أكد الدكتور سعد الدين العثماني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن هذا الأخير حرص في ترشيحاته للانتخابات الجماعية المقبلة على إفساح المجال لطاقات جديدة، وأنه لم تكن له أية غضاضة في أن لا يكون مسؤولو الحزب، وعدد من القيادات والبرلمانيين حاضرين ضمن المرشحين أصلا، حتى يتيح فرصة أخرى لتأهيل أكبر عدد ممكن من المناضلين في مجال تدبير الشأن العام، وأوضح في حواره مع «التجديد» أن حزب العدالة والتنمية لا تهمه في الحياة السياسية أن تكون مشاركته شاملة، بقدر ما تهمه أن تكون مشاركته نوعية ومؤثرة بشكل فاعل وإيجابي في تسيير الشأن العام المحلي. وقال إن حملة الإفزاع والتخويف من الحزب نابعة من تخوفات انتخابية وسياسوية، ومن أطراف تعاني من ضعف ذاتي تتحاشى مواجهته. وأشار نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية إلى أن التوجيهات الملكية القاضية بتحصين الاختيار الديمقراطي في ما يتعلق بنزاهة الانتخابات وتخليق الحياة التمثيلية لبلادنا، صارمة وقوية على مستوى الإرادة السياسية العام، وفيها ما يكفي ويشفي، ويبقى على المسؤولين تطبيقها والعمل على تنزيلها على أرض الواقع لحماية صوت الناخب، وشدد العثماني على مسؤولية الأحزاب في ترشيح الأقوياء الأمناء، ومسؤولية الناخبين في التصويت على الأصلح من المرشحين. وفي ما يلي نص الحوار: تجري الانتخابات الجماعية في ظل أجواء استثنائية، تتميز بمعطيين أساسيين: الأول: تحقيق الحزب لتقدم متميز في الانتخابات التشريعية، والثاني: أحداث 16 ماي الإرهابية وتداعياتها على مجمل أوضاع المغرب، كيف تقرؤون مشاركتكم في الانتخابات الجماعية المقبلة على ضوء هذين المعطيين؟ لا شك أن الانتخابات التشريعية الأخيرة بوأت الحزب مكانة متميزة في المشهد السياسي المغربي، وجعلته يشارك أحزابا أخرى في الوزن والترتيب السياسي، وهذا حسب ما نرى سيساعد الحزب على الإسهام في تطوير الحياة السياسية، وضخ شحنات من الجدية والنزاهة والاستقامة فيها. ولا شك أن إقبال جزء معتبر من الشعب المغربي على التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية كان نتيجة لما لمسه منه ومن مناضليه من صفات إيجابية ضرورية للعمل السياسي، ولما لمسه من صواب اختياراته وبرنامجه في تفعيل مطلبي العدالة والتنمية، لذلك فنتائج الانتخابات التشريعية تظهر تأثيراتها في الاستعداد للانتخابات الجماعية بقوة، خصوصا إذا استعرضنا الاهتمام الكبير بحزب العدالة والتنمية ومشاركته أو عدم مشاركته، وحجم هذه المشاركة ونوعيتها، التي كثر التساؤل حولها في الصحافة الوطنية والدولية. ونحن قد أخذنا هذا المعطى بعين الاعتبار، وحللناه ودرسنا أبعاده والخريطة السياسية المقبلة، وسيظهر هذا في حجم مشاركة الحزب ونوعية هذه المشاركة. ثم أخذنا أيضا بعين الاعتبار أحداث 16 ماي الأليمة التي عاشتها بلادنا، والتي تقتضي تعبئة شاملة وإجماعا وطنيا لمقاومة ومحاربة كل ما يهدد أمن واستقرار البلاد، وقد أعلن الحزب منذ الخطاب الملكي ل 29 ماي انخراطه