قال الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق الشيخ الدكتور حارث الضاري: إنَّ العراق فاقد للأمن بكل معانيه وكل نواحيه.. فلا أمن سياسي ولا أمن اقتصادي، ولا أمن غذائي، ولا أمن صحي، مشيراً إلى أن العراق يسوده الخراب والدمار والقتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال. وفيما يلي نص الكلمة التي ألقاها الشيخ الضاري في المؤتمر العشرين الذي يعقده المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية، الذي يعقد تحت شعار ((مقومات الأمن المجتمعي في الإسلام)): ((بسم الله الرحمن الرحيم.. أخواني الكرام: موضوع المؤتمر هو الأمن المجتمعي، والأمن هو نعمة من الله تعالى، أنعم بها على الإنسان، وطالب كل ذوي العقول الحِجا السليمة أن يسعوا دائماً إلى الأمن، فالأديان كلها تدعو إلى الأمن، وفي مقدمتها ديننا الإسلامي الكريم، وكذلك القوانين الوضعية، تدعوا إلى ذلك، وإن كان الواضعون أحياناً لا يفون بما يضعون أو يقولون. لا شك أنكم تعلمون أن العراق اليوم فاقد للأمن بكل معانيه وكل نواحيه، وإذا تكلمنا عن الأمن في الدول العربية والإسلامية المستقرة والتي نتمنى لها الاستقرار والعيش السعيد إن شاء الله هي التي تسعى إلى تحقيق الأمن الكامل، بينما نحن فقدنا كل الأمن، فلا أمن سياسي ولا أمن اقتصادي، ولا أمن غذائي ولا أمن صحي، بل هناك خراب ودمار، قتلٌ وسفك دماء، وانتهاك أعراض، ونهب للأموال وما إلى ذلك مما يقل الوصف عن الإحاطة به. أخوتي الكرام: العراق اليوم يشهد حرب إبادة ضد أبنائه، وضد كل معالمه الحضارية والعمرانية والصناعية، فلم يبقَ من العراق إلا الاسم، هناك قوى كبيرة تتصارع في العراق، وعلى أرض العراق، سمحت لهم الولاياتالمتحدة بغزوها الغاشم للعراق في أن تتصارع وأصبح العراق ميداناً للصراع ومجالاً للنهب والسلب والقتل وانتهاك الأعراض. الاحتلال -إخواني الكرام- على مدى خمس سنين يهدم ويخرب ويقتل وينهب ويسلب، فأصبح جيش الاحتلال يشبه تماماً العصابات الإجرامية [عصابات النهب والسلب]، الرشوة شائعة بين كبار قادة الجيش الأمريكي، وهم يسيرون مع من يقدم لهم المال، والجنس، ومن يدلهم على المعارضين لهم، وما إلى ذلك. والذين نصبهم الاحتلال على العراق كحكام ومن خلال انتخابات زائفة أشرف عليها الاحتلال نفسه، هؤلاء أيضاً همهم السلطة، وجمع المال، وأن يكون الاحتلال عنهم راضياً، وكذلك أن يكون حلفاء الاحتلال من جيران العراق أيضاً عنهم راضين، فالكل لا يعمل لمصلحة العراق، ولا يعمل من أجل شعب العراق، فالعراق اليوم بملايينه السبع والعشرين يستغيثون ويطلبون العون من الدول العربية، لا العون المادي فقط، وإنما العون السياسي؛ لأنَّ الاحتلال فشل حتى في تحقيق أهدافه وهو اليوم يسير على سياسة عمياء أضرت به وأضرت بغيره من أبناء الشعب العراقي، الاحتلال ليس لديه رؤية واضحة في أن يخرج من العراق، ولا رؤية إلى كم سيبقى في العراق، وليست لديه رؤية واضحة مع من يتعامل؟ وماذا يريد؟ فنحن وقعنا في دوامة.. عملاؤه لا يريدون منه إلا البقاء في العراق؛ ليدوم ما حصلوا عليه في ظل الاحتلال، وليبقوا كثيراً مستحوذين على حكم العراق، وعلى خيرات العراق، وما إلى ذلك. أقدم سريعاً بعض النتائج التي أدى إليها الاحتلال وعملاؤه، التي فعلها الاحتلال وصنائعه في العراق: - اكثر من مليون قتيل في العراق، بين شهيد وقتيل ومغتال، وما إلى ذلك. - أكثر من ثلاثة ملايين مريض، وأغلبهم مصابون بالسرطان ومعوقون، نتيجة الحرب، وقلة الدواء، وتعطيل المستشفيات، ومراكز الصحة، وما إلى ذلك. - أكثر من سبعة ملايين عراقي اليوم خرجوا من دورهم في العراق، ومن مناطقهم السكنية، منهم أربعة ملايين خارج العراق مهاجرين، وأكثرهم اليوم يعيشون في حالة فقر مدقع.. نعم كل هذا يجري. - أكثر من خمسة ملايين يتيم في العراق. - أكثر من مليون امرأة أرملة أغلبهن تحت سن الثلاثين. - عشرات الآلاف من المعتقلين العراقيين في سجون الاحتلال والحكومة. وللأسف لم يجد العراقيون من يسعفهم، ولم يجد العراقيون من يقف إلى جانبهم، ولم يجد العراقيون من يقول للاحتلال كفى. فالذي نريده من المجتمع الإسلامي والعربي والدولي.. نريد منهم أن يصارحوا الاحتلال، ويقولون له أرحل.. خمس سنين من الاحتلال ماذا فعلت؟ ماذا جنيت؟ الاحتلال يقود اليوم حرباً خاسرة في العراق، حرباً بالوكالة، الخاسر فيها الشعبان الأمريكي والعراقي، خسر الأمريكيون الكثير من أموالهم ورجالهم، ولكن يبدو أنَّ قيادتهم لا تريد أن تستعمل الحكمة، أو أن تتنازل شيئاً من كبريائها. العراق اليوم في دوامة يا أخوتي، ولذلك أُعلنها صريحة: العراق في حرب دموية، في حربٍ إجرامية، تشنها الولاياتالمتحدةالأمريكية وعملاؤها، ويشاركها في ذلك مشاركون كثر، فالعراق اليوم مفتوح الأبواب، وأصبح ساحة للصراع.. لذلك فالمطلوب من الدول العربية أولاً، والدول الإسلامية ثانياً والمجتمع العالمي ثالثاً الأمور التالية: أولاً: نطلب منهم ان يطلبوا من الاحتلال أن يرحل، وإذا قال العراق لا أرحل؛ لأنني إذا رحلت فستكون هناك فتن، فهذا الكلام غير صحيح؛ لأنَّ الفتنة هي وجود الاحتلال، والمشكلة هو الاحتلال نفسه، ويدير الفتنة هو وعملاؤه. ثانياً: المطالبة بإنهاء العملية السياسية في العراق، التي بنيت على المحاصصة الطائفية والعرقية، والتي أقصت أغلب أبناء الشعب العراقي من المشاركة.. وما تدعيه الحكومة اليوم أو تطالب به من مصالحة وطنية، فهو كلام ليس حقيقياً، والحكومة ليست جادة في هذا المجال، إذ لم تقدم أي تنازل للقوى المناهضة للاحتلال. ثالثاً: على الدول العربية والإسلامية أن تقدم العون للعراقيين المهجرين من داخل العراق والمهاجرين خارجه.. وأن تقدم للمرضى والمصابين والمعوقين المساعدة لأنَّ العراق اليوم بلد منكوب، وقد قالت عنه بعض لجان حقوق الإنسان الدولية: أن العراق بلد منكوب.. وهو يمثل واحداً من أربعة دول متخلفة في العالم. لذلك أيها الأخوة: أقولها واكرر هذا القول: إن العرب والمسلمين والعالم كله مقصر في حق العراق، بل لم يعر أي اهتمام للقضية العراقية للأسف الشديد... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).