أثار بيان حركة التوحيد والإصلاح حول الانحرافات الأخلاقية(السكر والتحرش الجنسي ،وتعاطي المخدرات و...) والاختلالات التدبيرية (التمويل)التي لابست عددا من المهرجانات التي يقال إنها ثقافية حفيظة وزير الثقافة، فاختار في حواره مع أجوردوي لوماروك الهروب إلى الأمام وتقويل البيان ما لم يقل، والهجوم على الحركة، وكأنها الوحيدة التي تكلمت في الموضوع، وكأن جريدة التجديد هي الوحيدة التي تنتقد بعض المظاهر السلبية الملازمة لبعض المهرجانات الصيفية. مظاهر أثارت استياء المواطنين وبعض المسؤولين، وخاصة منهم رجال الأمن كان الله في عونهم، و على وجه التحديد في الدارالبيضاء والصويرة ومراكش. وقد وازت خرجة الوزير حملة لأقلام درجت على الاصطياد في الماء العكر والكذب من قبيل ما فعل صاحب الكلمة الناقصة. غير أن وزير الثقافة ومن ابتهجوا لخرجته سكتوا جميعا لما قرر اتحاد النقابات الفنية المغربية خوض إضراب أمام ولاية الدارالبيضاء، احتجاجا على التهميش الذي طال الفنانين المغاربة في مهرجان الدارالبيضاء، وقال في بيان له إن للطريقة المتبعة في الإعداد له ومواده الفنية ولائحة المشاركين، تعامل مع الفنانين المغاربة بأقصى درجات التهميش مفضلا إعطاء الأولوية للفنانين الأجانب ليغدق عليهم من أموال أبناء المملكة، وذلك بخلاف ما هو معمول به في مهرجانات البلدان الأخرى التي يحظى فنانوها بالأسبقية ويستفيدون بالتالي ماديا ومعنويا. ولم يرد السيد محمد الأشعري، لما تقدمت النقابات نفسها بمشروع إلى مسؤولي الدارالبيضاء لإقامة مهرجان بكلفة معقولة ولأجل تقريب الفن والثقافة من جميع شرائح المجتمع وإيلاء الفنان المغربي المكانة التي يستحقها.ولم ينبس الوزير ببنت شفة لما اعتبر البيان برمجة فنانين كبار من العالم العربي والعالم في مهرجان الدارالبيضاء، ممارسات ينجم عنها إحباط فنانينينا ومبدعينا وحط من قيمة هويتنا الثقافية والفنية والحضارية وتكرس عقدة الأجنبي التي يعانيها البعض. بل إن اتحاد النقابات الفنية المغربية وصف معظم الأسماء التي يستدعيها لا تنشر فينا سوى قيم التفسخ والانحلال ولا تخدم بأي شكل من الأشكال تنميتنا البشرية ولا ترفع من ذوقنا العام، في إشارة واضحة إلى مشاركة إليسا على سبيل المثال. ولم يتدخل السيد الأشعري لمساعدة مهرجان ملتزم للظاهرة الغيوانية بمراكش ينشر الموسيقى الأصيلة واللحن الجميل، فاضطرت الفرق المعنية للقيام باتصالات فردية مع محسنين لطلب الدعم لتظاهرة فنية تسعى لتنمية الثقافة الوطنية والذوق الموسيقي الراقي وتحصينها ضد من موسيقى السندويتشات . لم نسمع للوزير رأيا ولا وقولا لما استدعت القناة الأولى الفنان نعمان لحلو في برنامج مساء الفن الذي تمحور حول أسباب مغادرته المغرب واستقراره بمصر، والتي ترجع للمصير الذي آلت إليه الأغنية المغربية، وغياب العناية بالفنان المغربي، وعدم إعطائه المكانة التي يستحقها، مقابل المبالغة في الاحتفاء بالفنانين الأجانب. معتبرا أن المهرجانات التي تقام في المغرب مهرجانات مبالغ فيها، مستنكرا بالمناسبة ما يبذر فيها من أموال طائلة. لقد اختار وزير الثقافة الصمت لأن الكلام جاء من عند أهل الدار العارفين بحقيق الفن والفنانين، لكنه استأسد على حركة لم تقم إلا بواجب النصح، وقولها ما لم تقل، ولم نسمع له قولا ولم نقرأ له حديثا لما كتبت جرائد عديدة في مقالات وأعمدة عن مفاسد وانحرافات بعض المهرجانات التي قيل إنها ثقافية والله أعلم. وفي ما يلي جزء مما قيل وسنأخذ مهرجان البيضاء نموذجا، حيث وصفت بعض الصحف بعض ماشاب جزءا من فقراته من عربدة وسكر، وتعاطي المخدرات، وحضور جماعة عبدة الشيطان، وإهدار المال العام و التحرش الجنسي بالنساء...