القوي في المقاربة الشمولية التي دعا إليها جلالة الملك. وعلى الرغم من محاولة أطراف متعددة سياسية وإعلامية وغيرها استغلال الحدث بطريقة لا أخلاقية، واتهام الحزب مجانا وشن حملات ضده، إلا أننا نقدر أن هذه الحملة لم تؤثر، ولن تؤثر على مكانة الحزب وسمعته لدى الطبقة السياسية الواعية والناضجة في بلادنا، ولدى الشعب المغربي أيضا، وبالتالي فإن الحدثين 27 شنتبر و 16ماي مهمان ولا شك أنهما يؤثران في حاضر المغرب ومستقبله، وفي التفاعل السياسي داخل مؤسساته حاليا، ونحن سنأخذهما بعين الاعتبار بالشكل الكافي والضروري في تقدير جميع خطواتنا واجتهاداتنا. ألا تعتقدون أن تسخير بعض التوجهات اليسارية والعلمانية المتطرفة والمعروفة بمعاداتها للحركة الإسلامية المشاركة والمعتدلة لإعلام الدولة مؤشر سلبي في اتجاه تسميم المشهد السياسي عامة، والعلاقة بين الحزب والدولة خاصة؟ هذه المحاولات التي تمت كان مصيرها الفشل، كما تؤكد على ذلك عدة مؤشرات انتخابية سابقة واجتماعية ذات صلة بوعي الرأي العام المغربي، وهذا راجع إلى أن دولتنا واعية ومتزنة، مما ضمن بعون الله تجاوز أزمة ما بعد الأحداث الأليمة ل 16 ماي بنجاح والحمد لله،فخرجت بلادنا أقوى وأكثر تماسكا مما كانت، وخرج حزب العدالة والتنمية معززا مكرما أكثر مما كان قبل أحداث 16 ماي. وثانيا لأن تدبير الحزب لحملة التشهير به تم بروح وطنية، بعيدا عن الحسابات الانتخابوية التي حكمت كثيرا من منطلقات الخصوم. وفي ما يخص الشعب المغربي، فإن الله حباه بذكاء ووعي، سيظهر أثرهما قريبا في نتائج الانتخابات الجماعية المقبلة. فنحن في اتصال بالمواطنين من خلال الأنشطة المتتالية التي قام بها الحزب منذ ذلك الحين إلى الآن للتعريف بمواقفه وللتعبئة ضد الإرهاب وضد كل ما يخل بأمن المواطنين، وقد عبر الشعب المغربي عن تفاعل جيد مع الحزب ومواقفه ومناضليه، وهكذا فأيا كانت المحاولات التي تمت، فقد تم رفضها من طرف الدولة والطبقة السياسية الواعية في عمومها، والتي تهمها مصالح الوطن الكبرى ويهمها استقراره وتقدمه. ولكن ألا تعتقدون أن ما جاء في خطاب العرش من أنه لا مجال لتأسيس أحزاب على أساس ديني وتأويل بعض الأقلام الاستئصالية بكون المقصود به هو حزب العدالة والتنمية يدخل دائما في نفس المنهج (التسميم)؟ أولا: يجب أن نفرق جيدا بين الكلام الواضح والمسؤول لجلالة الملك، وتأويلات بعض الجهات من ذوي الأغراض المشبوهة. ثانيا: لقد أكد جلالة الملك على الترابط المتين بين الدين والسياسة، واعتبر في خطاب العرش الأخير أن هذا الأمر خاصية من خاصيات الدولة المغربية، وأساس من أسس تماسكها واستقرارها وشرعيتها،بالإضافة إلى عنصر الوحدة المذهبية القائمة على المذهب المالكي. وهو ما ينبني عليه أن اعتماد المرجعية الإسلامية في غير تنازع من طرف التنظيمات والأحزاب وكافة هيآت المجتمع هوالأصل الذي يجب اعتماده وإعلاؤه،وها هنا فرق كبير مع قيام الأحزاب على أساس ديني بما يعنيه ذلك على الأقل في الظاهر من سلوكات عملية وإجراءات تنظيمية تشجع