ضد التيار، وضد كل أشكال التقارب الذي دشنته حكومة الاشتراكيين الجديدة في إسبانيا مع المغرب، تصر بعض المنابر الإعلامية الإسبانية المؤيدة لأفكار اليمين المعادي للمغرب وشعبه على استغلال كل الطرق، حتى أبشعها، لتقويض هذا التقارب والعودة بالبلدين الجارين إلى سنوات الاحتقان والتوتر. أحداث مدريد.. الاستغلال البشع
منذ فترة ليست بالهينة، وصحيفة إيل موندو الإسبانية تتزعم قافلة هاته الصحف بنشرها افتراءات لا مرمى لها ولا مبتغى غير شحن الرأي العام الإسباني بكل ما قد يثير العداء، ويؤجج روح التحامل والضغينة ضد المغرب ورموزه وشعبه. البداية كانت بقضية اعتداءات مدريد الإرهابية، حيث تغاضت الصحيفة المذكورة عن كل أوجه التضامن وتعبيرات المواساة التي تلقاها الشعب الإسباني من المغاربة بكل أطيافهم السياسية والمدنية، وعملت ضد ذلك مباشرة، على إحداث كثير من الصخب الإعلامي في إعلانها يومين بعد تفجيرات مدريد، عن اعتقال مغاربة صنفوا كعناصر خطيرة، ومسؤولة عن وضع المتفجرات في قطارات مدريد، بل ذهبت الصحيفة أبعد من ذلك بنشرها صورا من الحياة الخاصة لهؤلاء المعتقلين، حتى قبل أن تثبت التهم المنسوبة إليهم، وذلك بنية لا تقبل جدلا تروم نكأ جراح الإسبان حينها، وتأليبهم ضد المغاربة. وقد آتت هذه الحملة بعض أكلها عند ذوي النزعات العنصرية من الإسبان الذين كانوا لا ينتظرون غير الضغط على الزناد لتفجير كبتهم العدائي نحو المهاجرين المغاربة في الديار الإسبانية. واتضح جليا بعد هذا تحامل الصحيفة الإسبانية على المغاربة بسلوكها الإعلامي الذي انتهجته مع خبر إخلاء سبيل المتهمين المغاربة، حيث لم تشر إليه إلا عرضا، بدل البهرجة التي عمدت إليها يوم اعتقال المتهمين، مما ينطوي على نزعة عنصرية ضحيتها الأولى كانت الجالية المغربية.
جرعات عدائية زائدة
ولعل الصحيفة المذكورة لم تستسغ فشل حملتها هاته ضد المغاربة بعد أحداث الحادي عشر من مارس الإرهابية بإسبانيا، كما لم تستسغ هذا التفاهم الإسباني المغربي الحاصل أخيرا، والذي لم تعكر صفوه تبعات أحداث مدريد، فسعت، من ضمن السبل التي اعتمدتها أخيرا، إلى العودة مجددا لإثارة قضية الاعتداءات، لكن هذه المرة بجرعات زائدة، إذ زعمت أن للأجهزة المغربية يدا في أحداث مدريد الإرهابية، وذلك من خلال تقديمها لكتاب 11 مارس: الانتقام الذي ألفه مديرها المساعد كاسميرو غاريا أبادييو. واستنتج هذا المؤلف زاعما أن المغرب وقف وراء اعتداءات مدريد، حتى يثأر لنفسه من الإهانة التي تلقاها عقب احتلال القوات الإسبانية لجزيرة تورة (ليلى) المغربية في يوليوز من عام .2002 والواضح أن الصحيفة بمزاعمها هاته وحدها تغرد خارج السرب، حتى داخل إسبانيا نفسها، فقضية جزيرة تورة المغربية تم تجاوزها وطويت حيثياتها وتبعاتها، وهو ما أكده وزير الدفاع الإسباني خوسيه بونو في تصريح صحافي أخير بقوله إن المغرب وإسبانيا تجاوزا عقدة جزيرة ليلى لينتقلا إلى مرحلة جديدة، مضيفا أننا انتقلنا من المواجهة بجزيرة تورة إلى الذهاب سويا إلى هايتي.. من مرحلة كان فيها علما المغرب وإسبانيا يخفقان بعداء، إلى أخرى سيرفرفان فيها مجتمعين في مهمة سلام للأمم المتحدة... لقد تم تخطي عقدة جزيرة تورة. وجاء هذا الكلام في معرض حديث وزير الدفاع الإسباني عن القرار المشترك الذي أصدره المغرب وإسبانيا نهاية يوليوز الماضي، والقاضي بإرسال تجريدتين عسكريتين مشتركتين في إطار بعثة للأمم المتحدة لضمان الاستقرار في هايتيو ومساعدة الحكومة الانتقالية على تنظيم انتخابات حرة في هذا البلد. مزاعم إيل موندو وتابعيها من الأقلام المعادية للمغرب، لا يفندها فقط هذا التصريح الصادر عن مسؤول حكومي رفيع إلى جانب هذا القرار المشترك الرفيع أيضا، بل يضرب عرض الحائط بحسن نية المغرب الذي بادر مباشرة بعد أحداث الحادي عشر مارس الإرهابية إلى إعلانه عن تعاونه الأمني الكامل مع مصالح الأمن الإسبانية في إطار التحقيقات في أحداث مدريد، ووضعه رهن إشارة جيرانه الإسبان كل ما يملكونه من معلومات أمنية قد تفيد المحققين الإسبان الذين وفدوا إلى المغرب لتعميق البحث في أحداث مدريد الإجرامية. كما أن كثيرا من الأصوات والأقلام في إسبانيا سارعت بعد الأحداث المذكورة إلى الدعوة لعدم الخلط بين الإرهاب والمسؤولين المزعومين عنه، وبين علاقة الإسبان بالمغاربة التي لا مناص لها من التقدم.
