بسم الله الرحمن الرحيم بيان صحافي أزمة العراق تتعاظم، وتبقى المشكلة الأساس فيه هو الاحتلال، فهو الذي استباح أرضنا، وهدم مؤسساتنا، وأطلقت حدودنا ليدخلها كل من هب ودب، والدولة الراعية للاحتلال تحاول أن تظهر أمامنا بمظهر المشفق الحريص على مصلحة البلد، وتحاول أن تنسى أو تتناسى، أنها لم تعد موطن ثقة لدى الشعب العراقي، فهي من ارتكبت بحقه من الجرائم ما يكفي ليجعل الهدف الأول لهذا الشعب هو طردها وانجلاء البلاد والعباد من شرورها وآثامها. من هذه المقدمة يمكن تفسير إصرارنا على عدم المشاركة في العملية السياسية القادمة فنحن لسنا ضد الانتخابات ، لأنها في نظرنا السبيل الأمثل للتعبير عن إرادة الشعب بل نحن ضد إجرائها تحت ظل الاحتلال، الذي يعلم العالم كله، ومن خلال التجارب له قبلنا مع دول أخرى، أنه لن يكف عن التدخل في حيثياتها، وأنه سيغيب إرادة الشعب العراقي، وسيفرض أجندته، بما يملك من خبرة لا يملكها غيره في احتلال البلدان وإدارة العمليات السياسية فيها، وبالتالي حين يبلغ ذلك عندنا درجة اليقين، ونرضى أن نشارك في العملية الانتخابية، فنحن من حيث شعرنا أم لم نشعر سنعين المحتل على تحقيق أهدافه، لأننا والحالة هذه سنمنح الشرعية،لمن يريد الاحتلال فوزهم بالانتخابات عبر وسائله الملتوية، وهنا تكمن الطامة، لأن هؤلاء بعد أن يمنحوا الشرعية من قبل الشعب، لن ينسوا فضل الاحتلال الذي وفر لهم الوسائل لصعودهم إلى سدة الحكم وقد يفعلون كل ما يمليه عليهم الاحتلال، وهنا الكارثة، فماذا لو أقرت الحكومة الجديدة وباسم الشرعية بيع مصانع الدولة بثمن بخس، كما حدث في روسيا، واشترى هذه المصانع أجانب باسم فتح الاستثمار الأجنبي،؟ وروسيا اليوم تعاني الأمرين من هذا الخطأ، ماذا لو أقرت هذه الحكومة وباسم الشرعية مبادئ العلمانية التي لا تنسجم مع طبيعتنا وأخلاقنا وقيمنا، ماذا لو سمحوا بفتح سفارة لإسرائيل وأجبرنا على استقبال صهاينة خططوا لتدميرنا وساهموا فيه عقودا، باسم السياحة والتجارة العالمية، وهم المعروفون عبر التاريخ أنهم ما دخلوا أرضا إلا أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون، ماذا لو أجبرنا على تقبل العولمة بكل حيثياتها، وهي مشروع لا يهدف إلا إلى نقل خيرات الشعوب إلى جيوب الشركات العالمية، على نحو يجعل هذه الشعوب ذليلة لها مستعمرة لإرادتها .. ولذا كانت الشعوب الغربية أول من أعلن حربه عليها، ورأت فيها انحيازا للأغنياء على حساب الفقراء ماذا ؟ ماذا ؟ أسئلة كثيرة تثار ولها مبرراتها والمشكلة أن معظم الذين التقينا بهم من الراغبين في ولوج العملية الانتخابية القادمة يعترفون بشكل أو بآخر أن الانتخابات لن تكون نزيهة، وأن أمريكا ستمرر من خلالها ما تريد، لكنهم يزعمون أن إجرائها أفضل، وبعضهم يطمع في نوال مصالح ضيقة متناسيا المصلحة العظمى للعراق أرضا وشعبا، ونحن نؤكد أن إجرائها سيكون الأسوأ، وان كل من يساهم فيها سيشارك من حيث أراد أم لم يرد في دفع العراق ليقع أسيرا بيد من لا يخاف الله ولا يرحمنا ونحن من واجبنا أن نبلغ ونقول: قد بلغنا .. اللهم فأشهد من هنا نؤكد أن هيئة علماء المسلمين لم تغير موقفها من الانتخابات، وان ما زعمته بعض الجهات الإعلانية بأننا ساومنا وربطنا مشاركتنا فيها بعدم اجتياح الفلوجة أو قصفها أو طال ذلك مدنا عراقية أخرى، ليس صحيحا، وكل ما في الأمر أن مؤتمرا استضافته الهيئة لعلماء العراق لمناقشة أحداث الفلوجة خرج بجملة من النتائج، كان منها، أنه في حالة اجتياح