نقلت عدة وكالات دولية إعلامية يوم الأحد 9 اكتوبر 2005 خبرا جاء فيه أن البنك الدولى حذر في تقرير صادر عنه، المغرب من التوترات الاجتماعية، التى قد يتعرض لها، نتيجة الأزمة الاقتصادية، التى تمر منها البلاد. وجاء فى التقرير الذى صدر فى 100 صفحة من الحجم الكبير، أن نسبة النمو الضعيفة، والارتهان إلى معدل تساقط الأمطار غير المستقر، واستمرار عجز الميزانية، الناتج عن ارتفاع حجم أجور الموظفين، وضعف المؤشرات الاجتماعية فى ما يخص مستوى الدخل، وارتفاع نسبة البطالة، والضغط المتزايد على الموارد الطبيعية، كلها مؤشرات تهدد باضطرابات اجتماعية، قد تجعل أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي غير ممكن فى حال حدوثها. والمعروف أن المؤسسة الدولية النقدية تقول إنها وضعت استراتيجية للتعاون مع المغرب، تمتد من 2005 إلى 2009 لمواكبة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، التى تباشرها الحكومة. وحسب واضعي التقرير، فإن الهدف من الاستراتيجية هو الرفع من وتيرة النمو، المنتج لفرص الشغل، وكذا الحد من الفقر والتهميش. ويرى البنك الدولي أن المناخ السياسي والإداري الحالي بالمغرب مناسب أكثر مما مضى لإدخال إصلاحات، بالنظر إلى الشعور بضرورة التعجيل بها، سواء من أعلى سلطة قرار أو من هيئات المجتمع المدني. ويعرض البنك الدولي فى تعاونه مع المغرب برنامج قروض مرنة، تتراوح بين 250 و 350 مليون دولار سنوياً، بغية ضمان تمويل الخطط المدرجة فى نطاق هذه الاستراتيجية. وقد عبر المغرب من جهته خلال سنة 2005 عن رغبة فى تحديد القرض فى مستوى 300 مليون دولار. وبخصوص الدين الخارجي، أشار التقرير إلى أن المغرب نجح فى تنويع مصادر الاقتراض الخارجي، ولم يعد معها البنك الدولي، بما يقدمه من قروض، وحده المساهم فى توفير دعائم لمباشرة الإصلاحات. قبل صدور هذا التقرير بشهر تقريبا أي في 16 سبتمبر 2005 دعا صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي حول الوضع فى المغرب السلطات المغربية الى إضفاء المزيد من الليونة على سياساتها الاقتصادية الرامية الى تسريع النمو. وجاء فى الوثيقة أنه بالرغم من أن سياسة الموازنة الحالية ومستوى الديون لا يشكلان مخاطر على الاستقرار الاقتصادي على المدى القصير فإن السياسيات الحالية اذا تواصلت قد تخفض من قدرات السلطات على امتصاص الصدمات، الأمر الذى قد يحد من النمو. وبعد أن أشاد الصندوق بالمغرب لأنه حافظ على الاستقرار الاقتصادي واستمر في تنفيذ برنامج اصلاحات هيكلية شدد على أن النمو لا يزال هشا وغير كاف لخفض البطالة والفقر بشكل فعلي. ودعا الصندوق فى تقريره المغرب الى تحقيق نمو قوي خارج القطاع الزراعي واعتبر أن تسريع الاصلاحات الهيكلية وتعزيز الميزانية أمران أساسيان فى استراتيجية النمو القوي. وعرض الصندوق اقتراحات عدة منها إصلاح النظام الضريبي بتوسيع قاعدة المساهمين وبخفض النسبة الضريبية وتسهيل ومواصلة خفض الضرائب الجمركية وتحرير قطاعات اقتصادية أخرى مثل ما تم انجازه فى قطاعي الاتصالات والسياحة. ودعا صندوق النقد الدولي الرباط الى تطبيق كامل لقانون العمل الجديد وإلى التسريع فى الاصلاحات القضائية لتحسين ثقة المستثمرين. كما أشار التقرير الى انجاز تقدم فى مجال الشفافية لتحسين أجواء الأعمال. أكثر من تساؤل تحذير البنك الدولي من