نشرت جريدة الأحداث المغربية يوم 3 غشت 2003 مقالا مترجما بتصرف للصحفي الإسباني دومينغو ديل بينو(سبق نشره في مجلة الدراسات الدولية الاستراتيجية الإسبانية) تحت عنوانإحدى خلا صات 16ماي: المغرب غير محصن ضد الإرهاب. افتراءات في حق الإسلاميين لقد انطلق المقال من مقدمات مفادها أن أحداث 16 ماي الإرهابية أسقطت فرضية أن المغرب محصن مما وصفه المقال بالإرهاب الإسلامي، وكون ما سماه بالجالية اليهودية في مأمن بالمغرب، رغم تعايشها المثالي مع الإسلام لمدة أربعة قرون حسب اعتقاده. وراح يتحدث عما سماه ببدايات الإرهاب في المغرب والمتجسدة في نظره في الإسلام التبسيطي أوالأسلمة التي نهجتها الدولة والمساجد السرية التي انبثقت في مجموع التراب الوطني كمحل للاستقطاب على يد دعاة لا يتوفرون على ثقافة جمال الدين الأفغاني ورشيد رضا. واعتبر الصحفي الإسباني دومينغو أن الإسلاميين والطبقة المحافظة ضغطوا على الملك محمد السادس الذي كان يريد السير بالبلد نحو الديمقراطية الحقة، لأنهم بزعمه لا يرون الديمقراطية إلا مغامرة لا يحبذ الدخول فيها، وأعطى ملف المرأة ومدونة الأحوال الشخصية كمثال، معتبرا أن وضع أمرها بين يدي لجنة يعني عند المغاربة تأجيل الملف إلى أجل غير مسمى. وزعم دومينغو أن الفكر الشيعي أحدث فجوة في المجال النظري للمذهب المالكي، وأن ثمة فوضى مذهبية يحياها المغرب أسهمت في إقالة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية . اختراع عجيب: أحداث جزيرة تورة مجرد مناورة!! وفي اختراع عجيب ساقه دومينغو على لسان المحللين أعتبر أن أحداث جزيرة تورة مجرد مناورة ترمي إلى إلهاء الرأي العام عن الخطر الإسلامي. كما ذهب الصحفي المذكور إلى أن الإسلاميين المعتدلين انصرفوا إلى التركيز على ما يعتبرونه مسا بالأخلاق من قبيل شرب الخمر واختيار ملكة الجمال وفرض الحجاب بالقوة على النساء في الأحياء الفقيرة ،وإكراه الرجال على الصلاة وحضور خطب الجمعة،زاعما أن منع فيلم نبيل عيوش لحظة ظلام ومحاكمة شباب الموسيقى كان نتاج ضغط الإسلاميين. وفي الأخير قال إن الإسلاميين المغاربة وصحيفة التجديد التي وصفهابالناطقة باسم العدالة والتنمية لا يفتأون يصفون الدول الغربية بالصليبية دون تمييز ولا امتداح للدول المعارضة للحرب على العراق ،خالصا إلى أن كل ما سبق شكل مناخا خرج منه مرتكبو التفجيرات. إن ما كتبه الصحفي الإسباني يثير شفقة واستغراب المتابع المنصف والموضوعي للحياة السياسية والحركة الإسلامية في المغرب ، نظرا للمغالطات الكبيرة وغياب الدقة والتحري اللازم في المقال المذكور،وتواطؤالجريدة المترجمة بتصرف بحيث لم تلق لها بالا ولم تصحح حتى بعض الأخطاء الواضحة من قبيل أن عدد مقاعد البرلمان هو325 وليس ,380 وغيرها. مغالطات مسكوت عنها وسنحاول في هذا المقال التركيز على بعض المغالطات المسكوت عنها (لغرض في نفس يعقوب ولا علاقة لها البتة بالأمانة العلمية التي ضربت في المقال المذكور في مقتل). أولا: تكلم مقال دومينغو ديل بينوا عن جالية يهودية بالمغرب،والحاصل أن المغرب ليست به جالية يهودية، بل مواطنون مغاربة ذو ديانة يهودية وعاشوا في المغرب من قرون في آمان لم يعهدوه في بلاد أخرى، وهو الخطأ نفسه الذي ارتكبه أحد الصحفيين حين طرح سؤالا على مسؤول الطائفة اليهودية بالمغرب بمناسبة بعيد العرش و احتفال ما سماه بالجالية اليهودية بالمغرب به، فنبهه إلى أن اليهود ليسو جالية بالمغرب بل مواطنون مغاربة يمتد تاريخ وجودهم في المغرب إلى ألفي سنة. ومعلوم أن الإسلاميين المعتدلين ليست لهم مشكلة مع اليهود المغاربة ، ويعون بأن أي إضرار أو إساءة لليهود المغاربة الوطنيين الرافضين للاغتصاب الصهيوني والعبث الشاروني بالفلسطينيين وأرضهم سيخدم المشروع الصهيوني بوعي كان ذلك أو