على الرغم من لغة الثناء والإشادة التي استعملها واضعو تقرير البنك الدولي حول استراتيجية تعاونه مع المغرب في بداية التقرير خلال وصفهم المناخ السياسي للمغرب، فإن ثنايا هذا الأخير، الذي صدر أخيراً وحصلت التجديد على نسخة منه، أظهرت حجم المخاطر والصعوبات التي يواجهها المغرب من منظور المؤسسة الدولية في ما يخص معدل النمو والفقر والبطالة وميزانية الدولة، وهكذا رصد التقرير، الواقع في 100 صفحة من الحجم الكبير والمفصل على امتداد أربعة محاور، جملة مما أسماه مخاطر، كوتيرة النمو الضعيفة، والارتهان إلى معدل تساقطات غير مستقر، واستمرار عجز الميزانية الناتج عن ارتفاع حجم أجور الموظفين، وضعف المؤشرات الاجتماعية في ما يخص مستوى الدخل، وارتفاع نسبة البطالة، والضغط المتزايد على الموارد الطبيعية... وحذر التقرير من أن استمرار هذه المؤشرات يتهدد المغرب بتوترات اجتماعية لم يسمها من شأنها إعاقة أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي، ولهذا وضعت المؤسسة الدولية النقدية استراتيجية التعاون مع المغرب، والممتدة من 2005 إلى 2009 لمواكبة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تباشرها الحكومة. وحسب واضعي التقرير، فإن الهدف من الاستراتيجية هو الرفع من وتيرة النمو المنتج لفرص الشغل، وكذا الحد من الفقر والتهميش. ويرى البنك الدولي أن المناخ السياسي والإداري الحالي بالمغرب مناسب أكثر مما مضى لإدخال إصلاحات بالنظر إلى شعور بضرورة التعجيل بها، سواء من أعلى سلطة قرار أو من هيآت المجتمع المدني. ويعرض البنك الدولي في تعاونه مع المغرب برنامج قروض مرنة تتراوح بين 250 و350 مليون دولار سنوياً (الدولار يساوي أقل من 10 دراهم بقليل) بغية ضمان تمويل الخطط المدرجة في الاستراتيجية، وقد عبر المغرب من جهته عن رغبة في تحديد القرض في 300 مليون دولار، وبخصوص الدين الخارجي، أشار التقرير إلى أن المغرب نجح في تنويع مصادر الاقتراض الخارجي، ولم يعد معها البنك الدولي، بما يقدمه من قروض، وحده المساهم في توفير دعائم لمباشرة الإصلاحات. من جانب آخر، ترمي الاستراتيجية المذكورة إلى تحقيق أربعة أهداف هي: أولاً تحسين التنافسية ومناخ الاستثمار بالحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية (الإبقاء على عجز الميزانية في مستوى 3 % من الناتج الداخلي الخام ومعدل التضخم في 2٫5 %)، وبالرفع من فعالية الإدارة العمومية وتقوية نجاعة القطاع المالي وولوج المقاولات لخدمات التمويل. ويتمثل ثاني الأهداف الاستراتيجية للتعاون في تحسين عيش الفقراء والمهددين بالفقر بالخفض من دور الصفيح بنسبة 60 %، وتحسين ولوج الخدمات الأساسية والبرامج الاجتماعية والفرص الاقتصادية في بؤر الفقر، وأما ثالث الأهداف فهو تحسين فعالية النظام التربوي بالمغرب بالرفع من وتيرة التمدرس في الطور الأساسي وجودته، والزيادة من عدد حاملي الدبلومات ونسبة ولوج سوق الشغل في صفوف طلبة التعليم الثانوي والعالي والتكوين المهني بالانتقال بها أي النسبة من 55 إلى 75% في أفق 2009. وفي ما يخص آخر أهداف الاستراتيجية، التي وضعت حسب التقرير بعد مشاورات مكثفة بين البنك الدولي والحكومة والبرلمان والقطاع الخاص والنقابات والجمعيات المهنية والأوساط الأكاديمية، فهي النهوض بإدارة المياه وتحسين ولوج خدماتها وخدمات التطهير عبر تطوير الإطار القانوني والمؤسساتي والمالي لهذا القطاع، والرقي بأداء الأحواض المائية (سطرت 10 مشاريع في 10 أحواض مستهدفة ستنجز بتشارك مع وكالات الأحواض المائية)... من جهة أخرى، أولى التقرير أهمية لموضوع المخاطر المحدقة بالمغرب وكيفية تدبيرها، إذ جاء فيه أن أشد الأخطار هو استمرار وتيرة ضعيفة للنمو وبقاء البطالة في مستوى مرتفع وكذلك الفوارق الاجتماعية، كما عد البنك الدولي من المخاطر أيضا ألا تتبع الحكومة المغربية ما تعلنه من التزامات بخصوص تطبيق الإصلاحات بإجراءات ملموسة وعملية.