اضطرابات اجتماعية متوقعة وتقرير صندوق النقد الدولي المتقاربين من حيث التوقيت، يطرحان أكثر من تساؤل خاصة وأن المؤسستين اللتان تتحكم فيهما الإدارة الأمريكية كانتا قد صرحتا بالمديح والإشادة في عدة مناسبات سابقة بما حققه المغرب على الصعيد الاقتصادي ونجاحه في تطبيق الإصلاحات التي نصحتا بها. إن الهدف هنا ليس الدفاع عن أي سياسة أقتصادية متبعة ولا انتقادها ولكن البحث والتقصي عن الأسباب التي تقف وراء تحذيرات البنك الدولي خاصة وأن هذا السلوك نادر ولم يتم اتباعه مع دول أخرى في السنوات الأخيرة رغم أنها كانت في حالة غليان اجتماعي. الملاحظة الأولى في تقرير البنك الدولي أنه لم يتعرض الى الأثار السلبية التي خلفتها وتخلفها عمليات خوصصة عدد كبير من المؤسسات العمومية التي كانت مردودياتها ايجابية أي أنها ولدت لخزينة الدولة مداخيل كبيرة، كما لم يتطرق التقرير إلى الأثار السلبية الناتجة عن قيام أصحاب رؤوس الأموال الذين أصبحوا يملكون أغلبية الأسهم في العديد من شركات القطاع العام سابقا بتحويل كميات ضخمة من الأموال المحصل عليها داخل المغرب الى الخارج بالعملة الصعبة مما فاقم من عجز الميزان التجاري وزاد حرمان السوق الداخلية من سيولة نقدية ضخمة كانت كفيلة بخلق مناصب شغل جديدة وتنشيط حركة رؤوس الأموال في السوق الداخلية. التقرير لم يتعرض كذلك للأثار السلبية لتحرير التجارة وعقد أتفاقيات التبادل الحر بين المغرب وعدة أطراف قبل أن يتم تأهيل المقاولات المغربية بشكل كاف، وانما شجع على المزيد من عمليات الخوصصة وتقليص دور القطاع العام. عملية الخوصصة تمت برضى البنك وتوأمه صندوق النقد الدوليين، والمعروف أن المؤسستين الماليتين الدوليتين تخوضان منذ عقود في كل أنحاء العالم وخاصة فيما يسمى بدول العالم الثالث معركة من أجل الخوصصة وتقليص دور الدولة تحت شعار تحرير الأقتصاد وزيادة المردودية والتخلص من البيروقراطية وادماج الاقتصاديات العالمية. النتائج السلبية لتطبيق نصائح وتوجيهات المؤسستين الماليتين برزت في العديد من دول العالم وكانت نتائجها كارثية ومدمرة كما حصل مع الأرجنتين وغيرها. هذا ويلاحظ أن سياسات الخصخصة اللتان تطالب بهما المؤسستان الدوليتان ازدادت تركيزا في البلدان الفقيرة في السنوات العشر الأخيرة وصبت في مصلحة الشركات المتعددة الجنسية، ويرجع ذلك الى سببين اولهما ان معظم هذه البلدان تتمتع بحركات نقابية وديمقراطية محدودة التأثير مهيضة الجناح على عكس الوضع في اوروبا او دول الشمال الغنية حيث تتمتع هذه الحركات بنفوذ قوى وملموس حتى على صعيد الحياة اليومية العادية مما يمكنها من مقاومة عملية تقليص مساهمة الدولة في الأقتصاد وحماية حقوق العمال في حالات الخوصصة. أدوات لبناء الأمبراطورية يقر زبغنيو بريجنسكي الأستاذ الجامعي ومستشار الأمن القومي الأمريكي سابقا في كتابه أمريكا بين سطوة الهيمنة ومسؤوليات القيادة، أن المؤسستين تشكلان أحد أهم الأدوات لبناء الأمبراطورية الأمريكية. ويضيف بريجنسكي أن واشنطن أصبحت عاصمة العولمة، وليس بين نهري الهدسون والايست (نيويورك) ولكن على ضفاف نهر البوتوماك لتصبح أول عاصمة سياسية عولمية في تاريخ العالم. ولم تعد تطاولها أو تنافسها في هذه المكانة أي من عواصم العالم القديم أو الحديث. لا روما ولا بكين وكلتاهما كانتا عواصم الامبراطوريات القديمة، ولا