بغيره، وكثير من التصريحات تشهد بذلك قيلت قبل الأحداث الإرهابية بكثير، من قبيل ما قاله الدكتور أحمد الريسوني رئيس حركة الوحيد والإصلاح، يومها في كلمته الافتتاحية لجمعها العام الوطني الثاني (المؤتمر) في دجنبر الماضي، وبعيدا عن أي ضغط حيث قال: وإذا كان الشعب الفلسطيني هو الضحية الأولى للمخططات الصهيونية الإجرامية الجهنمية، فإن اليهود هم الضحية الثانية، حيث جعلتهم الصهيونية والكيان الصهيوني وقودا لآلتها الحربية ولحروبها المتواصلة منذ ما يزيد عن نصف قرن، لقد أصبح اليهود المجلوبون إلى فلسطين يعيشون بين الموت والخوف من الموت، أو الخوف من المستقبل المجهول... وقد كان هؤلاء اليهود آمنين مطمئين في أو طانهم الأصلية، ومنها المغرب، الذي غادره مئات الآف منهم بعد أن شحنتهم المنظمات الصهيونية بالأوهام، ثم شحنتهم ورحلتهم إلى فلسطين، مع أنهم كانوا ينعمون في هذا البلد الكريم بكامل حقوقهم ومستلزمات عيشهم، مع جميل الرعاية وحسن المعاملة، وأضاف الدكتور الريسوني: إننا حينما ننتقد أنصار الكيان الصهيوني والمتعاملين معه ،لانفرق في ذلك بين يهودي وغير يهودي ، كما أننا في الوقت نفسه نؤكد أن اليهود المغاربة المتمسكين بوطنهم ووطنيتهم لهم كامل حقوق المواطنة ولهم منا البر والقسط، ونتقرب إلى الله بالعدل معهم والإحسان إليهم، كما هو مقتضى آي القرآن، فهذه مبادئنا وعليها ينبني سلوكنا. لا علاقة لإرهاب الدارالبيضاء بالإسلام والغريب أن إسرائيل لم تتخلف عن استغلال الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي، حيث توجهت وزيرة الاستيعاب الإسرائيلية تسيبي لفنة، إليهم بالدعوة للهجرة إلى إسرائيل والانضمام إلى الشعب اليهودي في أرض إسرائيل، حيث الدفء والأمان. ردًا على العمليات الإرهابية، متجاهلة أن الخطر الشاروني والصهيوني عليهم في إسرائيل أكبر وأدوم من خطر لن يكون إلا عابرا في تاريخ المغرب والمغاربة. وأن مصلحة اليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل، تستدعي عودتهم إلى بلدهم الأصلي.لكن جهل الإسباني وربما الذين ترجموا له المقال ونشروه كذلك بتاريخ المغرب أوقعهم في المحضور. ثانيا:أن الإرهاب الذي ضرب الدارالبيضاء لم يقل بصفته الإسلامية إلا المغرضون، أو الجاهلون،لأنه لايمكن لأي دين أن يبرر الإرهاب والعدوان فضلا على أن يكون دين الإسلام، وقد قيل وكتب الكثير في هذا الموضوع، ولكن الحاقدين متلفهين على إلصاق التهم بالإسلام وأهله ضدا على الحقيقة، وإذا كان ذلك مفهوما من غريب، فإنه يبقى عصيا على الفهم عندما يصدر عن القريب أو يزكيه، ولنا أن نسائل الصحفي الإسباني ومكن ترجموا له:هل يستسيغ أن يصف الأعمال التي تقوم به منظمة الباسك والتي يعتبرها الإسبان أعمالا إرهابية بالإهاب المسيحي؟ ثالثا: القول بأن أحداث احتلال جزيرة تورة كانت مجرد مناورة ترمي إلى إلهاء الرأي العام عن الخطر الإسلامي ، والغريب كيف تترجم الأحداث المغربية هذا الهراء، ولا تكلف نفسها عناء التعليق أو الرد، رغم ما فيه من إهانة للمغاربة ، ورغبة في خلق فتنة داخلهم، وتصوير المسؤولين وكأنهم يتلاعبون بقضية سيادية من أجل أغراض سياسية ، ، لأنه لايمكن لأي بلد كيفما كان أن يشغل رأيه العام بمسألة من صميم سيادته وكيانه، مهما كان حجم خطورة القضية والأمر الذي يراد شغل الرأي العام عنه. والحاصل أنه لا وجود لخطر إسلامي كما يزعم الصحفي الإسباني ويؤيده في ذاك مترجمي مقاله، بدليل أن الإسلاميين المغاربة أدانوا العمليات الإرهابية بقوة رغم المنع الذي طالهم في التعبير عن أراءهم ضدا على قيم الديموقراطية والحداثة. وتحلوا بالهدوء والاتزان في وقت تكالب عليهم الإستئصاليون من كل حدب وصوب ، مما أظهر للمغاربة جميعا أن الخطر المزعوم من طرف الأبواق الاستئصالية مجرد فزاعة تخفي ورائها العجز عن المنافسة الديمقراطية .