أكدت العديد من المصادر في العاصمة الأمريكية أن التقارير التي رفعت الى الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني وكذلك إلى وزارة الخارجية وعدد من الهيئات الرئيسية في توجيه سياسة البيت الأبيض، عن مهمة كارين هيوز مساعدة وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس في منطقة الشرق الأوسط، استقبلت بسلبية أو تشاؤم كبير. فقد أعتبرت هذه الأوساط أن مهمة هيوز التي تدخل في نطاق ما يعرف بالدبلوماسية العامة او الشعبية التي تهدف لتحسين صورة امريكا في المنطقة العربية، لم تحقق أي تقدم ملموس وأنه رغم الوعود التي تلقتها هيوز ومرافقتها الرئيسية دينا حبيب وهي من أصل مصري، من طرف المسؤولين الذين التقتهم حول المساهمة في تحقيق الهدف الأمريكي، فإنه يجب على الولاياتالمتحدة قبل غيرها بذل جهود ضخمة لتلميع صورتها في الشرق الأوسط خاصة وبقية الدول الأسلامية، وأنه على واشنطن وحلفاءها التخلص مما يعرف أمريكيا بأدبيات الكراهية، أي كل ما تعتبره الأدارة الأمريكية حائلا بين حب العرب والمسلمين لها. تحديد مفهوم وهوية أدبيات الكراهية مرن جدا بالنسبة للجان التابعة لمجلس الأمن القومى الامريكي والمختصة في الموضوع، فهو يشمل الصحافة ووسائل الأعلام بمختلف أشكالها كما يتضمن البرامج الدراسية على كل المستويات وكذلك التربية الدينية والمقصود طبعا التربية الأسلامية ومواد التاريخ، أي كل ما من شأنه أن يجعل الأنسان في المنطقة يدرك الحقيقة عن تاريخ المسلمين والحروب الصليبية والأستعمار والصهيونية وأغتصاب فلسطين وغير ذلك. المطلوب بكل بساطة من أجل تحقيق المتمنى الأمريكي تزوير التاريخ وتركيب دين جديد للمسلمين من صنع الولاياتالمتحدة. في النصف الثاني من العقد الأخير من القرن العشرين راجت أخبار عن قيام مؤسسات أمريكية بوضع أسس قرآن جديد ترفع منه كل ما تعتبره الأوساط الصهيونية وأوساط اليمين المسيحي مضرا بها، ولما ثارت عاصفة خاصة في العالم الأسلامي نفت الإدارة الأمريكية أي علاقة لها بالموضوع ونجحت في أن تجعل العاصفة تمر. ولكنها دأبت وبإصرار متزايد منذ ذلك الحين على شن حملة للتحكم في العقول عن طريق الهيمنة على الأعلام والتعليم تحت غطاء تأييد الديمقراطية وحرية الكلمة ونبذ الكراهية والعنف وغير ذلك من الشعارات البراقة. وما لا يعرفه الكثيرون من الذين التقتهم هيوز في جولتها هذه، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، أنها مناصرة في غاية التحمس لإسرائيل وترى أن الدولة اليهودية القوية هي الضمان لإستقرار الشرق الأوسط ومنع الإسلاميين من السيطرة على السلطة، كما كانت المسؤولة عن إضافة فقرات من الإنجيل، وتكرار كلمة الله في خطابات الرئيس بوش التي كان يلقيها في بداية حكمه، الأمر الذي جعله يبدو وكأنه يخوض حروبه في العراق وأفغانستان من منطلقات صليبية وتنفيذا لأوامر الرب. ضربة للمحافظين الجدد التقارير عن مهمة كارين هيوز والوضع بالنسبة لصورة أمريكا في الدول العربية والأسلامية شكلت ضربة لكل المتفائلين في الأدارة الأمريكية في نجاح الحرب الأعلامية والنفسية التي يخوضونها مباشرة عبر شبكاتهم الإذاعية والتلفزية كسوا والحرة وتصريحات مسؤوليهم وغيرها، أو عن طريق وسطائهم فيما سمتهم أوساط إعلامية فرنسية وألمانية بصحف المارينز، والمقصود بالنسبة لهؤلاء، الصحف والأقلام التي سخرت وتسخر للترويج لأفكار أمريكا الساعية الى تعميم الحرية والديمقراطية عبر العالم والتي تعتم على كل الأخبار حول جرائم أمريكا وإسرائيل، والتي خصصت لها الحكومة الأمريكية بمختلف فروعها حوالي 628 مليون دولار في السنة المالية .2004 الصدمة التي أحدثها ادراك المحافظين الجدد في واشنطن بأن مخططهم لغسل عقول المسلمين لم يحقق نجاحا يذكر زادهم شراسة في