لندن الفيكتورية استطاعت أن تقارب الوضع الذي تنعم به واشنطنالأمريكية بكل ما تتسم به من تركيز واقع القوة العولمية أو دوائر صنع القرارات التي تمس واقع ومستقبل الكرة الأرضية. ثم يواصل المؤلف الحديث : حاول مثلا أن ترسم خطاً يبدأ من حيث مبنى البيت الأبيض يصل إلى مبنى الكابيتول حيث مقرا الحكومة الأمريكية ومجلس الكونغرس ثم يربط البنتاغون بأضلاعه الثمانية وقاعاته التي تبرم أمور الحرب والسلام إلى أن يعود هذا الخط المرسوم إلى البيت الأبيض من جديد، هنالك يضيف المؤلف سوف ترتسم أمام مخيلتك صورة شكل هندسي معروف يمكن أن تطلق عليه مصطلحا يقول: مثلث القوة، وهو ليس المثلث الوحيد في قلب العاصمة واشنطن هناك أيضا الشكل الآخر الذي يمكن أن نسميه ما يلي : مثلث المال والنفوذ وترتسم أضلاعه من خلال خط آخر، بيد أن مبنى وزارة الخارجية الأمريكية يمد خطاً آخر ينطلق إلى أن يعود إلى البيت الرئاسي بعد أن تمر نقاطه وأضلاعه بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسة المالية الدولية. الاغتيال الاقتصادي الخبير الاقتصادي الأمريكي جون بيركنز يكشف خبايا أكبر عن المؤسستين التوأمين حيث جاء في كتاب له عنوانه: اعترافات مغتال اقتصادي أدرجته صحيفة نيويورك تايمز في قائمة الكتب الأكثر رواجاً سرد فيه قصة انضمامه إلى وكالة الأمن القومي أواخر الستينيات وابتعاثه في مهمات سرية إلى عدد من الدول النامية بما فيها الشرق الأوسط واندونيسيا وبنما لاقناع كبار المسؤولين فيها على قبول قروض ضخمة من البنك الدولي. وأضاف : تبلغ قروض البنك الدولي من الضخامة ما يجبر الدولة المقترضة على الاخفاق في تسديد الأقساط المستحقة عليها وعندما يحدث ذلك فإننا نطالبها بشيء أو أكثر من الآتي: السيطرة على حقها في التصويت في الأممالمتحدة، إقامة القواعد العسكرية، فتح الطريق لشركاتنا الكبرى إلى المصادر الطبيعية الثمينة... وفي طبيعة الحال لا يزال المقترض مديناً لنا، وبهذا نضيف دولة أخرى إلى امبراطوريتنا الكونية. ومن يريد انتقاد منظمة عولمية مثل البنك الدولي الذي قدم حتى الآن قروضاً ومنحاً بقيمة 400 مليار دولار سيجد ما يكفي لدعم حججه، ومن يريد الإشادة به لا بدّ سيجد ما يبرر ذلك لكن هذا لا يمنع في الحالتين وضع هذه المؤسسة وغيرها في إطار تاريخي معروف أنجبته الحرب العالمية الثانية وكرست فيه إلى حد بعيد انتصار الحلفاء وهزيمة دول المحور. المحافظون الجدد والعولمة كشف تحقيق وثائقي استغرق إعداده عاما كاملا أشرف عليه المركز الدولي للصحفيين التوثيقين ومركز الاستقامة العامة الأمريكيين حول معركة خوصصة المياه في العالم كجزء من سياسة العولمة وبناء الأمبراطورية التي يتحكم فيها المحافظون الجدد، كشف عن مدى تورط المؤسستين العالميتين في تحويل العالم الى رهينة للرأسمالية المتوحشة : يقول التحقيق، على أي حال وفي نفس الوقت الذي كانت فيه الأوساط الأكاديمية مشغولة بسبر أغوار فكرة خصخصة المياه وإدراك أبعادها المختلفة كانت الوقائع على الأرض قد قطعت شوطا هائلا بالمضي قدما في تنفيذ هذه الفكرة، وكانت الشركات العملاقة من وراء الكواليس قد عقدت الاتفاقات واخترقت الحكومات المحلية واجتذبت المسؤولين وتحالفت مع البنك والصندوق الدوليين في تنفيذ مسارات محددة. إن ثلاث شركات عملاقة هن سويس وفيفندي الفرنسيتين وثيمس ووتر