على التمييز بين المواطنين وتقبل بذلك. والذين يعرفون وثائق الحزب وسلوك مناضليه ومواقفه يعلمون جيدا أنه منخرط في إطار الرؤية الأولى التي أكد عليها جلالة الملك وليس ما يروج له دعاة فصل الدين عن الدولة، والذين يمثلون توجهات معزولة وهامشية، بحيث أن مجرد الحديث عنها تضخيم لها. إن حزب العدالة والتنمية ليس حزبا دينيا ولا يقوم على أساس ديني، ولم يقل أحد من أعضائه ذلك قط. ولكنه يعتز بكونه ينطلق من المرجعية الإسلامية للدولة المغربية في ظل أمير المؤمنين ورعايته للدين وشؤونه، وبعبارة أخرى، إذا كان هناك من يجب أن يشعر بالحرج ويعيد قراءة موقعه ضمن ثوابت الدولة ورؤيتها السياسية، فهم بدون شك أصحاب التوجهات التي لا تخفي موقفها الرافض للمرجعية الإسلامية. لقد قاطعتكم وتجاهلتكم القناتان الأولى والثانية بعد أحداث 16 ماي، بل ذهبت القناة الثانية إلى مستوى التشهير بكم والهجوم المباشر عليكم. ما هي المعطيات المستجدة في هذا الموضوع خصوصا ونحن على أبواب الحملة الانتخابية؟ لابد من التأكيد أولا على أن الإساءة لم تلحق بحزب العدالة والتنمية من جراء الإقصاء غير المسؤول الذي تعرض له كحزب سياسي وطني من طرف إعلام حكومي، قبل 16 ماي، ثم في لحظة صعبة كنا أول من دعا فيها إلى توحيد الصف والكلمة ضد كل الممارسات الإرهابية، بل إن الإساءة لحقت بالتأكيد بصورة هذا الإعلام ومستوى أدائه لمهمته الإعلامية لدى الرأي العام الوطني والدولي، وتبين أنه إعلام يخضع لمحاولات حثيثة لقرصنته، ضدا على إرادة الشعب، من طرف مجموعات استئصالية، لتنفي عنه معنى الخدمة العمومية للمجتمع وتعكس الغنى والتعدد الذي يزخر به. لقد أتيحت للنواب البرلمانيين فرصة مثول وزير الاتصال بين أيديهم في آخر أسبوع من الدورة الثانية لهذه السنة التشريعية، وتحولت هذه الجلسة إلى محاكمة لأداء الحكومة الذي اتسم بالرداءة والانحياز، وهو ما ذكرنا للأسف الشديد بسنوات خلت ساد فيها الإقصاء والإلغاء ضد من يحاولون اليوم إعادة نفس السيناريو. إن الديمقراطية والحداثة ليستا مفردتين يمكن حشوهما بما اتفق من المضامين والممارسات، ثم التسويق لهما بدون خجل. نحن نأمل أن تكون الحملة الانتخابية المقبلة، والتي سيأخذ فيها حزب العدالة والتنمية حصته في الإعلام كاملة إلى جانب باقي الأحزاب، وفق ما تم الاتفاق عليه في اللجنة المشتركة المكلفة بالموضوع، فرصة لطي هذه الصفحة غير المشرفة لتعامل الإعلام الرسمي مع الحزب واعتماد مقاربة جديدة قائمة على الإيمان بالحوار والنقاش ونبذ الإقصاء السياسي كما أكد على ذلك جلالة الملك في خطاب 20 غشت الأخير ونبذ الإضرار بحقوق المواطنة لأي فرد أو جماعة تريد التعبير عن رأيها بأسلوب سلمي مدني ومتحضر، ونحن في حزب العدالة والتنمية لدينا كامل الاستعداد في إغناء هذه المقاربة وإسنادها بسلوكنا وأدائنا المبدئي المسؤول والمتزن. كيف استعد حزب العدالة والتنمية للانتخابات الجماعية المقبلة؟ وماذا أعد لانتظارات المواطنين؟ إن الحزب حرص على أن يقترح على الشعب المغربي مرشحين يتسمون بصفات الكفاءة والأمانة والتجربة، فقد وضعنا في سبيل تحقيق ذلك أمرين: الأول: يتعلق بمواصفات المرشح، التي صادق عليها المجلس الوطني في دورته العادية المنعقدة بالرباط في مارس .2003 الثاني: مسطرة اختيار المرشحين بطريقة تعزز الديمقراطية الداخلية. وهكذا ثم وضع مجموعة من المعايير يجب توفرها لاختيار المرشحين ولوائح الحزب في مختلف أنحاء المملكة، وقد تمت هذه المرحلة بنجاح مقدر، ونحن نحرص دائما على أن تكون هذه المعايير هي الحاضرة كما حرصنا على إفساح المجال لطاقات جديدة،ولذلك لم تكن لنا أي غضاضة في أن لا يكون مسؤولو الحزب وعدد من القيادات والبرلمانيين حاضرين ضمن المرشحين أصلا ، فضلا عن عدم ترشح الكثيرين منهم على رؤوس اللوائح، حتى نتيح فرصة أخرى لتأهيل أكبر عدد ممكن من المناضلين في مجال تدبير الشأن العام، إلا حيث تكون حاجة الحزب إليهم قوية، وطلبات مناضلي الحزب ملحة، ولم تكن لنا غضاضة أيضا في أن نستقبل ضمن لوائحنا مرشحين من المتعاطفين مع الحزب، إن كانت تتوفر فيهم معايير الكفاءة والأمانة والتجربة، وهذه كلها ستفرز إن شاء الله لوائح ومرشحين من ذوي القدرة على المشاركة مع الجهات السياسية والأطراف الموجودة في الرقي بتدبير الشأن العام المحلي للخروج من الأزمات التي تعانيها الكثير من الجماعات المحلية والمقاطعات، ولترشيد هذا التدبير وإقرار التنمية المحلية، في جو ديمقراطي سليم. أما عن انتظارات المواطنين، فقد اجتهدنا في صياغة برامج جادة وطموحة وواقعية في نفس الآن للإجابة عن المشاكل التي يطرحها تدبير الجماعات التي سنترشح بها. وماذا عن موقع المرأة داخل هذه الترشيحات، وعن نسبة حضورها؟ يصعب الآن تحديد نسبة حضور المرأة، لكن نحن من خلال المساطر التي وضعت، كان هناك شرط عدم النزول عن نسبة 10% من النساء في اللوائح. وقد التزمت أغلب اللوائح بهذا الشرط. ولا يتساهل في عدم الالتزام به إلا عندما يتعذر تماما الوفاء به، وقد حرصنا على أن تكون المرأة في مواقع متقدمة إلى حد ما. وهناك امرأة واحدة إلى حد الساعة وكيلة لائحة بالدار البيضاء. وهناك عدة نساء في المراتب الأولى في لوائح متعددة، مما يعني أن الحزب سوف يقدم إنشاء الله عددا محترما من النساء للإسهام في تدبير الشأن المحلي وتعزيز دور المرأة في الحياة السياسية. دكتور العثماني، معلوم أن الحزب لم يتقدم في كل الدوائر الانتخابية، فما هي الاعتبارات التي حكمت هذا الاختيار؟ أولا: اختيار الحزب في تقدير حجم ونوع مشاركته هو اختيار سياسي حكم عمله منذ انطلاقته الجديدة سنة ،1996 حيث لم يشارك سنة 1997 في الانتخابات الجماعية لخلاف حول حجم التغطية، ولم يشارك في الانتخابات التشريعية إلا في حوالي 46% من الدوائر، ثم شارك في انتخابات 2002 في 60% من الدوائر. وهذا المنهج نابع من تقديرنا أن مشاركة الحزب يجب أن تكون مشاركة متدرجة، في ظل ظروف دولية صعبة وإكراهات واقعية يمكن أن تؤثر على المسلسل الانتخابي نفسه، لأن الهدف عندنا ليس أن يفوز حزب العدالة والتنمية، إنما أن تفوز