حرب التضليل. وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة الفدرالية أن مذكرات وجهت في بداية شهر أكتوبر 2005 الى كل السفارات الأمريكية وممثليها في المنظمات الدولية وغيرها من الهيئات التي لها علاقة بالدول الأجنبية تنص على تشديد الضغوط علي الحكومات الأجنبية لتتخذ كل ما هو ضروري لوقف كل ما يعرقل تحقيق المخطط الأمريكي، مع التحذير من أن الفشل في تحقيق ذلك سيقود الى حرمان الحكومات المقصرة من جزء هام من المعونات الأمريكية وسيخلق جوا مناهضا لها في مراكز القرار الأمريكي وسيولد دعوات بتغيير هذه الحكومات والحكام تحت غطاء نشر الديمقراطية والحرية. فشل منتظر أقلية في مجلس الأمن القومي الأمريكي والمخابرات المركزية لم يفاجؤا بالتقارير السلبية الواردة من منطقة الشرق الأوسط. فمنذ البداية رأى هؤلاء أن مهمة المبعوثة الأمريكية ستكون صعبة جدا. مؤكدين أن النظرة السلبية للولايات المتحدةالأمريكية في المنطقة سببها السياسات الأمريكية الظالمة تجاه المنطقة وشعوبها لاسيما وقوف أمريكا المستمر الى جانب إسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية الى جانب الاحتلال الأمريكي للعراق. وأكد هؤلاء أن النظرة السلبية لأمريكا في العالمين العربي والإسلامي لن تتغير إذا لم تغير واشنطن من سياساتها في المنطقة وأن مهمة هيوز وغيرها في العالمين العربي والإسلامي عقيمة. وقد أكد هؤلاء في العديد من تقاريرهم السابقة أن غالبية كبيرة من العرب والمسلمين تعتقد أن الحرب التي تقول أمريكا أنها تشنها على ما تسميه الإرهاب موجهة في الأساس ضد الاسلام. المحافظون الجدد في البيت الأبيض ما زالوا يعتقدون أنه بإمكانهم تجميل صورتهم والتخلص من كل ما يقف حجر عثرة في طريق تحقيق حلمهم بالأمبراطورية العالمية بقيادة أمريكا. وهم يقدمون كدليل على أمكانية نجاحهم فيما تمكنت وسائط الإعلام الأمريكية القوية وتصريحات بوش وإداراته من تحقيقه بإستغلال أحداث 11 سبتمبر 2001 في جعل العالم يقبل أن هذه الهجمات مصدرها جماعة القاعدة، رغم أن أمريكا لم تقدم وقتئذ دليلاً قاطعاً على ضلوع القاعدة في الهجمات. وقد نجحت وسائل الإعلام الأمريكية عن طريق التشكيك والتغليط في ربط هذه العمليات بمن سمتهم بالمتطرفين المسلمين وشنت الحرب وجزء كبير من العالم يتعاطف معها في الحرب ضد ما سمته الإرهاب، فذهبت إلى أفغانستان لمحاربة طالبان. وقد كان ذلك انتصاراً للإعلام الأمريكي بإيجاد مواقف متعاطفة مع أمريكا في العديد من بلدان العالم، الأمر الذي سهل لها محاربة طالبان تحت شعار الحرب ضد الإرهاب. ومارست واشنطن أسلوب ترهيب الآخرين ليساندوها أو على الأقل حتى لا يعارضوها عندما حدد الرئيس بوش التوجهات والذي قال وبصرامة قوية من هو ليس معنا فهو في خندق الإرهاب وهكذا وظفت دول العالم كله لمحاربة ما تسميه واشنطن الإرهاب وفق الإجراءات الأمريكية التي نفذتها وفرضتها بشكل خاص على الدول الأوروبية والعالم العربي. وقد استثمرت الأطراف اليمينية المتطرفة هذه الكارثة التي حلت بأمريكا فباتت تعمم الإرهاب على الإسلام رغم أنها كانت خداعاً وتلفيقاً تحصر حربها على من تصفهم بالمتطرفين. وقد اتضحت هذه الحرب المعلنة ضد العرب والإسلام بالإجراءات المصرفية التي اتخذتها بمصادرة وتجميد أي حسابات خيرية إسلامية مفتوحة بدون تمييز. وشنت حملة على المغتربين الأمريكيين العرب فوضعتهم في قوائم المشتبه بهم بالقوانين التي صدرت (قانون الأدلة السرية) حيث بإمكان الجهاز الأمني أن يقبض على كل مشتبه عربي بدون توجيه تهمة له. كما أصدرت قرارات في مجلس الأمن يدعم إجراءاتها في محاربة الإرهاب. كما استغل نفس الأسلوب لمهاجمة المناهج التعليمية في الدول الأسلامية وتشديد الاستعداء لكل حركات التحرر الوطني في العالم.