البريطانية والمملوكة لالماني تمكنوا مع إشارة بدء انهيار النظام العالمي القديم من الوصول الى كل مكان على وجه الأرض وإرساء القواعد الأولى لتجارة المياه في عالم اليوم، كما أن هناك ثلاث شركات أخرى قد لحقت بها وإن كانت قد حصلت على أنصبة متدنية، من هذه التجارة كونها جاءت متأخرة وهي سيور الفرنسية ويونايتد يوتاليتز وبكتيل الأمريكية وأن هذه الشركات تعمل بتعاون وثيق مع البنك الدولي كما أنها تضغط عبر شبكات محلية تشريعية وتنفيذية تمكنت من إقامة صلات بها وربط مصالحها بشكل أو بآخر بها من العمل على تغيير النصوص التشريعية المحلية بما يمكنها في المستقبل من توسيع تجاربها وزيادة أرباحها وهيمنتها. إن تركيز توسع نشاط الشركات متعددة الجنسية في القارة الأفريقية بمساندة وضغط المؤسسات المالية الدولية ودولها الصناعية أدخل القارة في دوامة فقر وأضطرابات خطيرة مهدت الطريق لمزيد من الأستغلال وحرمان الشعوب من ثرواتها. وقد بدا لسان حال القارة السمراء أنها وإن كانت استطاعت أن تحصل على قدر نسبي من الراحة من مآسي زمن الكولونياليات القديمة في ظلال حركة التحرر الوطني وانجازاتها الستينية، فقد عادت المظالم وعاد الرجل الأبيض مجددا لاستغلالها واستنزافها بكل ما يملك من إطلالة عصر العولمة المتوحشة. استخلاص النتائج بعد استعراض هذه الحقائق عن من سماهم البعض بملاك النظام العالمي الجديد، يجب التحرك بمفهوم جديد ونظرة فاحصة للتعامل مع تحذيرات البنك الدولي عن التوترات الأجتماعية المتوقعة من طرفه في المغرب، خاصة وأن مثل هذه التحليلات تفرض على المؤسسات التي تقدم النصائح للمستثمرين عرض صورة سلبية منفرة. مثل هذه العمليات أدت في مناطق أخرى من العالم وفي أوقات متقاربة الى هزات في الأسواق المالية وضربات للبورصة وتكبيد الدول المستهدفة خسائر كارثية، وفي الذاكرة القريبة مثال للأنهيار الذي مس ما سمي بنمور آسيا في نهاية القرن الماضي، وجعلها تخسر في أيام قليلة 600 مليار دولار، تبين لاحقا أنها انتهت بمكاسب مماثلة في القيمة لدى الدول الصناعية الغربية. لا أحد ينكر أن المغرب يمر بأزمة أقتصادية كبيرة، ومسؤولية جزء كبير من هذه الوضعية يقع على ما نفذ من نصائح المؤسستين الدوليتين. وهنا يجب استخلاص النتائج. مؤسسات تنشر الفقر بإسم التنمية وتحرير الأسواق يقول المحلل الاقتصادي العربي عادل بشتاوي العامل بدولة الإمارات العربية المتحدة : «البنك الدولي ينشر الفقر ويرسخ هيمنة أمريكا. هذه المؤسسة تغالط العالم في تقاريرها وتوجهها لخدمة أغراض معينة فهي تتحدث عن تقلص الفقر في العالم في حين أن الصورة مختلفة والأزمة تزداد استفحالا». يوجد في هذا العالم 1700 مليون فقير يعيشون على أقل من دولارين يومياً و1300 مليون معدم يقتاتون من دخل يومي وسطي يقل عن دولار أمريكي واحد منهم 800 مليون شخص يعيشون على حافة المجاعة أو يعانون من سوء التغذية فيما يموت 17 مليون شخص، أغلبهم أطفال، كل سنة إما بسبب الجوع أو ضحية أمراض تسهل الوقاية منها. وبين من يحصّل دولاراً واحداً أو أقل (بعض دول شرق آسيا والمحيط الهاديء وأفريقيا) ومن يحصل 151 دولاراً في اليوم (لوكسمبورغ) هناك 3000 مليون شخص يتدرجون صعوداً من قاع الفقر ولكن بقدر لا يعني في الحقيقة شيئا يذكر في عالم نعرف أن معظم أغنيائه يزدادون غنى ونعرف أن معظم فقرائه يزدادون فقراً.