الديمقراطية المغربية الوليدة والمتطورة تدريجيا. والحزب مكانته مقدرة بفضل الله سياسيا وشعبيا، وهو حريص على أن يشارك مع مختلف الأطراف السياسية لدعم هذه الديمقراطية الوليدة، وينجح في تعزيز مبدأ التعاون مع كل الشرفاء والنزهاء في هذا الوطن على توفير مناخ سليم وإيجابي للحريات والحقوق باعتبار ذلك شرطا لازما لتحقيق الإقلاع التنموي وإرساء السلم الاجتماعي المنشودين. كيف تنظرون إلى فكرة الاكتساح التي يروج لها بعض خصومكم؟ كنت دائما أقول إن فكرة الاكتساح هذه أسطورة وجدت نتيجة التخويف من الحزب. وهذه الحملة انطلقت قبل الانتخابات التشريعية وقادتها بعض الصحف الأجنبية، فضخمتها بالتبعية بعض الصحف المغربية التي كانت تفزع من الحزب باعتماد استراتيجية التخويف من الاكتساح. وبعد أحداث 16 ماي تجددت هذه الحملة بوسائل متعددة جوهرها الإفزاع والتخويف من حزب العدالة والتنمية. ونحن أخذنا بعين الاعتبار أن هذا الإفزاع نابع من تخوفات انتخابية وسياسوية، وأن هذه الأطراف فعلا تتخوف من الحزب، لأنها تعاني من ضعف ذاتي تتحاشى مواجهته. وهكذا أخذنا ضمن استراتيجيتنا مقدار الرعب والخوف الذي تشعر به هاته الأطراف من الحزب، وحتى تمر الانتخابات المقبلة في جو سليم ولا نكون شماعة تعلق عليها ردود فعل هذه الهيئات السياسية وغيرها، والتي ربما ستلجأ بجميع الوسائل إلى إفساد العملية الانتخابية وتقلل من مصداقيتها. كما أن حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية 2002 والانتخابات الجماعية المقبلة، اختار التركيز على النوع بدل الكم فقط، حيث لا يهمه في الحياة السياسية أن تكون مشاركته شاملة، بل ركز اهتمامه على أن تكون تلك المشاركة نوعية ومؤثرة بشكل فاعل وإيجابي في تسيير الشأن العام المحلي. وفيما يخص التغطية فنحن سنكون حاضرين في أغلب الدوائر الحضرية. أما المدن الكبرى فإن حزب العدالة والتنمية اختار المشاركة فيها بنسبة تتراوح ما بين 50% و60% في إطار نفس التصور الذي شرحته آنفا. لكن خصومكم السياسيين والمتابعين المحليين يعتبرون أن هذه المشاركة المحدودة، وإن كانت تندرج ضمن المعطيات التي بسطتموها، إلا أنهم يرجعونها إلى ضغوطات مارستها الدولة على الحزب، والبعض الآخر يقول إن ثمة مفاوضات جرت مع الدولة تم بمقتضاها تحديد نسبة هذه المشاركة ؟ لا! فقرار الحزب في هذا المجال قديم،وقد صرحت به شخصيا في حوارات سابقة على مدى الشهور الماضية، وهو نابع من توجه أكدت عليه وثائق الحزب منذ سنوات. كما أن المجلس الوطني في دورته الاستثنائية التي انعقدت يوم 05 يوليوز 2003 ناقش الموضوع باستفاضة ومسؤولية، وضمن بيانه الختامي فقرة خاصة هي: يؤكد المجلس الوطني عزم حزبنا على ترشيد مشاركته في الانتخابات المقبلة حسب ما تقتضيه المرحلة في أفق مشاركة ترتكز على الجانب النوعي أكثر من الجانب الكمي، وبما يحقق إسهاما نوعيا إلى جانب الفرقاء السياسيين في تخليق الحياة السياسية والعامة وتحسين تدبير الشأن العام الوطني والمحلي. بمعنى أن حزب العدالة والتنمية اتخذ قراراته