لاشك أن السينما المغربية تتحرك وفق مسار جدي وحقيقي وبدأت تثبت وجودها في الساحة الفنية وهذا ما نراه على أرض الواقع من تألق بعض الأفلام في المحافل الدولية وإن كانت لاتتجاوز أصابع اليد، وبلمحة خاطفة على جينريك الأفلام أثار اهتمامنا موضوع السيناريو، حيث نجد أن المخرج هو السيناريست وكأننا نؤسس لموجة سينمائية يمكن حصرها في :«سينما المؤلف» وهذا ما تبين في المواسم الأخيرة مما خلق بعض النقاشات الجانبية تمحورت حول أزمة السيناريو، وكيفية الخروج منها، مع العلم أن ريبرطوار الرواية المغربية غني على مستوى الكم والنوع والذي تجاوز أكثر من 600 عمل روائي، بهذا المعنى وجب علينا طرح السؤال: لماذا لاتساهم الرواية في إغناء المشهد السينمائي؟ ولماذا يبقى صانعو الأفلام غير قادرين على الإنفتاح؟ ألأن الروائيين لايقتنعون بعطاء المخرجين من حيث جمالية الصورة، ويعجزون عن مضاهاة الحبكة الروائية في أعمالهم السينمائية؟ أم لأن المخرجين لايثيرهم عمق مواضيع الروايات ولا تحقق لهم الأسئلة الفنية التي تصدم المتفرج وتجذبه إليه وتهز وعيه الجمالي والوجداني؟. أم أن هناك أسباباً أخرى خارج هذه السياقات الموضوعية والذاتية كالمشاكل التقنية والتي تتعلق بالدعم المالي والذي لا يفي بإنتاج بعض المشاهد النوعية، فيلجأ كاتب السيناريو إلى التكيف مع الواقع المفروض، إضافة إلى إشكالية تحويل العمل الأدبي وما يطرأ عليه من التغييرات التي تختلف عن الأصل، حيث يقوم المخرج أحيانا بتوسيع مجال الحكي وتارة يبتكر تفاصيل جديدة أو إضافة شخصيات أخرى أو اختزالها أو خلق أحداث جديدة وربما يصل في تعديلاته إلى تغيير روح الرواية ولونها. ولاننسى أن الأدب وفر للسينما العالمية موضوعات خالدة وقدم شخصيات عميقة الأبعاد لم تكن لتتوفر بدونه، وإن كانت السينما لاتعترف بالإرتباط الأدبي، فهي لوحدها قدمت أعمالا عظيمة ساهمت في إثراء الوجدان الإنساني، وهذا بفضل إصرارها على المزيد من الحرية والاستقلالية بسماتهما الذاتية، ومن هنا نرى أن السينما تسير في الإتجاهين معا، وبثقة أكبر، فهي بقدر ما تحرص على تأكيد ذاتها وخلق شكلها الفني الخاص بقدر ما تواصل أيضاً في ترجمة بعض الأعمال الأدبية بمزيد من الإنضباط والجدية. ونذكر أن بعض الروايات المغربية تحولت إلى أفلام كرواية «جارات أبي موسى» على سبيل المثال لا الحصر أو اشتغال الروائي «يوسف فاضل» مع مخرجين كداوود أولاد السيد وفريدة بورقية. وعرفت هذه الأفلام نجاحا نسبيا، بل حصل فيلم «في انتظار بازوليني»على جوائز في مهرجانات عربية ودولية، ألا يدعو هذا إلى كسر الحواجز بين الروائيين والسينمائيين؟ أليست الرواية تسعى إلى التعبير عن العلاقات الاجتماعية الراهنة والمساهمة في خلق علاقات جديدة تتخطى حدود الوعي السائد وتتجاوزه إلى آفاق جديدة؟ وهذا أحد رهانات المخرج السينمائي؟ أليست الرواية هي التفسير الفني للعالم والكشف عن العلاقات الخفية فيه، لتوليد المتعة والتشويق؟ وهذا هو صلب أهداف صناع السينما، فإذن لماذا هذه العزلة، بحيث يحبس كل واحد منهما (الروائي والمخرج) نفسه داخل جنسه الفني بقوامه الخاص وجمالياته الخاصة ودوره في الإشباع الفني؟ لماذا هذه الإنطوائية للسينما وهذا الخجل الذي يعلو وجنة الرواية؟ أليس بهذا التعدد الروائي على مستوى الكم والنوع يمكن أن يجد المخرج ما يلهمه، ويحقق له ذلك التصور الفني الذي يبحث عنه؟ أظن أنه بالإجابة عن هذه الأسئلة سنتخطى أزمة السيناريو وموازاة مع ذلك ستزداد نسبة القراءة والمشاهدة وسيرتفع عدد الأفلام في السنة وستتحرر أيدي الروائيين من القيود الذاتية ليصبحوا أكثر قربا من الناس، وستكون السينما أكثر ارتباطا بالواقع والإنسان المغربي وبهذا سنساهم في تطوير كل من الرواية والسينما وإغناء المشهد الفني.