أجرت "التجديد"في عددها 1224 الصادر بتاريخ 24 غشت ,2005 حوارا مع نور الدين عيوش رئيس مجموعة الحداثة والديمقراطية وضع فيه رؤية منفتحة جدا تتمتع بكثير من الإنصاف، حيث طرح في الحوار مدخلا للتواصل، ودعا إلى عدم التخوف من الإسلاميين، ويعترف بقدراتهم في التسيير والتنظيم خصوصا حزب العدالة والتنمية، فضلا عن قوتهم الشعبية التي يمكن الرهان عليها للقضاء على اليأس وفقدان الثقة لدى جميع فئات الشعب خاصة منهم الشباب. وفي الحوار الذي أجرته جريدة أوجوردوي لوماروك مع نور الدين عيوش أكد هذا الأخير مواقفه الثابتة من الإسلاميين والعلمانية وعلاقته بالعمل السياسي كما عبر عنها في حواره مع >التجديد<. إلا أنه خلال جوابه عن سؤال حول مدى انسجام تصوره للعلمانية مع ما جاء في الاستجواب الذي خصصه ل >التجديد<؟ قال عيوش أنه لم يقل بأن العلمانية ترادف الإلحاد وأن الصحافي الذي أجرى معه الحوار لم يستوعب كلامه، والحقيقة أنه لم يرد في حوار التجديد قوله أن العلمانية ترادف الإلحاد، وإن ما قاله عيوش في معرض جوابه على سؤال حول المفهوم العلماني الذي يخاصم الدين، هو أنا أعتقد أن التوجه نحو اللادينية هو غباء كبير، وجهل بتاريخ المغرب ومقوماته الثقافية. ونظرا لأهمية الحوار الذي أجرته أوجوردوي لوماروك نعيد نشره مترجما. أوجوردوي لوماروك:نور الدين عيوش يعيد ضبط التسديدفي هذا الاستجواب الذي يبدو توضيحيا، يعيد نورالدين عيوش وضع الخطاب -الذي كان له تجاه حزب العدالة والتنمية- في إطاره. عمق الخطاب يبدو هو نفسه: حزب العدالة والتنمية حزب ذو مصداقية تجعله قابلا ليحكم، غير أن شكل الخطاب الجديد لعيوش يختلف بعض الشيء عن سابقه: فهناك مسافة ما مع القيم التي يدعوا لها الإسلاميون. وفي لعبة من الذي سيورط الآخر، ليس مؤكدا أن يخرج نور الدين عيوش رابحا. هذا الاستجواب أعاد قراءته نور الدين عيوش ووافق عليه. لقد أثرتم زوبعة بعد خرجتكم الأخيرة في يومية التجديد. ما هو سر التعاطف الذي يبدو أنكم أصبحتم تظهرونه تجاه حزب العدالة والتنمية؟ أولا وقبل كل شيء أحرص على التأكيد أنه ليس لي أي تعاطف خاص مع حزب العدالة والتنمية. وعندما استقبلناهم منذ أقل من سنة أنا وأصدقائي في منتدى ديموقراطية وحداثة، في إطار اللقاءات التي نظمناها مع مختلف الأحزاب السياسية المغربية؛ كنت قد أخذت الكلمة لأعبر لهم عن اختلافنا معهم؛ مع التأكيد مع ذلك على أهمية حوار بناء. ولكن هذا لا يمنعني من الاعتراف لحزب العدالة والتنمية بعدد من الخصال، سواء على مستوى تنظيمه وديمقراطيته الداخلية أو على مستوى إنجازاته المحققة على أرض الواقع. فالأعمال العديدة التي حققها، مثل الجامعة الصيفية للشباب في الأيام الأخيرة، و تلك الأعمال التي يقوم بها الآن من أجل الصحراء المغربية، وكذلك التعبئة الحقيقية لمنتخبيه الجماعيين، هي لعمري أمثلة ناصعة على الفعالية التي تميز هذا التنظيم. ومع ذلك فحزب العدالة والتنمية تخترقه تيارات متناقضة، مثل التيار المعتدل الذي يمثله أمينه العام سعد الدين العثماني والتيار المحافظ جدا؛ الذي يمثله مصطفى الرميد. إضافة إلى أن جمعيته المحتضنة التي تصدر يومية التجديد، تدعو إلى أفكار أصولية، وتنشر في بعض الأحيان مقالات وآراء أرفضها شخصيا. وأخص بالذكر رد فعلها الأخير، الذي اتسم بالحدة ضد المهرجانات. إن خطابا كهذا خطاب متجاوز تماما، ولم أتأخر أبدا في الوقوف ضد أصحابه. وفي إطار منتدانا، كنا قد أطلقنا عدة عرائض تندد بالعنصرية ضد اليهود المغاربة، وضد دعاوى القتل، والفتاوى الرجعية، وغيرها من الحماقات التي نشرت في هذه الجريدة، مثل المأساة الإنسانية تسونامي التي قدموا لها على أنها غضب من الله ضد الكفار(1). هل ستصوت لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 7002؟ إن صوتي أدلي به منذ عشرين سنة لحزب معين أفضل السكوت عن ذكر اسمه، نظرا لالتزاماتي في إطار مؤسسة زاكورة. فأنا أمتنع عن اسغلال العمل الاجتماعي الذي أقوم به في هذه المؤسسة لأغراض سياسية. في أي إطار يمكن أن نضع خرجتكم الإعلامية تلك؟ لقد استجبت بكل بساطة لطلب استجواب تلقيته من أحد زملائكم. وإذا كنت اليوم أتحدث في الموضوع من جديد على صفحات جريدتكم، فذلك لرفع كل لبس لدى الرأي العام، وليس للرد على بعض أصدقائي في المنتدى، الذين يفترض أنهم يعرفون جيدا أفكاري في هذا الموضوع.إن عملي يندرج بكل تواضع، ومنذ مدة طويلة، في إطار تجميع كل القوى السياسية وكل كفاءات المجتمع المدني حتى يتوخى لنا أن نبني مجتمعين بلدنا على أسس سليمة ومتينة. وهو موقف دافعت عنه منذ اليوم الموالي لاعتداءات الدارالبيضاء. ففي مداخلة لي في يوم رابع عشر يونيو 3002, كنت عبرت علانية، وأمام عدة مئات من الحاضرين، عن فكرة أننا لا نريد مغربا ممزقا يصطف فيه نصف المغاربة ضد النصف الآخر. ودعوت الجمعيات والأحزاب المسماة إسلامية إلى تبني موقف واضح ونهائي فيما يخص الديمقراطية، والتسامح، وعدم التدخل في القناعات الدينية للمواطنين، وإلى محاربة العنصرية ومعاداة السامية والفصل بين الديني والسياسي. وذلك بقدر ما كنت دائما أعارض أي تحريف للديمقراطية. سواء أكان حزب العدالة والتنمية مقترفا له أو ضحية له، مثل ما حدث عندما مورست ضغوط على حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات الأخيرة لسنة 2002, حتى لا يقدم مرشحيه في كل الدوائر. من الذي مارس تلك الضغوط؟ هذا ليس سرا بالنسة لأي أحد. إنها وزارة الداخلية التي طلبت من حزب العدالة والتنمية أن لا يغطي جميع الدوائر الانتخابية. إن الديموقراطية يجب أن تطبق على الجميع وبنفس الطريقة. بدون تمييز. وإذا وضعت نتائج صناديق الاقتراع حزب العدالة والتنمية على رأس القائمة؛ فلا أرى ما الذي يمنع أن يقود الحكومة. إن مشاركته سوف تكون خاضعة لشروط مسبقة؛ مثل احترام قواعد الديمقراطية، والتسامح وتطبيق مواثيق حقوق الإنسان الدولية التي وقع عليها المغرب، والاحترام التام لمدونة الأسرة الجديدة، وعدم التدخل في الاعتقادات الدينية للمواطنين. يبدو أن لكم في حزب العدالة والتنمية ثقة مبالغا فيها. مع أن البعض يرى أن هذا التنظيم من الرجعية بقدر لا يسمح بأن يسمح له بالحكم؟ هناك عدة قوانين وعدة ممارسات للدولة هي بنفس القدر من الرجعية. فعندما يتم احتجازك من طرف الشرطة لأنك كنت تتجول مع صديقتك بكل براءة، أو مع زوجتك دون أن تكون قد حملت معك عقد الزواج، أليس هذا رجعيا؟ وبعض الأحزاب السياسية التي تظاهرت إلى جانب حزب العدالة والتنمية بالدارالبيضاء ضد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، أليست أحزابا رجعية أيضا؟ إن التغيير الجذري الذي يجب أن يقوم به حزب العدالة والتنمية الآن هو التخلي نهائيا عن استعمال الدين كمظلة. إن استعمالا كهذا سوف يكون على كل حال ممنوعا في القانون الجديد للأحزاب. وأنا مقتنع أن حزب العدالة والتنمية سوف يتطور في هذا الاتجاه. بل وأكثر من ذلك يمكنه أن يستوحي التجربة التركية التي يشار إليها غالبا كنموذج. ولكن حزب العدالة والتنمية لا يملك أي تجربة في تسيير الشأن العام تسمح بالتقييم المسبق لكفاءاته؟ هذا ليس سببا لتركه على الهامش. فنحن في حاجة لكل القوى الحية للمشاركة في بناء البلد. فلماذا لا حزب العدالة والتنمية؟ فهذا الحزب لديه كفاءات يمكن أن يفيد بها وبرامج يمكن أن يطبقها. وعلى كل حال سوف يتم تقييم عمله بعد إنجازه، فلماذا اتهامه مسبقا؟ إن حزب سعد الدين العثماني يستمد أهميته من الفراغ الذي تتركه التنظيمات السياسية الأخرى. ما رأيكم؟ أحزاب قليلة جدا هي التي تعمل على الأرض بإطلاقها لأعمال تتسم بالقرب من المواطنين في صالح المعوزين، أو بإطلاقها لأفكار يلتف حولها الشباب. من هو الحزب الذي أطلق اليوم برنامجا سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وثقافيا؛ برؤية على المدى الطويل؟ صحيح أن لدينا اليوم خريطة سياسية مبلقنة ومتنافرة. فأنا أرى أنه ليس طبيعيا أن يكون اليسار وحده يضم أزيد من عشرة أحزاب. ونفس الشيء بالنسبة للمحافظين والليبراليين والوسط. وهو ما يشجع المزايدات والنزاعات العقيمة أكثر مما يشجع العمل في مصلحة المواطنين. إن المنطق يقتضي أن لا توجد إلا ثلاثة أقطاب:اليسار، الوسط، والمحافظون. هل في رأيكم يستطيع حزب العدالة والتنمية أن يخرج عن هذا الوضع؟ ليس فقط أن حزب العدالة والتنمية يعمل بفعالية على أرض الواقع، ولكنه يعرف كيف يستفيد من عمله وذلك بتنظيمه حملات تواصلية مهيكلة جيدا. مع أن هناك في المغرب أحزابا سياسية تاريخية، لها قاعدة شعبية قوية. مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب الاستقلال، والحركات الشعبية، وهي أحزاب كان يمكن أن تستفيد أكثر لو كانت أكثر إقداما وأكثر تواجدا على الأرض وأكثر قربا من مشاكل المواطنين. إن المشهد السياسي المغربي في حاجة إلى ثلاثة أو أربع أحزاب قوية حتى يحافظ على تعدديته ويكون أكثر فاعلية. وعلى كل ديمقراطي أن يساهم في إعادة تشكيل الحقل السياسي حتى تتضح إيديولوجية كل حزب ورؤيته السياسية والاجتماعية. ولكن في انتظار ذلك، فإننا لا نرى إلا حزب العدالة والتنمية؟ إنه على الأحزاب الأخرى أن تقف أمام صعود حزب العدالة والتنمية. وأبدا لن أقبل بالالتفاف على الديمقراطية. فما الذي كان وراء اثني عشر سنة من حرب أهلية دموية في الجزائر؟ أليس الإيقاف الذي فرض على المسلسل الديمقراطي الذي جاءت نتائجه في مصلحة الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟ إن عدم احترام قواعد اللعبة الديمقراطية معناه إعادة نفس السيناريو. علينا أن لا نخاف فبلدنا له ثقافة سياسية وملكية متجذرة جدا. ثم هناك حواجز. فلا يمكن لحزب ما أن يفرض قوانينه، ولا أن يُحَكِّم إيديلوجيته، إذا كانت تسير ضد رغبة المغاربة. وإذا كان حزب العدالة والتنمية في الحكومة فسوف يكون مضطرا للتأقلم. فهامش المناورة لديه سوف يكون محدودا بالقوانين والمؤسسات التي تحكم بلدنا. وحتى إذا ما تم تسجيل تجاوزات فإن السلطات التي يملكها الملك يمكن أن تغير المعطيات. هذا دون أن ننسى جميع القوى الحية في البلد التي سوف تتعبأ كلها عند الاقتضاء للتصدي لكل مس بالحريات العامة والمكتسبات الديمقراطية، وسأكون في هذه الحالة أول هؤلاء. بعض أعضاء منتداكم ديمقراطية وحداثة يرون في خرجتكم في التجديد طريقة منكم للتموضع في أفق 7002. ما هو ردكم على هذا؟ إنني لست منشغلا على الإطلاق بالسياسة بمعناها الذي يعطيه لها البعض، ولا تقودني المصالح المالية. هذا يضحكني. كونوا على يقين أنني لا أتموضع ضدا على مصلحة بلدي. ولن أقوم بأي شيء يسير على عكس مبادئي التي لم أتوقف عن الدفاع عنها منذ ماي 8691, ثم في مجلة كلمة، واليوم داخل مؤسسة زاكورة ومنتدى ديمقراطية وحداثة. هل ستقبل إذا عرض عليك حزب العدالة والتنمية الانضمام إليه؟ غير وارد إطلاقا! فاستقلاليتي هي الشيء الوحيد الذي أتشبث به ولست مستعدا للمساومة عليها. مهما كان الثمن. إنني جد سعيد كفاعل في المجتمع المدني بأن أساهم بجهدي في تنمية بلدي، وذلك على الرغم من أنني سبق أن تلقيت رغبات بعض الأحزاب ، وكذلك الحكومة، في عدة مناسبات. إنني أجد متعة أكبر في العمل في إطار مؤسسة زاكورة. التي لديها في سجلها أزيد من ثمانين ألف شخصا تمكنوا من محو الأمية، وآلاف الأطفال استفادوا من التمدرس، ومشاريع القروض الصغرى التي يستفيد منها عدة مئات من الأشخاص عبر كل ربوع المغرب. ولن أغازل أبدا حزب العدالة والتنمية، ولا غيره من التنظيمات السياسية. أنا لا أغازل إلا بلدي. إن المجتمع المدني أخذ يحتل الساحة أكثر فأكثر على حساب العمل السياسي، هل ترون هذا الوضع طبيعيا؟ المجتمع المدني لن يعوض أبدا الأحزاب السياسية ولا الحكومة. فكل في مجاله عليه أن يساهم في تحسين حياة المغاربة. المجتمع المدني مكوِّن يعج بالأفكار وبالمشاريع. وهذا من حظ المغرب. ولكنه لا يستطيع إطلاقا أن يقوم بعمل الآخرين. إن عمله لا يهم في مجمله وبكل أطيافه إلا عشرة في المائة من المعوزين والأميين. والتسعون في المائة الآخرون؟ هل لنا الحق في أن نتركهم للإهمال؟ إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فرصة سانحة اليوم يجب اغتنامها من طرف الحكومة والأحزاب السياسية، والنقابات والمجتمع المدني. فجميعا علينا أن نوجه جهودنا لنهيء لها كامل النجاح. هل تصوركم للعلمانية ينسجم مع ما جاء في الاستجواب الذي خصصتم به التجديد؟ لم يسبق لي أبدا أن قلت بأن العلمانية مرادف للإلحاد. وآسف لكون صحفي التجديد قد ترجم فكرتي بشكل سيء. لم أقرأ الاستجواب قبل النشر. وأتحمل في هذا كامل المسؤولية. وبالنسبة لي فإن العلمانية هي الحرية في الاعتقاد، وفي التفكير، وفي العمل. العلمانية بالنسبة لي هي احترام الآخر، وحرية التعبير للجميع، وحرية اختيار الدين. ليس هناك علمانية بدون حرية: حرية الاعتقاد، حريةالتفكير، وكذلك حرية التعبير. إن المشاكل الاجتماعية يجب أن تعالج بإجراءات اجتماعية، وليس لأن شخصا ما يعاني من ظلم اجتماعي يمكننا استغلاله وتوظيفه عن طريق الدين و تركه عرضة للتعويض الوهمي الذي يقترحه التطرف. إن العلمانية قيمة أساسية، مع حرية الاعتقاد والمساواة بين جميع البشر سواء كانوا مؤمنين أو ملحدين أو منكرين. إن العلمانية ليست ضد الدين. إن أكبر تفسير خاطيء يمكننا أن نفسر به العلمانية هو أن نرى فيها معاداة للدين. إنها مثال لتأكيد حرية الرأي والمعتقد، والمساواة بين المؤمنين والملحدين على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وأختم بقولة لعيسى ابن مريم وهو يرد على الفرسيين الذين كانوا يسعون إلى وضعه في موضع حرج فيما يخص سلطات القيصر: دعوا ما لقيصر لقيصر، ما لله لله. فهل كان المسيح علمانيا؟ أوجوردوي لوماروك عدد يوم 61 شتنبر5002 أجرى الاستجواب: طارق قطاب ترجمة: إبراهيم الخشباني