المالي (عشرة مليارات دولار شهرياً بحسب دوائر مستقلة وخمسة بحسب المصادر الرسمية)، قد أخذت تتصاعد على نحو متواصل، وما حكاية سيندي شيهان والتدهور الواضح في شعبية الرئيس الأمريكي إلا مؤشرات على تحولات أساسية ستتطور تباعاً لتفرض على المحافظين الجدد ما لا يريدون. يبقى من الواجب تذكير سادة الائتلاف الشيعي الحاكم بأن المكاسب التي حققوها طوال العامين الماضيين لم تأت بسبب ذكائهم السياسي وإنما لاضطرار المحتل إلى التعاون معهم من أجل الهروب من وطأة المقاومة، ولولا تلك المقاومة التي يواصلون إنكارها لكان الحاكم العسكري الأمريكي ما يزال سيد الموقف، ولما كان للمحافظين الجدد الذين جاءوا إلى بغداد وهم يسنون أسنانهم لضرب طهران أن يمنحوا حلفاءها كل هذه الميزات في العراق الجديد.