مع أن طالبان كانت تحرم مشاهدة التلفاز، استعمال فرشاة الأسنان، ومظاهر الغرب عموما، إلا أن ما يسجل عليها وعلى أنصارها، أنها كانت أشد حرصا على استخدام أدوات الاتصال والتواصل الحديثة، خاصة بعد هزيمة حكم طالبان في أفغانستان أواخر دجنبر ,2001 بدء بأفلام الفيديو القصيرة التي بين الفينة والأخرى كان زعيم القاعدة أو مساعده الأيمن أيمن الظواهري يشهرها ويرسلها إلى بعض الفضائيات في المعركة الشرسة، التي تواجه تنظيم القاعدة بالولايات المتحدةالأمريكية، مرورا بالهواتف النقالة، وانتهاء باستخدام الويب أو الانترنت كأرقى تقنية تواصلية توصلت إليها الإنسانية في العصر الحالي. الالكترونيات وانتشار افتراضي يحكى عن أنصار القاعدة، وهم يستعدون للانتشار والتخفي في جبال أفغانستان الوعرة بعد هزيمتهم في الحرب الأفغانية، أنهم وضمن ما كانوا يجمعونه من عتاد وعدة، جمعوا بالإضافة إلى بنادق الكلاشنكوف طبعا، هواتفهم النقالة، لكن وبالأساس حواسيبهم الشخصية، التي كانت تتزين بصور محمد عطا المتهم الأول في هجمات 11 شتنبر ، في إشارة إلى أن الحرب الدائرة هناك لم تنته بعد وأن ما ابتدئ في الأرض من معارك، سينتقل إلى عالم أكثر شراسة، عالم الويب الافتراضي في مساحات افتراضية حيث الزمان والمكان لا معنى له. وهكذا فلقد تعززت شبكات الجهاد المقربة من تنظيم القاعدة، عبر الانترنت، بأنصار ووافدين جدد، بحيث خفف هذا الأخير من مشاق وأتعاب التنقل إلى بعض الأماكن من أجل اكتساب مهارات التدريب والتمرس على الجهاد والقتال، فأمام الحاسوب الشخصي لأي متطوع، بالإمكان الانفتاح على بعض المواقع التي تحولت إلى ما يشبه المعاهد لتلقين كل ما يلزم لكي يتحول المتطوع إلى عضو ناشط وفعال في التنظيم، وحتى وإن لم تكن الظروف تسعف، لكي يشارك المتطوع عمليا وماديا في الحرب الدائرة، فبإمكانه المشاركة افتراضيا عبر المشاركة إلكترونيا، مع اختيار السرعة التي تناسب مؤهلاته ومداركه في التكوين، حتى إن بعض المواقع بدأت تنصح بأن ينتظم المستفيدون من الدروس في مجموعات صغيرة حتى يتسنى لهم تكوين الخلايا المناسبة، التي بإمكانها أن تنفذ عملياتها بكل دقة وعناية، بعيدا عن أنظار رجالات الاستخبارات والأمن، فلم تعد تنفع كثيرا مراقبة خطب المساجد، ولا المضامين التي تلقن للأطفال في المدارس، ولا حتى مراقبة تجوال بعض الأشخاص في الحدود المجاورة لبعض الدول، ما دام هؤلاء الأشخاص أصبحوا متخففين من حمل أشياء بإمكانها الكشف عن انتمائهم أو تبرز حقيقة نواياهم، فعقل الانترنت الكبير دائما جاهز وفي الخدمة يمد بالمعطيات في كل جانب، بدء بكيفية صنع بعض المتفجرات التقليدية، كيفية استهداف أحد الجنود الأمريكيين في قلب بغداد، أو خريطة بعض المواقع المستهدفة، وفي معظم الأوقات كل هذا الكم الهائل من المعلومات موجود وبلغة قريبة من لغة العديد من المتطوعين الذين يأتون بالخصوص من دول الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، سواء تعلق الأمر باللغة العربية، الأوردية، أو الباشتونية، يعني أنها موجودة وبالخلفية الدينية واللغوية للمتطوعين. الإدارة الأمريكية متيقظة ولا يعني هذا أن الإدارة الأمريكية تجلس غاضة الطرف أو مكتوفة الأيدي حيال هذا التطور، بل إنها تعمل جاهدة من أجل تتبع وتدمير أي