بشكل أزعج رجال الأمن وصعب من مأموريتهم، وتحدث عن الفوضى المشاجرات وتكسير لبعض السيارات، وخاصة في حفل الشاب بلال. أما جريدة الاتحاد الاشتراكي فقد وصفت المهرجان بعنوان كبير وواضح مهرجان البشاعة وكتبت:حتى لكأنه لم يكن ينقص مدينة الدارالبيضاء إلا البشاعة الرسمية المرسمة ! إنه حقا حلم مرعب ذاك الذي عاشته مدينة الدارالبيضاء وأضافتهذه البشاعة هي وسلام على المرسلين لقراءة الفاتحة على الهوية الوطنية وهي الإعلان الرسمي عن قتل النفوس واجتثات الهوية وتسفيه الذوق المغربي والإصرار علىتغريب الناشئة وترسيخ ثقافة الآخر وتجنيد جيل بكامله للنفور والابتعاد عن وطنه وهويته ويتحفز بقوة للحريك وللارتماء في أحضان الآخر هناك ما وراء البحار. إنها ليلة مرعبة حقا . وفي كتبت الجريدة نفسها بعد اختتام المهرجان مقالا تحت عنوان الحاجة إلى مشروع ثقافي وفني لإشباع تطلعات الساكنة البيضاوية مما جاء فيه إن كل البلدان المشرقية والمغربية على السواء تقيم مهرجانات لإسعاد شعوبها، لكنها لا تبطل ذاتها ولا تلغيها أمام الإنزال الأجنبي، الذي له شروطه هو ولا يخضع لدفتر تحملات وطني صارم أي لا يلتزم بماهية ونوعية البضاعة المطلوبة والمواتية للمكان والزمان والحساسية الوطنية، منبها لفقر المغرب لاستراتيجية للتنشيط الثقافي الشعبي، وانعدام الهيكلة الفنية والقانونية والإدارية لذلك. جريدة العلم من جهتها تساءلت عما إذا استفادت مدينة الدارالبيضاء بعدما انتهى المهرجان الذي فرض بأغلبية جاهزة وصرفت أزيد من مليار و600مليون سنتيم، رغم رفض أحزاب مشكلة لمجلس المدينة المساهمة ماليا في التظاهرة بمبلغ 450 مليون، وتساءلت الجريدة ما الذي أضافه المهرجان للمدينة على المستوى المعرفي أو الاقتصادي أو السياحي؟ وقبل مهرجان البيضاء الذي أخذناه نموذجا فقط، كان موقع منارة على الشبكة العنكبوتية قد قام في شهر ماي المنصرم باستطلاع رأي بخصوص المهرجانات من خلال دعوته للزوار إلى التصويت قائلا: حسب رأيكم، هل هذه المهرجانات: تساهم في تنمية الجهات؟ أم هي لحظة للترفيه؟ أم إهدار للأموال العمومية؟ فأظهرت النتائج التي سجلت إلى حدود صباح يوم 17 ماي 2005 أن 71 % من المصوتين الذين بلغ عددهم 5538 مصوتا اعتبروها إهدارا للأموال العمومية، فيما اعتبرها 23 % في المئة تساهم في تنمية الجهات، أما 7 % فعدوها مجرد لحظة للترفيه، وهو استطلاع دال كان يستوجب من وزير الثقافة أن يخرج ببيان توضيح، وحوار صحفي يوضح لنا فيه السياسة التي تحكم تنظيم المهرجانات، والخلفيات الثاوية ورائها وتوضيح الجهات التي تسهر عليها، وأدوارها والمعايير التي تحكم تنظيمها من الناحية التدبيرية التقنية والمضامين، وآليات استثمارها اجتماعيا وثقافيا وتنمويا واقتصاديا؟ لكن للأسف لم نسمع لوزير الثقافة صوت في كل هذه المحطات والمناسبات، واختار فقط أن يطل علينا لما أصدرت حركة التوحيد والإصلاح بيانها، الذي بنته على المتداول في المجتمع ولم تختلقه، الأمر الذي فضح الخلفيات السياسوية لخرجة السيد الوزير في مخالفة تامة لكل شعاراته وخطاباته ومحاضراته حول حرية التعبير والنقد ، وتأييدا لمنطق إما أسود أو أبيض، معنا أو ضدنا. أخيرا لا يمكن لمغربي سوي أن يقف في وجه الفن والتعبيرات الثقافية والمهرجانات الفنية الحقيقية، ولذلك لم تذكر بعض المهرجانات بسوء لكونها كانت صورة عاكسة لتراث المغاربة وذواتهم بشكل من الأشكال ولأنها تشيع ذوقا موسيقيا سليما وحضاريا، من قبيلالمهرجان الوطني للفنون الشعبية بمراكش الذي استمر أكثر من أربعة عقود، ومهرجان الموسيقى الروحية بفاس. ولكن المغربي السوي سينتقد ويعارض بشكل حضاري وبكل تأكيد مهرجانات لا تحمل من الثقافة والفن والموسيقى إلا الاسم، وتشوب برامجها وتنظيمها وتدبيرها الشوائب.