أما المتشددون فهم زمرة قليلة لاوزن لها في المغرب ولايمكن أن يكون لها ذلك لطبيعة الشعب المغربي التي ترفض الغلو والتطرف الديني واللاديني معا. ويبدوا أن صاحبنا يريد بزعمه المذكور شرعنة خطأ بلاده على حساب المغرب. رابعا: لا وجود لمساجد سرية كما زعم دومينغو، لأن مسمى المسجد نفسه بما يلزم من آذان وما إلى ذلك يناقض السرية، وكلما في الأمر أن هناك نوعين من المساجد الأول مساجد تبنى من طرف وزارة الأوقاف أو من بناء المحسنين وتخضع لتسيير الوزارة مباشرة والثاني بنايات صغيرة ومتواضعة يتخذها السكان في مناطق إما هامشية أو فقيرة أو تفتقر لمسجد قائم ، مكانا للصلاة ينعث بالمسجد لا يخضع في الغالب لمراقبة وتسيير الوزارة المذكورة.، وتتهم المساجد من النوع الأخير بإيوائها للمتشددين وهواتهام فيه نظر على اعتبارأنها ليست أماكن مخصوصة بجماعة أو تنظيم معين ولايقبل المغاربة أن تكون ذلك مهما كانت المبررات. جهل كبير بحقيقة المشهد السياسي المغربي خامسا: القول بأن الإسلاميين ضغطواعلى الملك فوقع تراجع عن خط الديمقراطية، بدليل ملف المرأة، ينبئ عن الجهل الكبير بحقيقة المشهد السياسي المغربي، فالمحللون أكدوا بأن المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس ماض في تكريس الديمقراطية والنزاهة ، بدليل الانتخابات التشريعية ليوم 27 شتنبر التي خطت بالمغرب خطوات مشهودة في طريق تثبيت نزاهة الانتخابات، وتكريس مصداقية المؤسسات الثمثيلية، ولأن انتخابات 27شتنبر أعطت تقدما ملحوظا للإسلاميين المشاركين في شخص حزب العدالة والتنمية، قامت قيامة الاستئصاليين ، معتبرين التقدم المذكور نذير سوء، وما إلى ذلك من هلوسات روج لها إعلاميا، وأريد لها أن تشكل رأيا مناهضا للحركة الإسلامية عموما، في خطوات تعتبر بحق ضغطا على الدولة ومطالبة لها بالتراجع عن خط إقرار النزاهة والديمقراطية، لأن ذلك لم يعد في صالح بعض الأطراف و الأحزاب المهترئة، وبعض رموزها الاستئصالية ،إما بالتصريح أو التلميح بقبول التزوير في الانتخابات وما إلى ذلك من الخطوات التضييقية والضاغطة على الحركة الإسلامية المعتدلة، حتى تحجم المشاركة منها وتتحكم في نسبة نجاح مرشحيها خاصة في الانتخابات الجماعية، التي جعلت الكثير لا يتورعون عن المتاجرة بآلام الشعب المغربي قاطبة واستغلالها سياسيا. فالذي ضغط في الواقع من أجل التراجع عن تقوية مسار الديمقراطية في المغرب هم الاستئصاليون تحت شعارات الحداثة والديمقراطية المغدورة. أما وجود ملف المرأة والمدونة بيد أمير المؤمنين فأمر طبيعي، ومعقول ،ذلك أن الأمر يتعلق بالشريعة والنصوص الدينية في الموضوع والاجتهاد التي هي من صميم اختصاصاته، ولايمكن أن يخضع ملف مدونة الأحوال الشخصية للأهواء السياسية ولا لمنطق الأغلبية والمعارضة كما يريد البعض، وبالتالي كان تعيين لجنة ملكية استشارية خاصة للموضوع اجتهادا حكيما من أمير المؤمنين لكي تعرض وتوفر له أرضية يستطيع الحسم من خلالها في موضوع يهم الأسرة والمجتمع بكامله حاضره ومستقبله،فليست اللجنة إذا لتأجيل البث في الأمر كما ادعى دومينغوا وأقرته الأحداث المغربية ، وليس الأمر أمر ضغط على الملك كما ا دعى مقال الصحفي الإسباني الذي يمكن أن يكون معدورا في عدم فهمه لطبيعة النظام الملكي، بينما لاتعذر جريدةالأحداث المغربية التي نشرت هذا الهراء الصحفي دون تعليق أو تنبيه رغم أنها تصرفت في المقال المذكور، لأن اللجنة شكلت لإيجاد حل يحترم خصوصيات المغرب وانفتاح على العصر بمايوافق مرجعيته الإسلامية، لكن الصحفي الإسباني أغفل كل هذه المعطيات ولنقل الخصوصيات فأخطأ في ماذهب إليه وركبت عليه الأحداث المغربية لموافقته هواها.لأنه قلب الحقائق وهي مغرمة بكل من يقلبها. محمد عيادي