عندما يعلن رئيس الحكومة الانتقالية الجديدة في العراق أن "محاربة الإرهاب هي المسؤولية الأساسية" لحكومته، ويعلن أيضاً توحيد جميع الأجهزة الأمنية تحت إمرته، فإن ما جرى يوم الخميس يغدو طبيعياً ومتوقعاً بصرف النظر عن رأينا نحن أو رأي الآخرين فيه. لقد قرر الرجل خلافاً للمتوقع منه أن يتحول إلى حارس للاحتلال وليس خادماً للشعب العراقي، في حين قيل للعالم إن حكومته هي حكومة "تكنوقراط" شكّلها مندوب الأممالمتحدة الأخضر الإبراهيمي كي تسيّر حياة الناس، والنتيجة أن حياة الناس قد غدت رهن إرادة المستشارين الأمريكيين في الوزارات العراقية، فيما الأمن هو الشغل الشاغل للحكومة. ما جرى إذاً كان رداً متوقعاً، فعندما تعلن الحكومة الحرب على المقاومة لا يمكن إلا أن نتوقع قيام بعض فصائلها بردود من هذا النوع على الجهات التي تريد استهدافها. ولن يقول لنا أحدهم إن الرجل قد أعلن حرباً على الإرهاب وليس المقاومة، لأننا لم نسمع منه كلمة واحدة تفرق بين المصطلحين، في حين سمعنا الكثير من العبارات التي تضعهما في ذات السلة. ولعل من العبث أن يصدق البعض أن "أبو مصعب الزرقاوي" هو الذي يقف خلف الهجمات بالفعل تبعاً لبيان نقلته بعض مواقع الإنترنت، مع أن أهل العراق يدركون أن كثيراً من تلك البيانات لا صلة لها بالواقع ، وأن عمليات كثيرة تنسب للرجل لم يكن له أدنى صلة بها، بدليل أنها نفذت بطريقة غير التي ذكرت في البيانات!! لم يعد سراً أن في العراق متطوعون عرب يقاتلون إلى جانب المقاومة، لكن ما جرى ويجري لا زال في جانبه الأهم من فعل العراقيين أنفسهم، وحتى لو وجد آخرون فلا يمكن أن يجتهدوا لوحدهم في اختيار طبيعة العمل الذي ينفذونه، سيما وأن هؤلاء قد جاءوا في الأصل لقتال الأمريكان وليس العراقيين. في كل الأحوال تبدو الساحة مفتوحة على خيارات عنيفة حتى لو مال السيد مقتدى الصدر إلى التهدئة أو الهدنة بدعوى أن استعادة الأمن أهم من طرد الأمريكيين، كما قال أحد مندوبيه، فيما لا يعرف أحد كيف سيطرد الأمريكيون إذا وجدوا حراساً عراقيين يفدونهم بالأرواح وحكومات تنذر نفسها لحمايتهم. ثم هل يمكن أن يعود الأمن على يد العاملين لصالح الاحتلال ممن يطالبونه بالبقاء وعدم الرحيل لأن البلد بحاجة إليهم؟! من الواضح أن الأزمة لا زالت تتمثل في غياب أجندة موحدة للعراقيين حيال الاحتلال، لكن ذلك لا يغير من حقيقة أن المقاومة هي اللاعب الأساسي في الميدان، ولن تتغير هذه المعادلة إلا بانحياز الأطراف الأخرى خارج المثلث السني إلى خيارات الحكومة الجديدة، سيما في ضوء حديثها عن أحكام عرفية في المناطق المتوترة، ما يعني عقوبات بحق العرب السنة بسبب خيار المقاومة الذي تبناه أكثرهم. وفي هذه الحال بالذات تغدو مخاوف الحرب الأهلية مبررة، وهي التي تشير الدلائل إلى أن الاحتلال لم يعد يرى فيها بأساً ما دام عاجزاً عن الحصول على الأمن بطرقه الخاصة، وفيما لا يتوقع أن تنجح الحكومة في توفيره له. لقد وضعت خيارات حكومة علاوي المقاومة في موقف حرج، لكنها وضعت نفسها بالمقابل في موقف أسوأ، ويبقى أن الوضع القائم يبقى مؤقتاً من حيث أن نتيجة امتحان نوايا الاحتلال ليست بعيدة، فإذا نقل السيادة الحقيقية للعراقيين، وهو ما لن يفعله سطواعية، فأهلاً ومرحباً، أما إذا تلاعب بالأوراق وأبقاها في يده في ذات الوقت فإن الحجة قد أقيمت على المتعاونين بكل أشكالهم وصارت المقاومة هي سيدة الموقف دون منازع ودون مزايدة أو تشكيك إلا من أذناب الاحتلال الذين سيواصلون الرهان عليه في كل الأحوال. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني