حكى الأصمعي، رحمه الله، أن أعرابيا قال لابنه: يا بني العقل بلا أدب كالشجر العاقر، ومع الأدب دعامة أيد الله بها الألباب، وحلية زين الله بها عواطل الأحساب، فالعاقل لا يستغني وإن صحت غريزته عن الأدب المخرج زهرته، كما لا تستغني الأرض وإن عذبت تربتها عن الماء المخرج ثمرتها. وقال بعض الحكماء: الأدب صورة العقل فصور عقلك كيف شئت. وقال آخر: العقل بلا أدب كالشجر العاقر، ومع الأدب كالشجر المثمر. وقال بعض البلغاء: الفضل بالعقل والأدب، لا بالأصل والحسب، لأن من ساء أدبه ضاع نسبه، ومن قل عقله ضل أصله. وقال بعض الأدباء: ذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب، واتخذ الأدب مغنما، والحرص عليه حظا، يرتجيك راغب، ويخاف صولتك راهب، ويؤمل نفعك، ويرجى عدلك. وقال بعض العلماء: الأدب وسيلة إلى كل فضيلة، وذريعة إلى كل شريعة. وقال بعض الفصحاء: الأدب يستر قبيح النسب. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بينه وبينكم، فحسب الرجل أن يتصل من الله تعالى بخلق منها. وقال ابن المقفع: ما نحن إلى ما نتقوى به على حواسنا من المطعم والمشرب بأحوج منا إلى الأدب الذي هو لقاح عقولنا، فإن الحبة المدفونة في الثرى لا تقدر أن تطلع زهرتها ونضارتها إلا بالماء الذي يعود إليها من مستودعها. وقال أردشير بن بابك: من فضيلة الأدب أنه ممدوح بكل لسان، ومتزين به في كل مكان، وباق ذكره على أيام الزمان. هذا شيء يسير مما قاله الأولون في الأدب، بياناً لأهميته، وتأكيداً على مكانته، وتعظيماً لدوره، فالأدب عنوان يدل على صاحبه، يرفع قدره، ويعلي شأنه.. وإن فقِد فقِد عنوانه، وخرب بنيانه، وساء مكانه.. وإن ملك عقلاً وعلماً، فلا خير في علم لا يزينه أدب، ولا في عقل يخلو من الأدب.. إذ العقل بلا أدب لا صورة له.. كثيراً ما ينفض الناس عن ذوي المكانات، وأصحاب الشهادات، ومالكي الأموال، وذوي الجاه والمناصب.. بسبب غياب الأدب في تفاصيل علاقاتهم، وخصوصيات حياتهم.. حين يغيب عنك الأدب، وإن حضر غيره، غدوت صورة لا روح فيها، وجسداً لا حياة فيه، وبيتاً دب الخراب في أركانه، وأرضاً مجدبة، وشمساً حارقة.. لا يطيقه أحد، ولا يرضاه أحد من الناس يعرفه، صاحباً في سفر، أو جاراً في سكن، أو أنيساً في مجلس، أو شريكاً في عمل.... الخ. من فقد الأدب فقد كل شيء، ولو بعد حين، فاعلم أن الأدب أساس الخير، وخير الأساس، فاحرص على نواله، واجتهد في طلبه، وكن من ذويه وأصحابه.