لم يستطع محمد الأشعري وهو يدافع عن المنجزات الثقافية التي وقعتها وزارته أن يتمثل خطابا ثقافيا يليق بمسؤول حكومي في دولة ترفع شعارات الحرية والديمقراطية والمجتمع المندمج ... ففي الحوار الذي أجرته معه جريدة: اوجوردوي لوماروك يوم 4 /08/2005 والذي نشرت الاتحاد الاشتراكي ترجمته إلى العربية في يوم 5/8/2005 تميز خطابه بثلاثة صفات: التهافت والتناقض وميل استئصالي . ففيما يتعلق بالتهافت، نجده في المدخل الذي اختاره الأشعري لسلخ حركة التوحيد والإصلاح حيث أسس أطروحته كلها على فرض أن بيان الحركة لا يمثل إلا عنفا لفظيا منطلقا من الصورة التي شكلها في ذهنه عن الحركة والتي يريد تمريرها إلى الأذهان، وليس من البيان نفسه مع العلم أن المواطنين الذين وصفهم بالنضج السياسي والاجتماعي سوف يدركون بسهولة محاولة الوزير تسجيل هدف سياسي في مرمى الخصم، من خلال عملية تسلل مفضوحة، حيث إن البيان الذي استفزه، والذي لا يبدو أنه اطلع عليه، ينبه الى ما يصاحب الكثير من المهرجانات من مظاهر غير أخلاقية، لكن الوزير اعتبر البيان :وعيدا ودعوة لإيقاف هذه المهرجانات ، وهي محاولة لصرف النظر عن القضية المركزية التي يثيرها البيان، وأثارتها منابر إعلامية كثيرة، وبطرق مختلفة، ألا وهي قضية الأخلاق. والأخلاق مكون من مكونات الفعل الثقافي بل هي الإطار الذي تتم فيه. لكن الأشعري كبر عليه إثارة هذا الجانب بسبب قناعة اديولوجية وحساب سياسي حسب تعبير الوزير نفسه، وهو حر في مذهبه، كما أن من يختلفون معه أحرار في مذهبهم . أما التناقض والميل الاستئصالي الذي وقع فيه خطاب الأشعري فيتمثل في أمور أهمها أنه في الوقت الذي يعتبر فيه بيان الحركة عنفا لفظيا ولغويا لم يتردد في اعتماد قاموس العنف اللغوي والإرهاب السياسي بامتياز، حيث إنه بدل تسمية الجهة التي أصدرت البيان باسمها القانوني، وهو ما يليق بمسؤول حكومي، فضل الحديث باسم الغائب والحديث عن العقلية الرجعية لكاتبيه وعن الظلاميون . وهو أسلوب وإن كان عاديا في حلقات النقاش اليسارية في الجامعة غير أنه لا يليق بوزير الثقافة والذي يفترض فيه أن يمثل التنوع الثقافي المغربي في كل أبعاده كما يفترض في خطابه أن يؤطر بأدبيات الحوار والديمقراطية والانفتاح ... والذي يبدو أن حوار الأشعري مع الجريدة المذكورة هو مجرد رد فعل سياسوي غارق في الاديولوجية على بيان مسؤول، وله كل مواصفات رد الفعل !! قال الوزير في حواره : لا اعتقد أن لهم بديلا، ونحن نرى منذ الآن ما يقترحوه علينا مستقبلا ، ولو وصلوا الى تدبير الشأن العام فسيفرضون على البلاد أن تلوذ بالصمت وتكميم الأفواه ورغم أن هذا يندرج ضمن الدعاية الانتخابية المفضوحة والسابقة لأوانها، فإن الوزير في جوابه على ما إذا كان أصحاب البيان غير واعون بأهمية المهرجانات في التنمية؟ لم يتردد في القول : ليس غياب التمييز هو من يدفع هؤلاء الناس الى مهاجمة المهرجانات، فهم يدركون جيدا بأنها عامل في التنمية المحلية. ومنتخبوهم يحاولون خلق مهرجانات.... لكنهم يهاجمونها بسبب قناعة إيديولوجية وحساب سياسي، ولهذا أشعر بالفعل بالاشمئزاز !!! وهنا تكشف حقيقة خطاب الوزير، اذ الأمر ليس كما قال في السابق دعوة لإيقاف هذه المهرجانات، ولا يتعلق الأمر لو وصلوا إلى تدبير الشأن العام بفرض الصمت وتكميم الأفواه! بل يتعلق بشعار ما أكثر ما روج له الوزير نفسه منذ استوزاره لأول مرة في ما سمي بحكومة التناوب وهو شعار تخليق الحياة