قضية المنداري وغيرها
ولم تركب صحيفة إيل موندو على أحداث مارس الإجرامية فحسب لنفث جرعاتها الزائدة من سموم العداء ضد المغرب، بل ركبت أيضا على حادث مقتل هشام المنداري، حيث نشرت حوارا مزعوما معه بعد وفاته، ضمنته زورا وتلفيقا كثيرا من كلمات الافتراء والسب في حق جلالة الملك والعائلة الملكية، بغرض واضح ووحيد وهو الإساءة إلى رموز البلاد، ومؤسساتها وشعبها دونما اعتبار لأدنى أخلاقيات مهنة الإعلام التي تفرض حسن الأدب، والابتعاد عن أساليب الشتم والقذف التي لا ينهجها عادة غير عدو حاقد. واستمرت إيل موندو في مسلسل أكاذيبها وافتراءاتها على المغرب، ذلك بعد أن زعمت قبل أسابيع مضت أن عددا من أعدادها تم حجزه في المغرب. وقد سارعت وزارة الاتصال إلى نفي الأمر، بل وتساءلت، في بلاغ لها أصدرته حينها، عن دواعي نشر هذا المقال، معتبرة أن نشر هذا الخبر المزيف يعبر عن رغبة في تضليل الرأي العام الوطني والدولي. نقطة أخرى لابد من الإشارة إليها في سياق استعراض الهجوم العدائي لصحيفة إيل موندو على المغرب، تلك التي لاحظتها أسبوعية الأيام في عددها ما قبل الأخير، والمتعلقة بتقديم موقع الصحيفة الإسبانية الإلكتروني لزواره العلم المغربي بشكل مشوه، إذ أضحت النجمة الخماسية سداسية الأضلع، وقالت الأسبوعية المغربية تعليقا على هذا التشويه للعلم المغربي إن الأمر يجعلنا نضع عدة تساؤلات حول نوايا إل موندو، أما مصداقيتها ومهنيتها فتلك حكاية أخرى. والواضح أن صحيفة إيل موندو غيبت كل ما يرتبط بالمهنية والمصداقية وشحذت أقلامها لتحريض الرأي العام الإسباني ضد هذا التقارب الواقع بين المغرب وإسبانيا، متبنية في ذلك توجهات إسبانية ترى أن ليس من صالحها هذا التقارب، لذلك لا تتوانى في تصيد الفرص لتأجيج مشاعر الحقد والعداء تجاه المغاربة، وكذا التحذير من مغبة الذهاب بعيدا في علاقة الرباطبمدريد. أضف إلى ذلك أن هذه الصحيفة لا يهمها التقارب الحاصل أيضا بين المغرب والحكومة الإسبانية بخصوص قضية الصحراء المغربية، وتقوية المغرب لعناصر دفاعه عن سيادته فوق صحرائه، وذلك اعتبارا لتبني هذه الصحيفة للاعتبارات الأمنية والاستراتيجية التي تدعمها مؤسسة الجيش في إسبانيا، والقاضية بالحفاظ على أجواء التوتر وعدم الاستقرار في البلد الجار المغرب. ونظرا لكون الحزب الشعبي الإسباني الذي مني بشر هزيمة خلال الانتخابات التشريعية الإسبانية الأخيرة هو متزعم هذه التوجهات، فإن صحيفة إيل موندو وغيرها من المنتسبين إلى هذا الحزب، ما تفتأ تنقل ادعاءات هذا الحزب المنافية لتوجه الاشتراكيين الحاكمين الذي يضع حدا لحالات التوتر التي عاشتها العلاقات المغربية الإسبانية في عهد الحكومة السالفة. وهي ادعاءات لا يريد الحزب الشعبي من وراء الخوض فيها الإقرار بهزيمته في الانتخابات الأخيرة. الأكيد أن مثل هذه الحملة العدائية التي أججتها صحيفة إيل موندو هذه الأيام ستفشل، ذلك لأنها لا تعبر بأي حال عن توجه الرأي العام الإسباني.. ذلك الرأي العام الذي عبر عن رفضه القاطع لتوجهات الحزب الشعبي المنتسبة إليه هذه الصحيفة فكبده هزيمة قاسية حين طلب منه الإدلاء بصوته. يونس البضيوي