مدينة الفلوجة أو تواصل قصفها بالطائرات أو طال ذلك مدنا عراقية أخرى فإن علماء العراق سيدعون أبناء الشعب العراقي إلى عدم المشاركة في الانتخابات، وقد رأت الهيئة أن في هذا القرار تعضيدا لموقفها، فموقفها عدم المشاركة وهذا يتضمن عدم المشاركة أيضا مع زيادة الدعوة العامة لعدم المشاركة فوافقت عليه، وهذا يعني أننا لو افترضنا جدلا، أن الفلوجة لن يتم اجتياحها، ولن يتواصل ضربها بالطائرات، ولن يطال ذلك مدنا عراقية أخرى، فإن الهيئة، ستعود إلى موقفها الأول وهو عدم المشاركة، وتتخلى عن الدعوة إلى المقاطعة، فليس هناك صفقة حول المشاركة في الانتخابات. ومع ذلك فإن قوات الاحتلال تجاوزت هذا القيد، وصار من الممكن وفق مقررات مؤتمر علماء العراق أن يعلن عن قرار المقاطعة في أي وقت، لكن المؤتمر فوض لجنة منه للإعلان عن ذلك في الوقت المناسب وهذا متروك للجنة .وأعضاء الهيئة ملتزمون مع إخوانهم علماء العراق بمقررات المؤتمر. ونحب أن نذكر هنا بالحملة الشرسة لقوات الاحتلال، ضد أعضاء هيئة علماء المسلمين فمنذ ذلك المؤتمر وحتى هذا اليوم تم اعتقال عشرة من أعضاء الهيئة، ونحن لا نرى فرقا بين النظم الدكتاتورية والأمريكيين، فكلاهما يقهر الشعب العراقي بالقوة لخوض الانتخابات، والشيء الذي فعلته قوات الاحتلال ولم يفعله النظام السابق، هو ضرب المدن بالطائرات وقتل المئات من الأبرياء وهدم البيوت تحت ذريعة الإعداد للانتخابات. ومن أبرز الذين تم اعتقالهم فضيلة الشيخ عبد اللطيف سالم وأخوته أعضاء هيئة علماء المسلمين /فرع ناحية كبيسة/ والشيخ عبد الستار عبد الجبار عضو مجلس شورى الهيئة وأحد أعضائها التأسيسيين، وقد أصدرت الهيئة بيانا أدانت فيه هذه الاعتقالات وحملت قوات الاحتلال مسؤولية الحفاظ على المعتقلين.وندعوهم إلى الإفراج الفوري عنهم. وبالمناسبة زارنا أمس سفير الأممالمتحدة في العراق، أشرف قاضي، وتباحث معنا حول جملة من القضايا المهمة، منها قضية الانتخابات، وقضية الفلوجة، وانتهاكات الأمريكيين لحقوق الإنسان وغير ذلك، وقد أعربت الهيئة له عن مواقفها بصراحة وكان من ذلك التأكيد على أنها ليست ضد الانتخابات،ولكنها ترى الوقت غير مناسب، وإذا كانت الأممالمتحدة قد أرجأت الانتخابات من قبل بسبب أن الوضع الأمني لا يساعد، فلماذا الإصرار الآن، والوضع الأمني ازداد سوءا. بالنسبة إلى قضية الفلوجة، نحن نتابع هذا الموضوع باهتمام، ولدينا يقين أن الأمريكيين عازمون على اجتياحها، وأنهم يعدون العدة لذلك، والمفاوضات من بدايتها، لم تكن إلا لكسب الوقت، وتكملة الاستعدادات للاجتياح، وهذه هي اللعبة الأمريكية، وللأسف الشديد بعض أعضاء الحكومة العراقية كان له دور في إنجاح هذه اللعبة، عن قصد أو غير قصد وفي كل الأحوال إن اجتياح هذه المدينة لن يكون سهلا، ووراءه تداعيات خطيرة، وعلى الحكومة أن تدرك أنه ليس حلا صحيحا، ويكفي أن تأخذ العبرة من قضية سامراء، فقد تم اجتياحها وقتل فيها العشرات، ولكن ذلك لم يثن عزم المقاومة فيها، وهي تشهد حتى هذه اللحظة أعمالا مسلحة كثيرة وكأن شيئا لم يكن وكذلك تل عفر رغم ما حصل بها، هي اليوم أكثر نشاطا من قبل، إذاً أسلوب الاجتياح ليس حلا، بل انه يؤزم الموقف، والأمريكيون يعرفون هذا جيدا لكنه يحقق لهم هدفا وهو ضرب الإسلاميين وإبادتهم فما الذي يحققه ذلك للحكومة؟!! إذا كانت تحمل في ضميرها صدقا تجاه الشعب العراقي. هيئة علماء المسلمين في العراق القسم الإعلامي 16/رمضان المبارك/1425 ه 30/تشرين الأول /2004 م