اعتبرت الباحثة والمؤرخة الإسرائيلية أستير بنباسا أن الانسحاب الإسرائيلي من مستوطنات قطاع غزة يجسد نهاية الحلم التوراتي بإقامة دولة إسرائيل الكبرى، مشيرة إلى أن مستقبل الدولة العبرية رهن بالتعايش الكامل مع الشعب الفلسطيني. وفي حوار خاص مع إسلام أون لاين.نت الأربعاء 2005/8/17 قالت بنباسا -مديرة أبحاث بالمعهد العالي للأبحاث المتخصصة في الدراسات اليهودية التابع لجامعة السربون الفرنسية:- إنه لا مستقبل للاستيطان بالضفة الغربية... مستقبل إسرائيل مرتبط بالتعايش الكامل مع الفلسطينيين. ولأستير العديد من المؤلفات والأبحاث باللغات العبرية والفرنسية والإنجليزية، وتعرف في الأوساط الفرنسية والإسرائيلية بمواقفها الداعمة لحركة السلام الآن الإسرائيلية، وفيما يلي نص الحوار: باعتبارك باحثة ومؤرخة إسرائيلية.. كيف تنظرين إلى الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة؟ أعتقد أنه مهم لتحقيق السلام؛ فرغم عدم رغبة المستوطنين في الرحيل نظرًا لاعتقادهم بأن غزة جزء من حلم إسرائيل الكبرى المنصوص عليه في الكتابات التوراتية، ورغم أن الانسحاب أشعل أزمة سياسية داخل المجتمع الإسرائيلي؛ فإن هذا الانسحاب سيحقق تطلعات شريحة كبيرة من الإسرائيليين للسلام. هل هناك مصلحة إسرائيلية من الانسحاب؟ أعتقد ذلك؛ فالمجتمع الإسرائيلي عبَّر كثيرًا عن معارضته للأموال الضخمة التي تنفق على المستوطنات وحمايتها، وقد نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون في توظيف هذه المعارضة لإقناع الإسرائيليين بأهمية الانسحاب من أجل توفير هذه الأموال. شارون كان مجبرًا أيضًا على القيام بشيء ما أمام المجتمع الدولي لتحقيق السلام، خاصة بعد وصول محمود عباس (أبو مازن) إلى السلطة، كما أن تقلص تأثير اليمين في الشارع الإسرائيلي أمام الرغبة العامة في الوصول إلى تسوية حقيقية وعاجلة مع الفلسطينيين ساعد شارون على تمرير خطة للانسحاب. يعتقد اليمين الإسرائيلي والمستوطنون أن الانسحاب بمثابة هزيمة أمام فصائل المقاومة الفلسطينية، ومن بينها حركتا المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي.. فما رأيك؟ لا أعتقد بصحة هذا الرأي المرتبط برؤية المستوطنين؛ فعلينا ألا نتجاهل حقيقة أنه إذا لم تخطُ إسرائيل نحو السلام فلن يحدث أي تقدم في عملية السلام بالمنطقة، وإذا كان هناك من نصر فإنه نصر للاتفاق بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والعربي عمومًا، والذي انطلق منذ عصر الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيجين واليسار الإسرائيلي عامة، وأعتقد أن لدى شارون رغبة الآن في أن يشار إليه في التاريخ بالتقدم نحو السلام. هل تعتقدين أن العمليات الاستشهادية ضد إسرائيل ستنتهي بعد هذا الانسحاب؟ لا أدري، لكن إذا كان هناك شيء من الحكمة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي فإن العمليات المسلحة قد تتوقف، خاصة إذا أبرمت اتفاقات بعد انسحاب غزة. أنا متفائلة؛ لأنه بما أن الفلسطينيين مصرون على إقامة دولتهم، وهو حق لهم؛ فإن عليهم الاقتناع بأن هذا الحق لا يمكن الوصول إليه بقتل المدنيين؛ لأن هناك مسار مفاوضات يلوح في الأفق، وأعتقد أنه سيصل بالطرفين إلى نتيجة إيجابية. هل يمكننا الحديث بعد انسحاب غزة عن انسحاب من الضفة الغربية مستقبلا؟ أعتقد أن ذلك أمر صعب حاليًا؛ لأننا سنصطدم بكم هائل من المستوطنين (032 ألف مستوطن بالضفة)، وجزء كبير من المجتمع الديني الإسرائيلي الذي يتمسك بقراءات توراتية متشددة فحواها أن إسرائيل تشمل أيضًا يهودا والسامرة بالضفة الغربية. ولكن الحاجة إلى مستوطنات الضفة ستنعدم لتكلفتها الضخمة، ولضمها كتلا سكنية فلسطينية، بالإضافة إلى تعارضها مع مستقبل السلام؛ لذلك أعتقد أنه يجب تفكيك مستوطنات الضفة أيضًا، ولو وفق خطة زمنية أطول. هل تعتقدين أنه بعد انسحاب غزة وقبله الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان فإن حلم إسرائيل الكبرى قد انتهى إلى الأبد؟ من الواضح جدًّا أن المستوطنين الذين ذهبوا للسكن في مستوطنات غزة، أو الذين استوطنوا الضفة الغربية قد انتهوا إلى فشل ذريع؛ وهو أن حلم إسرائيل الكبرى انتهى مع إخلاء مستوطنات غزة، وما يقع اليوم من انسحاب بغزة سيقع مثله بالضفة. في رأيك ما هو مستقبل شارون بعد الانسحاب من غزة؟ من المرجح أن شارون سيسعى إلى تأسيس حزب جديد؛ لأنه لم يَعُد له مكان في الحزب الذي انتمى إليه طويلا (اللكيود)، فغاية شارون الآن هو أن يجد له مكانا داخل التاريخ، وهو الهاجس الشخصي له سواء حينما كان رجل حرب أو الآن مع انسحابه من غزة. شارون فهم جيدًا المجتمع الإسرائيلي الذي لم يَعُد يساند مطلقًا المستوطنين والمستوطنات، ويعتبر أن الأموال التي تنفق عليها تقذف في البحر بلا فائدة، لقد أدرك جيدًا القطيعة بين المجتمع الإسرائيلي والمستوطنين، وبالتالي فإن الانسحاب من غزة قد يعطي شارون طريقا آخر داخل هذا المجتمع الذي لم يَعُد يطيق حياة التفجيرات، والضغوط الأمنية الشديدة من أجل عيون المستوطنين. تحدثت عن قطيعة وانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي بعد الانسحاب.. فهل هذا المجتمع قادر على تجاوز أزمته الحالية؟ نعم، بالطبع؛ فهذه الفترات العصيبة ستعيد الإسرائيليين إلى الوعي من جديد بأنه يجب القيام بشيء ما من أجل أن نعيش سويًّا مع الفلسطينيين.