العامة الذي لم يتحقق منه الشيء المطلوب، وتصريحات وزير الثقافة المعتادة خير مفسر لسبب ذلك ! حيث يتضح منها استحالة تخليق الحياة الثقافية كجزء من الحياة العامة. بل إن الوزير يحذر من الوقوع فيما أسماه :الفخ وهو يقصد فخ إثارة الجانب الأخلاقي للأنشطة الثقافية، ويحاول من خلال قولة كبرها تصغار، تبرئة تلك الأنشطة إلى درجة يتخيل فيها لقارئ تصريحاته أن الأمر يتعلق بفعل الملائكة محاولا الاحتماء بدغدغة عواطف الشباب فهم عموما ، هكذا قال الوزير! ، شباب سليم ومتوازن ومستدلا على نجاحها بالجانب الكمي: إن الناس يحجون بأعداد غفيرة إلى المهرجانات مع العلم أن جريدته في محطات سابقة لا تتردد في اعتبار هذا الجانب من مميزات الشعباوية. فهلا شعر الوزير بالاستحياء بدل الاشمئزاز؟ شخصيا لم أكن انتظر تحقيق الشيء الكثير من شعار: تخليق الحياة العامة لأن تشكيلات وزرائنا ليست، في غالبيتهم، في مستواه ومنهم من لا يؤدي أجرة خياط بذلته وخياط قفاطن زوجته، ولا يستحي أن يظهر ببذلة لم يبرئ ذمته المالية فيها، ونريد منه أن يخلق الحياة العامة !!! لقد انطلق الأشعري من الصورة الذهنية التي كونها عن الحركة وليس من بيانها، ليقولها ما لم تقل حتى يجد المبرر النفسي في المقام الأول، والسياسي في المقام الثاني ليضمن حواره كثيرا من التهم . بل وذهب إلى حد الاتهام بالإرهاب بأسلوب ملتوي حين قال : وهو عنف لغوي من الخطورة بمكان ،الى درجة يمكن أن يصبح معها بكل بساطة نداءا الى تصفية تظاهرة ثقافية ولما لا الداعين إليها ومنظميها وهو خطاب خطير يطرح الوزير نفسه من خلاله ، كداع ومنظم لتلك المهرجانات ، ضمن المهددين بالتصفية ! و خطاب المظلومية هدا يمكن أن يلعب دورا مهما في الانتخابات المقبلة بحول الله ! لكنه الآن لا يمكن أن يندرج إلا في خانة الاستعداء الرخيص! وهو نفس الأسلوب الذي أطرت به حرب استاصالية غير مسبوقة في المغرب ، على اثر الأحداث الأليمة ل 16 ماي الإرهابية تحت شعار : المسؤولية المعنوية . إن خطاب التازيم الذي لجأ إليه الوزير ،والدي يتنافى وفلسفة الحكم في العهد الجديد ، يعكس ،كما قال ، الحالة الذهنية التي يوجد عليها . وهو لا ينتظر نقدا من خصم سياسي بقدر ما يبحث عن التصفيق والاصطفاف ! والأمر مفهوم اد باستثناء هده المهرجانات وبعض معارض الكتاب التي يمارس فيها الوزير التبوريدة السياسية والاديولوجية فليس هناك ما يستحق النقد تقريبا ! وكما هو معلوم في موروثنا الثقافي ،فالتبوريدة هي في المقام الأول محاكاة أجواء البطولية في غير مقامها حيث يخلق الفرسان لأنفسهم أجواء للتعويض عن النقص في ميادين البطولة الحقيقية من خلال كثرة الغبار المتطاير وصهيل الجياد وصوت البارود ورائحته ولما لا زغاريد النساء ! لكن حتى في هده الأجواء المصطنعة لا بد من حد أدنى من المصداقية لدلك قال القائل: سوف نرى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار ! إن الحركة ببيانها نبهت إلى جانب حيوي في المجال الثقافي ، والتعامل معه بطريقة النعامة لا يجدي . لقد كان هدا دأب المسؤولين في ملف السياحة الجنسية حتى تفجرت في صور فضيعة ومخجلة، وكانوا يعتبرون كل من يتحدث عن السياحة الجنسية عدو للسياحة كصناعة تنموية . ونفس الفخ يقع فيه وزير الثقافة فهو لا يعرف كيف يدافع عن الثقافة بصفتها فاعلا تنمويا حيويا من الاستلاب والابتزاز الذي تتعرض له هده الثقافة . وهدا كما قال الوزير في حواره : لعب خطير ولا مسؤول .