بكل مسؤولية، وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك حوارات ونقاشات مع أطراف متعددة، سواء كانت أطرافا سياسية أو أطرافا في الدولة حول مشاركة الحزب بين الكم والنوع، عبرنا فيها عن آرائنا وعبرت فيها أطراف أخرى متعددة عن نظرتها إلى الأمور، لكن الحزب هو الذي اتخذ قراره في إطار المسلسل الذي عاشه منذ انتخابات 97 إلى الآن،لذا فإنه قرار يندرج ضمن استراتيجية واضحة عبرنا عنها واعتمدناها من قبل،لا علاقة لها بضغوط ولا بأماني طرف معين، لكننا نأخذ مصلحة البلاد ومستقبلها ومسلسلها الديمقراطي بعين الاعتبار، ونجعلها هي الأولوية الأولى للحفاظ على تطورها الإيجابي على الرغم مما يمكن أن ينتج عن ذلك من تأثير على نسبة النتائج التي سيحصل عليها الحزب. هل اختار الحزب مناطق أو دوائر معينة سيركز فيها جهوده، إذا استثنينا المدن الكبرى؟ بطبيعة الحال، وهي اختيارات سيعلنها في الوقت المناسب، مع ضرورة توضيح أن مشاركتنا في المدن الكبرى ستكون مشاركة معتبرة، ونحن نطمح أن نسهم في تسيير الشأن المحلي ببعضها على الأقل إلى جانب الأطراف التي سنتحالف معها. الاستثناء الوحيد يتعلق بمدينتي أكادير وطنجة، حيث سيكون الحزب غائبا عن المشاركة لاعتبارات تنظيمية داخلية خاصة بالحزب. وماذا عن البرنامج الانتخابي الذي سيتقدم به الحزب في الانتخابات الجماعية المقبلة؟ سيوضع بين أيدي المواطنين قريبا، وهو برنامج وضع نصب عينيه أمرين أساسيين: الأمر الأول هو الخروج بالجماعات المحلية من حالات التسيب وسوء التدبير التي تعيشها في كثير من الأحيان، حيث نرى أنه لا بد من تفعيل الديمقراطية المحلية، وضخ ديناميكية جماعية جديدة تتلخص صورتها الداخلية في طريقة تعاملها مع المواطنين. وتفاعلها مع همومهم، في حين تتجلى صورتها الخارجية في طريقة تعاملها وتشاركها مع مختلف الفرقاء والمتدخلين في الشؤون الجماعية، سواء كانت أحزابا سياسية أو كانت سلطات محلية أو كانت الإدارة أو كانوا شركاء آخرين. هذا هو الجزء الأول والمهم، ونعتبر أنه إذا تم النجاح والتقدم فيه بخطوات جيدة،ستكتسب الجماعات مصداقية بين المواطنين وفي محيطها، وسيتم التفاعل بين المجالس الجماعية وبين هذه الأطراف، مما سينهي نوعا من حالة التوجس وحالة عدم الثقة وحالة النفور، وهذه كلها حالات تضر بالمصالح الحيوية للجماعات وتعيق التعبئة الحقيقية للموارد البشرية الموجودة في تراب الجماعة. هذا الجزء الأول، أما الجزء الثاني فلا بد من تفعيل الدور التنموي للجماعات. ومن ثم ركز البرنامج في شقه الثاني على التنمية الشاملة والناجعة في الجماعات، فحدد مجموعة من الإجراءات والتدابير التي ستمكن من وضع الجماعات على سكة التنمية الحقيقية في كثير من المناطق. هذا في ما يتعلق باستعدادات حزب العدالة والتنمية، ماذا عن استعدادات الدولة، هل ترون أنها كانت في مستوى الرهان والتحديات المطروحة في هذه اللحظة التاريخية؟ لحد الآن على مستوى الاستعداد للانتخابات كان هناك شيئان. أولا: كانت التوجيهات الملكية القاضية بتحصين الاختيار الديمقراطي في ما يتعلق بنزاهة الانتخابات وتخليق الحياة التمثيلية لبلادنا،وهذه التوجيهات كانت صارمة وقوية على مستوى الإرادة السياسية العامة،إذن على مستوى التوجيهات هناك ما يكفي ويشفي. على المستوى الثاني المرتبط باستعداد الحكومة: لقد تمت فيه بعض الإجراءات، وكان آخرها منشور مشترك بين وزارة الداخلية والعدل، والمسؤولون عبروا لنا باستمرار ومباشرة عن حرصهم على تطبيق التوجيهات الملكية، وعلى العمل على تنزيلها على أرض الواقع لحماية صوت الناخب، وبالتالي أن تكون انتخاباتنا المقبلة في مستوى من النزاهة والشفافية مقبولة ومعقولة تشرف بلادنا في الداخل والخارج. وتبقى هناك مسؤولية الأحزاب في ترشيح الأقوياء الأمناء ومسؤولية الناخبين في التصويت على الأصلح من المرشحين. نحن الآن ننتظر التطبيق على أرض الواقع، وهذا يحتاج أن تكون الإدارة من جهة والأحزاب السياسية من جهة ثانية والمرشحون من جهة ثالثة والناخبون كطرف رئيسي، ملتزمين بالمقتضيات القانونية والتنظيمية والمقتضيات الأخلاقية والسياسية التي تتمتع بها الديمقراطية الرشيدة. وبالتالي لا شك أن هناك أعوان سلطة قاموا في الماضي بما يخالف القانون وسكتوا على الكثير من الخروقات لمرشحين أرادوا تدعيمهم. حاليا نحن نرجو كما قلنا في الحوار مع بعض الأحزاب السياسية، وفي حوار مع بعض المسؤولين في الحكومة، أن يتم مواجهة هذا النوع من التجاوزات وتفاديها في المستقبل، وإذا وقعت هذه التجاوزات، فيجب أن تتدخل الجهات المعنية لتوقيفها ومعاقبة مرتكبيها، لأن الديمقراطية سيرورة ونضال وحوار مستمر، ولا يمكن أن تكون عملية وحيدة أو قرارا منفردا. كيف تتوقعون الخريطة السياسية بعد الانتخابات الجماعية المقبلة؟ الآن يصعب تصور أي خريطة سياسية، لكننا سننتظر ما ستسفر عنه صناديق الاقتراع. وحزب العدالة والتنمية مستعد للتعاون مع مختلف الشركاء السياسيين والأطراف السياسية لتطوير تدبير الشأن المحلي في مختلف الجماعات، التي سيكون له وجود فيها، إما من موقع التسيير أو من موقع المعارضة. بما أن حزب العدالة والتنمية لم يترشح في كل الدوائر أو مقاطعات المدن الكبرى الست، وبالتالي المراهنة على منصب العمادة أو الحكامة، فهل سيلجأ إلى مناصرة أو التحالف مع بعض الأحزاب في هذه المدن؟ نهج سياسة التحالف لا بديل عنها، لكن خطوطها العامة ستكون أوضح بكثير بعد الانتخابات، أما الآن فهذا مجال الحملة الانتخابية، وبعد النتائج، فالحزب عنده توجهات عامة سيدققها على ضوء النتائج التي سيحصل عليها، وسيختار بطبيعة الحال اختيارا معينا في دعم أو التعاون مع الأطراف السياسية الأخرى على ضوء مبادئه العامة ومصلحة المواطنين. كلمة أخيرة أرجو أن تقوم الصحافة بدور فاعل في دعم تطور المسلسل الديمقراطي الإيجابي، وفي كشف وفضح الممارسات المنافية للديموقراطية، وتعلن عن الخروقات والتجاوزات ومقاومتها بقوة، وتتحرى الدقة والموضوعية، لأن للإعلام في هذا المجال دورا كبير،ا وخصوصا الإعلام الذي يتسم بالمصداقية والجدية . حاوره محمد عيادي