وجه السيد جودت العاني القائم بأعمال السفارة العراقية بالمغرب في حوار مع "التجديد" نداء إلى الدول العربية بأن لا تنسى التاريخ و تطبق مطالب شعوبها لتحقق انسجام طبيعي معها، لأنها إذا تلكأت عن الوصول مع الشعب إلى المستوى الذي وصله، سيكتب هذا في سجلها ولن يغفر لها التاريخ خاصة الأنظمة والحكومات التي تتراجع أو تسكت أو تخنع، وهذا نص الحوار شنت أمريكا عدوانها على العراق، وهناك تضاربا حول حقيقة الأوضاع، هل يمكن أن تعطونا نظرة عن الأوضاع الحقيقية بالعراق؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الدعاية العسكرية الأمريكية سبقت العمليات العسكرية والعدوان على بلد العراق، وهي حقيقة يعرفها الجميع وماتزال تتسابق هذه الدعاية لتشوه الحقائق وترسم صورة غير واقعية لما يحصل هناك، وهذا يظهر جليا في ارتباك القيادة الأمريكية الميدانية والسياسية في إدراة شؤون العدوان على العراق، وهذه الدعاية لم تعد تخفى على أحد، لأنه منذ مدة سمع العالم من الإدارة الأمريكية أن "الفاو" هي مدينة منزوعة السلاح، ولا تتوفر على قوة كبيرة جدا، لكن هذه المدينة ماتزال لحد الآن تقاوم، الشي نفسه بالنسبة لكافة المدن، ولذلك نرى القطعان من الغزاة يتحاشون الاقتراب من المدن، والسبب في ذلك أنهم لمسوا قوة مقاومة وقوة وصمود الشعب العراقي، الأمر الذي أدى إلى مقتل العديد من الأعداء الأمريكيين والبريطانيين، وأسر العديد منهم وإسقاط عدد كبير من الطائرات، الدعاية الأمريكية كشفها العالم بفعل الحقائق التي كشفها الصحفيون الممارسون لدورهم الحق في تبصير العالم، وكشف الحقائق كما هي وبالتالي فضح الأساليب الامركية في هذا الجانب. كان ينتظر أن غزو واحتلال العراق ليس سوى مسألة أيام فقط، إلا أن الواقع أثبت صمودا شعبيا، كيف تفسرون هذا الصمود؟ العراق منذ فترة وهو يتعرض للعدوان الأمركي، فمنذ عشر سنوات وهو يتعرض إلى قصف مستمر في الشمال والجنوب، أما العدوان الأخير فتزامن مع حملة إعلامية وديبلوماسية شرسة من قبل الصهيونية العالمية والأمريكيين والبريطانيين في آن واحد، هؤلاء لم يقرؤوا واقع بلد العراق، ولم يعرفوا طبيعة شعبه، لأنهم لا يعرفون العمق الحضاري للعراق، وطبيعة تشكيل عناصر شخصية العراقيين، لأن شخصية هؤلاء ترفض السيطرة وترفض الظلم وأي نوع من الضغط، فالشعب العراقي شعب متمسك بمقدساته الإسلامية وبعروبته، وهو شعب كل الأنبياء وأولياء الله، ومعتز بقوميته العربية والاسلامية، أما الغرب فيعتمد على معلومات تافهة ومضللة، وكان يتصور أنه مجرد دخوله للعراق سيكتسح البلاد وسيستقبله الشعب العراقي بالورود والزهور، وتأتي الدبابات وتقدم لهم المساعدة، غير أن الوقع عكس ذلك، فكل العائلات العراقية تستطيع أن تعيش دون إمدادت لمدة ستة أو سبعة أشهر، فالقيادة العراقية خططت لكل شيء، وهيأت الأمور بشكل مدروس ودقيق وبحسابات دقيقة، فأمريكا وبريطانيا وحلفاءها كانوا يتصورون أن العراق في ظل الحصار لمدة زمنية ابتدأت في التسعينيات لحد الآن، سيكون غير قادر عن الدفاع والصمود والمقاومة، وأن الشعب العراقي مشغول بهموم الاقتصاد والمال والعيش، ولكن نسوا أن الإرادة والإيمان وعدالة القضية كانت هي الهاجس الأكبر لديه وهو جوهر القضية، كما لايمكن المقارنة من حيث القوة العسكرية، ولكن من حيث قوة الإيمان والقدرة على الموت في سبيل الدفاع عن الوطن، وفي ذات الوقت هذه الإيهامات التي سقطت فيها بريطانيا وأمريكا كان مبعثها الفشل الذريع الذي توصلت إليه أجهزتهم الاستخباراتية باعتمادهم على بعض المرتزقة العراقيين في الخارج، والذين يسمون أنفسهم معارضين، في حين أن المعارض الحقيقي ينبغي أن يكون منطقيا ووطنيا داخل بلده، ولا يقف على الأبواب الأجنبية ليقتات منها ويأخذ منهاالأموال ويدعي أنه وطني، ويؤلب الأجنبي لذبح شعبه، فهذا ليس وطنيا ولا معارضا حقيقيا بل هو وسيلة تستعمل في سبيل تحقيق مآرب وأهداف الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية. كيف تقيمون مواقف الدول العربية وغير العربية؟ المواقف العربية بشكل عام لم تصل إلى المطلوب، لقد علمنا من خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب أنهم رفضوا العدوان الأمريكي على العراق، ودعوا إلى سحب القطعان الأمريكية والبريطانية بدون شروط، كل هذه المواقف إيجابية، لكن ما نطمح إليه أن يتحول هذا الطلب إلى واقع عملي ملموس، ليس بالكلام فقط ولا بإعلان البيانات، إنما ينبغي على الذين وقعوا على هذا الطلب أن يترجموه إلى واقع فعلي، ويضعون الآليات الإيجابية الفعالة لتنفيذه، كأن يمتنعوا عن استقبال الطائرات الأمريكية والبريطانية، أو يدعوا نقابات العمال إلى عدم استخدام البواخر الأمريكية والبريطانية والإسبانية في موانئهم، ويقوموا بسحب سفرائهم من بريطانيا وأمريكا كحد أدنى، حتى يحولوا هذا القرار إلى واقع فعلي اتجاه قضية العراق، لأنها قضية عربية،كما عليهم أن يدركوا أن الكويت التي تعتبر قاعدة العدوان، والتي ارتمت في أحضان الامبريالية والصهيونية، فإن هذا التصرف يهدد القومية العربية، وعلى العرب أن يدركوا بأن هذه القاعدة ستؤذي الجميع. كيف تنظرون إلى مواقف الدول المجاورة: سوريا وتركيا وإيران والسعودية؟ نحن نثمن جهود كل دولة تلتزم بحسن الجوار، وعلاقة دولة العراق جيدة مع الدول المجاورة، ونحن لا نرتضي ولا أي دولة في العالم كذلك التدخل في الشأن الداخلي الدولي، كل دولة عبرت بشكل أو بآخر عن تطبيق هذا المبدأ، والعراق بلد جار عربي ومسلم وعلاقتها مستمرة تاريخيا سواء مع الأتراك أو الإيرانيين،كل هذه الدول لها علاقات تاريخية ومصالح مشتركة، والهدف الأجنبي هو التفريق وإرباك المنطقة وجعلها منطقة عرضة دائما للتوتر وعدم الاستقرار، وهذا يضر بمصلحة تركيا وإيران وسوريا لأن العنصر الأجنبي يتدخل في كل علاقة ثنائية ليفسدها، لأنه يفكر في مصالحه قبل كل شيء. هل يمكن اعتبار أن العدوان على العراق هو بداية لتهويد القدس كاملة؟ نحن نعلم ان القضية الفلسطينية منذ سنة 1948 بعد أن احتكرها الذي يقبع في البيت الأبيض، وتم منع أوروبا والأطراف الدولية الأخرى من أن تكون طرفا في حل القضية الفلسطينية، وانفردت الدولة الأمركية في دعم الكيان الصهيوني والإبقاء على الحالة كما هي، فهذا تنفيذ لمخطط صهيوني هو إقامة دولة صهيونية من الفرات إلى النيل، وهذا المشروع يقول به شارون يوميا، لأنه عن طريق القتل والتدمير ونسف البيوت، بهذا العمل فهو يكمل مشواره في تنفيذ هذا المخطط والأمريكيين إلى جانبه، ولتنفيذ مخططهم الاستراتيجي الصهيوني الأمريكي، يجدون أن العراق يقف دائما وأبدا إلى جانب القضية الفلسطينية،عبر كل الأزمان ويرون فيه عقبة يتوجب العدوان عليها، ليستطيعوا تطبيق مخططهم، وما خريطة ما يسمى ب خريطة الطريق التي طرحت وتزامنت مع العدوان على العراق إلا تحذير لبعض العرب، غير أن هذه الطروحات لاتخفى على أحد لأنها أكذوبة واحدة من أكذوبات الإدارة الأمريكية والصهيونية لتمرير بعض مناهجها في المنطقة. ماهو تعليقكم على الطلب الذي وجهته الإدارة الأمريكية إلى بعض البلدان بهدف طرد الديبلوماسيين العراقيين؟ هذا طلب غير قانوني، لأنه نابع من دولة لاتملك الحق في أن توجه أوامرها لدول لها قراراتها السيادية وتحترم نفسها، ثم أنه من غير المنطق أن تستجيب دولة لقرارأمريكي يعتبر تدخلا في شأنها الداخلي، إلا إذا كانت هذه الدولة ليس لديها قرار وتمتثل لأمريكا، وتنفذ الأوامر والقرارات التي تشرع من خلال الكونغرس الأمريكي، فالأمر لا يحتاج لتعليق، والقضية العراقية أصبحت قضية وطنية وقومية ودولية، وهي جوهر الصراع في قانو ن الاستجابة والتحدي الظاهر في هذه المرحلة، والتحولات التي يعرفها العالم الآن هو تصنيف أمريكا في الزاوية، ونلاحظ أن الشعوب في كل أنحاء العالم يقف ضد هذا العدوان، حتى الشعب الأمريكي يقف ضد حكومته ويطالبها بوقف العدوان وحل الأمور بالطرق السلمية، هذه النتائج التي تتفاقم في الوقت الحاضر هي درجات متصاعدة من الرفض والشجب لهذا العدوان وجعل الإدارة الأمركية تتخبط في تصريف شؤونها العدوانية، ووضعها في زاوية العزلة والاستنكار، لأنها تسبح ضد التيار، فالعالم في واد وهي في واد آخر، لأن عقلية الكوبوي هي التي تسود في فرض العجرفة والهيمنة على كل دول العالم، وليس على العراق وحده وتريد فرض وصايةأمريكية على كل العالم ولا تعير اهتماما لا للقوانين ولا للمعاني الانسانية ولا للأديان السماوية، فالأمريكيون مجرمون وينبغي محاسبتهم من قبل المجتمع الدولي. كيف تقيمون أداء الشارع المغربي في رد والتنديد بالحرب الامبريالية؟ نحن نثمن موقف شعبنا في المغرب الشقيق، ورأينا مواقف مشرفة تتسم بالتعبير الحقيقي والشفاف عن رفض العدوان والتمسك بالشرعية الدولية والقانون الدولية، والدعوة إلى حل الأمور بالطرق السلمية وليس عن طريق القوة والعنف والاستهتار بالقيم الوضعية والسماوية، هذا هو الشارع المغربي دائما سباق على غيره من الشعوب العربية للتعبير عن مواقفه، وله القدرة على تسيير الأشياء وتعليلها والانسجام مع طبيعة المرحلة التي يمر منها، وجلالة الملك منذ فترة طويلة لم يألو جهدا في طرح قضية العراق على المستوى الثنائي وعلى المستوى الدولي لمنع العدوان وتفادي نتائجه، نحن نثمن دور المغرب الشقيق ملكا وحكومة وشعبا على كل مايقدمه من دعم، ولحد الآن المغرب يسعى لدعم العراق، والدعوة لوقف العدوان. وأنا أقول من هذه الارض الطيبة أن المغرب يدعو إلى وقف العدوان من خلال كل قنواته، و يعتبر المسألة في غاية الأهمية ويدعو لوضع نهاية للعدوان والعودة للمفاوضات وحل الأمور عن طريق القانون الدولي. كيف تنظرون إلى طريقة تعاطي وسائل الإعلام مع العدوان الأمريكي والبريطاني على الشعب العراقي؟ وسائل الاعلام المغربية تعاملت بكل مجرياتها يوميا وتفصيليا مع العدوان، ونحن مرتاحون لما تكتبه الصحافة المغربية لأنها وطنية وذات بعد قومي وإنساني، كما أنها تهتم بالحدث وتتابعه وتنسجم في معطياتها مع واقع الشارع المغربي والوضع الحقيقي، أما بالنسبة للصحافة العربية والقنوات الفضائية العربية فنجدها تميل بشكل أو بآخر لتبني الأخبار التي تروجها المخابرات الأمريكية والبنتاغون ووسائل الإعلام الأمريكية والصهيونية، ونلاحظ أنها تهتم بالإثارة على حساب واقع الحال وعلى حساب الحقائق الموجودة، وبعدما تأخذ شوطا في هذا الجانب تظهر الحقائق كما هي، وتنعكس الآثار، نحن نوجه النداء للأخوة العاملين في كل الفضائيات والذين يحافظون في هذا الاتجاه أن يقدموا عملهم كما هو حقيقة، وتوضيح الأمور كما هي، ولا يدعون مجالا لأن تكون كفة راجحة، وخاصة حين تندفع تلك الفضائية بتوجيه أسئلة إلى مراسليها هدفها مقصود، ويتسم بمعرفة جوانب لا يصح السؤال عنها، في وقت العدوان، وهذا لا يمكن وصفه إلا أنه لايعكس الواقع الحقيقي للصحافة أو لبرنامجها او لأخبارها التي تتابع العدوان على العراق. هل بنظركم يعتبر هذا العدوان بداية لإعادة تشكيل هيأة الأممالمتحدة أو هيأة بديلة؟ الأممالمتحدة بكل مؤسساتها موجودة، وهي مؤسسة نظام وقانون، لم تنشأ الآن ولكن منذ منتصف القرن الماضي في سنة 1945 والعراق واحد من مؤسسي الأممالمتحدة، وهذه المنظمة هي حصيلة كل العمل السياسي والديبلوماسي والعسكري وكل المجتمع الدولي، هذه المؤسسة تؤكد في ديباجتها أن مهمتها الأساسية هي حفظ الأمن والسلم الدولي، وتكوينها المؤسسي موجود والشيء الذي يلفت له النظرأن الولاياتالمتحدةالامريكية بدأت تفرض سيطرتها على المنظمة الدولية، وتفرض قراراتها ووصايتها عليها وتحاول قدر الامكان أن تشل هذه المنظمة، وتضعها جانبا وتهمشها من أجل أن تنفرد بالقرارات والحقائق تتبث ذلك، وأمريكا قالت أوجه الإنذار، من هي أمريكا حتى توجه الإنذار؟ ومن هي أمام المجتمع الدولي؟ وهي قالت للأمم المتحدة إذا لم تصدري قرارا يعطيني شرعية العدوان، فأنا سأقوم بالعدوان بشكل منفرد، فهذا منطق كوبوي ومنطق عصابات، وفعلا نفذت هذا التهديد خارج نطاق الشرعية والقانون الدولي، وبالتالي فهي وضعت نفسها في ورطة ومأزق. هل يمكن أن يقبل العراق بعودة المفتشين الدوليين في ظل انتهاك أمريكا للشرعية الدولية؟ هذا منهجنا وأثبتت الوقائع والحقائق أن العراق لا يملك أسلحة دمار شامل، وكل دول العالم على علم بذلك، وأثبت الواقع أن هذه مجرد كذبة أمريكية لتسويغ العدوان على العراق، لذلك نحن مستعدون لأن تلعب الأممالمتحدة دورها لكشف المزيد من أكاذيب الإدارة الأمريكية سواء تعلق الأمر بأسلحة دمار شامل أو بما يسمى بحقوق الإنسان والحرية، وإلى ماشابهها من الأدوات التي تعتمدها الإدارة الأمريكية طيلة العقود الماضية من بداية الثمانييات لحد الآن، فالأمريكيون يعلنون ما يسمى بحقوق الإنسان وينشرون قوانين نابعة من وزارة الخارجية الأمريكية، ويصنفون فيها الدول، فهذه الدول خرقت حقوق الانسان، وهذه الدولة تدخل في القائمة السوداء، ونصبوا أنفسهم قضاة وملوكا للكون وأسيادا، ولم يعيروا اهتماما لقواعد القانون الدولي ولطبيعة عمل الأممالمتحدة، نحن نثمن وندعم أي جهد من شأنه أن يعري الأكاذيب التي يروج لها الأمريكيون. كيف يمكن لهذا العدوان أن يتحول بداية للنهوض العربي؟ طبعا العدوان على العراق سيكون له تأثير قوي جدا في واقع الساحة العربية، والدليل على ذلك نرى أن الشعوب العربية أينما كانت، تتمتع بأعلى درجات الفطنة واليقظة، الأمر الذي قد يحول مجرى التاريخ في اتجاه أهداف الشعب العربي أينما كان، ونحن نقول للحكومات العربية ارتقي لمستوى الشعوب، والمصلحة العربية العليا لأن في هذا الارتقاء نجاتهم في المستقبل. نداء تريدون توجيهه إلى بلدان العالم؟ نحن نتطلع إلى كل الإخوة وكل الأصدقاء أن يلعبوا دورا جديا وفاعلا ومتناسقا لوقف العدوان على العراق بالوسائل الممكنة وبالوسائل الجدية، التي من شأنها أن توقف العدوان، والبيانات رغم أهميتها من المفيد أن تكون هذه الآليات هي آليات مادية واقعية، لا يخفى على القادة العرب أن الإمكانيات ممكنة التطبيق، لأنها تعد مطالب الشعب العربي، والحكومات العربية حينما تطبق مطالب شعوبها فهي تحقق انسجام طبيعي معها، وتستطيع بذلك أن تضيف شيئا للتاريخ وتضعه في سجل الدولة، فالدول العربية عليها أن لا تنسى التاريخ، لأنها إذا تلكأت عن الوصول مع الشعب إلى المستوى الذي وصله، سيكتب هذا في سجلها ولن يغفر لها التاريخ خاصة الأنظمة والحكومات التي تتراجع أو تسكت أو تخنع. حاورته خديجة عليموسى