لم تكد تمضي أيام على انطلاق دورة من الحوار الاجتماعي باستقبال الوزير الأول للمركزيات النقابية ووعده بأن جولات قطاعية أخرى ستتلوها، حتى ظهرت موجة جديدة وشرسة من الإجهاز على الحقوق والحريات النقابية. ولم يقتصر ذلك على القطاع الخاص، الذي يبدو أن كثيرا من مقاولاته أبعد ما تكون عن روح المقاولة المواطنة، وتمارس فيه أنواعا شتى من الإجهاز على الحقوق والحريات في عجز حكومي واضح عن إلزامه باحترام مقتضيات مدونة الشغل واحترام الحقوق والحريات النقابية المكفولة دستوريا وقانونيا ووقعت الحكومة على كثير من المواثيق والالتزامات الدولية بشأنها، بل انتقل ذلك إلى بعض المؤسسات العمومية وشبه العمومية. ما يحدث في مكتب المساهمات والأبحاث المعدنية دليل واضح على ذلك، ويدل على أن المسؤولين الجدد على المكتب بعد إدماجه رجعوا إلى الأساليب القديمة في التعامل مع الحريات النقابية، والمتمثلة في استهداف الأطر النقابية من خلال أسلوب قديم يتمثل في شغل المناضلين النقابيين بمشاكل جديدة وصرف انتباههم عن الملف المطلبي وتخويف الموظفين والمستخدمين من الانتماء النقابي وإبعاد المسؤولين النقابيين عن بعضهم البعض سعيا إلى تخويف البعض وإضعاف المبادرات النضالية. في هذا الإطار تعرض مجموعة من المسؤولين النقابيين المنضويين تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل لهجمة من قبل إدارة المكتب الوطني للأبحاث والاستثمارات المعدنية من خلال تنقيلات تعسفية مباشرة بعد تأسيس مكتب جديد تابع للاتحاد الوطني للشغل، في اعتداء سافر على الحقوق والحريات النقابية، وهكذا تكشف الإدارة من جديد عن تعنتها في مواجهة المطالب المشروعة للشغيلة ومنظماتها النقابية، وتضيف إلى إغلاقها لباب الحوار وصكها لآذانها عن سماع لغته التي ما فتئت تدعو إليها النقابات، هجمة جديدة على الحريات النقابية. وجدير بالذكر أنه على إثر إدماج مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية والمكتب الوطني للأبحاث والاستثمارات النفطية، وانعقاد المجلس الإداري للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن بتاريخ 17 غشت ,2005 باشرت الإدارة كل الترتيبات المتعلقة بالإدماج، سواء تعلق الأمر بالجرد المرقم للمنتوجات والعقارات التي توجد في ملكية المكتبين والحل القانوني لها. لكن مصادر نقابية تؤكد أن مستخدمي وعمال المكتب الجديد قد تم تهميشهم في تدبير هذه المرحلة الانتقالية، كما تم تهميش المركزيات النقابية الممثلة لهم باعتبارها شريكا اجتماعيا تهمه كل التغيرات الهيكلية والتكنولوجية للمؤسستين وكيفية تدبير مواردها البشرية وحصيلتها الاجتماعية، وطرفا أساسيا في إرساء السلم الاجتماعي بهذه المؤسسة. ومن ثم بقيت كثير من مطالب شغيلة القطاع معطلة، ومنها إبرام اتفاقية اجتماعية، وترجمة بنود المحاضر الموقعة، وإحداث صندوق أساسي للتقاعد وتعميم الاستفادة من المنحة التشجيعية والاستفادة من منحة الإدماج. وبالإضافة إلى ذلك كله تتهرب إدارة المكتب من فتح حوار مباشر مع المركزيات النقابية، مما أسهم في خلق أجواء تهدد بتصاعد وتيرة الاحتجاجات داخل المؤسسة وتؤثر على سيرها العام. وتأتي هذه الإجراءات الانتقامية من مناضلين نقابيين كي تكشف عن توجهات الإدارة الجديدة في التعامل مع الحريات النقابية، مما يؤشر على أن المكتب مقبل على مرحلة من التوتر في الوقت الذي كان المستخدمون يتوقعون فيه أن تنكب الإدارة مع المركزيات النقابية على الحوار من أجل توقيع اتفاقية جماعية تضمن الحقوق المشروعة للموظفين والمستخدمين بعد الاندماج وترفع الحيف عن بعض الفئات منهم. فهل سترجع الإدارة إلى منطق الحوار والتعقل لخلق أجواء إيجابية لقيام سلم اجتماعي في المؤسسة؟ أم هل ستتمادى في منطق الإجهاز على الحقوق والحريات النقابية؟ وما موقف الوزارة الوصية على القطاع؟ وما رأي الوزارة الأولى؟ وهل ستتحركان من أجل إيقاف هذا النمط من السلوك، الذي يتعارض مع الدعوة إلى شراكة من أجل سلم اجتماعي؟