نعرف أن الله تعالى خالق هذا الكون ومبدعه، وندرك أنه تعالى حين يستضيف مصطفاه في الملإ الأعلى، ويطلعه على حقائق ومعارف إنسانية وكونية، فإنه عز وعلا يسطر أروع رسالة إلى البشرية، ويجب أن نعرف ونعي أن رسالة الإسراء والمعراج، وما صاحبها من رؤى وتجليات، تكشف في عصرنا عن مدى عجز الإنسان وضعفه أمام قدرة الله وقوته، وتدفعه إلى الارتقاء والنمو والاستكشاف، ليس في الجانب المادي فقط وإنما في الجانب الروحي أيضا، كي تبرز فعالية القوة الإيمانية الكامنة في الكون وفي النفس، وتنضبط مجالات النشاط الإنساني وتتبدد عوامل الانحراف والزيغ عن العقول والقلوب . كما تكشف أيضا عن المجال المرجعي لرحلة العلم والمعرفة، رحلة الإسراء والمعراج، الذي غفلنا عنه، أو على الأقل لم نعد نوفيه حقه، وهو فعل القراءة التي كانت الدعوة إليه أول ما نزل على رسول الهدى. إنه فعل فاصل بين العلم والجهل، بين العقل والخرافة. إن استحضار هذه المعاني وغيرها في ذكرى الإسراء والمعراج تظل باهتة وخافتة، بل إن كثيرا من القيم والمبادئ تصبح باردة وعاجزة إذا لم تنزل إلى أرض الواقع، بوسائل وأدوات وشروط تحولها من عملية حماسية تدغدغ المشاعر إلى ممارسة وسلوك حضاري فاعل ومثمر في مسيرة الأمة، يحقق مفهوم الخلافة، وإنسانية الإنسان. كما أنها تظل ناقصة ومبتورة طالما مسرى حبيب الله مسجدنا الأقصى يصرخ ويستنجد وينزف دماء طاهرة، تتلاشى وتضيع في زحمة الفرقة والتشرذم والهوان الذي تعاني منه الأمة...