موقع شك في قرابته من معسكر القاعدة، غير أنه ومنذ تدمير المواقع الأولى للقاعدة، وبالخصوص موقع النداء، دفعت الإدارة الأمريكية أنصار القاعدة إلى ابتكار أساليب جديدة تنسجم أكثر مع الوضع الجديد المرتكز على إتقان لعبة التخفي والتستر، بغية تأمين الحضور، إذ من الواضح أن تنظيم القاعدة ومنذ هزيمة أفغانستان استجمع قواه وركزها في سبيل أن يكون أكبر تنظيم يستعمل الفضاء الرقمي والإلكتروني بكيفية جد متطورة وناضجة حسب ما أوردته صحيفة الواشنطن بوست في إحدى أعدادها الأخيرة ، بحيث انتقل العدد الإجمالي لمواقع التنظيم من 12 موقعا سنة 97 إلى أكثر من 4500 موقع حاليا، جلها تنطلق وتتصرف تحت إمرة شبكة من العلاقات المباشرة وغير المباشرة تربطها ببعضها البعض، ومع العديد من الجمعيات والمنظمات المنتشرة عبر العالم، هذا التحول الكمي واكبه تحولا نوعيا انعكس إيجابا على طرق التخفي والتستر بحيث أخذت هذه الأخيرة أبعادا أخرى جد متطورة وملتوية، كما كشفت عن ذلك عدة تقارير بريطانية حين أكدت على أن مجموعة من متعاطفي القاعدة التجؤوا إلى إخفاء رسائلهم الإلكترونية في ملفات صور وملفات موسيقى أو متخفين في بعض صور الخلاعة، كل ذلك من أجل إنجاز مهام التراسل فيما بينهم، بل أكثر من ذلك فحتى بعض المواقع الإلكترونية الأمريكية لم تعد هي الأخرى في مأمن من هذه المواجهة، حيث تعرضت العديد من مواقع شبكة الكهرباء والمواصلات الأمريكية لضربات موجعة كادت أن تشل حركتها في كبريات المدن الأمريكية بالكامل، بل حتى مواقع الاستخبارات الأمريكية لم تسلم هي الأخرى من نفس الضربات أو ما يسمى بعمليات القرصنة أو الهاكرز لكن هذه المرة بواسطة أيادي أمريكية نظيفة حاولت أن تثبت لرجالات الاستخبارات والأمن أن الجدار الأمني المضروب على مواقعها ليس بالقوة التي يصعب اختراقها... وبهذا يمكن القول أن عقل الأنترنت عاد لكي يختزل جل المعارك التي بالإمكان خوضها في معركة واحدة يمكن التواضع على تسميتها بمعركة الأفكار، وربما نعيش اليوم إرهاصات وبوادر تشكل نوعا من السجالات والمعارك المطولة في ساحة الويب التي ستلزم الأطراف المتنازعة على وضع أسلحتهم التقليدية جانبا، لكي يتعبأ الجميع في عصر العولمة من أجل المشاركة في هذا النوع الجديد من السجالات الفكرية والنظرية حيث لن يصح إلا الصحيح، وربما جزء كبير من الأفكار المتطرفة وبعض قضايا الظلم في العالم ستجد طريقها إلى الحل فقط عبر هذه المقارعات النظرية، إذ وفي تحول غريب، وبدل أن يستغل بعض مستعملي الانترنت خدماته في إذكاء الحروب وتغذية الاقتتال كما هو الحال حاليا، ربما يملك هذا الأخير من الذكاء والقوة ما سيجعله يفعل فعلته ويورط مستعمليه فيخرجهم بفعل كمية الأفكار والمعلومات التي يروجها، من الأرضية التي ينطلقون منها، أو ليست من بين أهداف حرية الإعلام والتواصل غربلة الأفكار وتلاقحها من أجل الخروج بأشياء يمكنها إسداء الكثير من النفع للإنسانية ؟؟ ومن يدري، فربما تتلاشى جزء كبير من الأفكار المتطرفة التي تقف خلفها القاعدة، أو تجد الإدارة الأمريكية نفسها محرجة غدا جراء بيت الانترنت الزجاجي الذي سيكشف عوراتها في فلسطين والعراق وسيضطرها في الأخير لمباشرة المعالجة على وجه السرعة .. وحده التاريخ يملك الجواب عن أمثال هذه التساؤلات.