نشرت جريدة أجوردوي لوماروك في إطار عددها الثلاثي لنهاية الأسبوع الماضي (من الجمعة 13 إلى الأحد 15 غشت) ملفا جعلت منه موضوع غلافها، وتطرق الملف إلى ما أسمته ب"الجدل القائم بين الأحداث المغربية والتجديد على خلفية التطرف الديني". ولقد تميز تناول الجريدة الفرنكفونية، كما كان منتظرا، بالتحيز الكامل لفائدة الأحداث المغربية تطبيقا للشعار القائل: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وما كان منتظرا منها غير ذلك، خاصة وأنها كانت قد سبقت في السنة الماضية إلى حملة منسقة يائسة ضد حركة التوحيد والإصلاح للإيقاع بينها وبين القيادة التاريخية لحزب العدالة والتنمية، وبينها وبين الدولة قبل أن تعود إلى بعض الهدوء والموضوعية. وكنا نود لو التزمت جريدة أوجوردوي لوماروك الموضوعية في التناول، وأن لا تنحاز انحيازا أعمى إلى أطروحة الأحداث . فقد ادعت أوجوردوي لوماروك في ما وصفته بالجدل القائم بين الجريدتين «والذي انطلق منذ سنة، ويعرف هذه الأيام حلقة جديدة بنشر الأحداث لمقال لرئيس تحريرها عبد الكريم الأمراني تحت عنوان الأخلاق على الطريقة الريسونية« أن «النقاش من لدن الأحداث المغربية يتم دائما بطريقة علمية مؤسسة على تحليل دقيق لإيديولوجية التوحيد والإصلاح ولمختلف تصريحات قياداتها وللارتباطات الدولية القائمة بين هذه الحركة والحركات الإسلامية العالمية، في حين أن رد التوحيد والإصلاح على صفحات التجديد يقوم أساسا على السباب والتشنيع». وفي العدد نفسه نشرت الصحيفة الفرنكوفونية حوارا مع مدير الأحداث المغربية، السيد محمد لبريني، مليئا بمجموعة من المغالطات والمزاعم غير الصحيحة، سنبين تهافتها بالدليل والبرهان ونكشف أيضا دعوى المقاربة العلمية لالأحداث، وخاصة رئيس تحريرها المدعو الأمراني في نهجهه في الكتابة، وبالأخص في المقال الذي أشارت إليه أوجوردوي لوماروك أي الأخلاق على الطريقة الريسونية. دعوى المقاربة العلمية في تحليل الأحداث واتهام "التجديد" باللجوء إلى الشتم والسباب نكتفي فقط هنا بنقل بعض فقرات من مقال المسمى الأمراني ونترك لأجوردوي لو ماروك أن تحكم ضميرها المهني وتحكم إذا كان مثل هذا الكلام يدخل في المقاربة العلمية. نماذج من السباب في حق الريسوني: يقول الأمراني: «عندما قرأت نص الحوار الذي أجراه أحد صحافيي أسبوعية الأيام مع زعيم خراج (أو دمل) التنظيم العالمي للإخوان المسلمين المدعو أحمد الريسوني...». ويقول الأمراني: «استوقفني حديثه (أي الريسوني) الوقح المتطاوس المتطاول المتعالي عن الأخلاق وعن الأحزاب الأخرى التي تنعدم لديها الأخلاقيات وضوابطها! كما ينعدم لديها الطابع الإسلامي لأن أصحابها أبناء كلب كفرة«، (هذا بطبيعة الحال من استنتاجات الخيال المريض لصاحب المقال الذي تدافع عنه أوجوردوي لوماروك). فالريسوني لم يكفر الأحزاب الأخرى ولم ينعتها بأبناء الكلب، وإنما جاء ذلك على لسان الأمراني وكل إناء ينضح بما فيه وإنما كان حديثه عن مناضلي العدالة والتنمية وعن جانب الممارسة السلوكية والخلقية الذي ينبغي أن يستفيد من التجربة التي وقعت في بعض الأحزاب الأخرى، لا أن ينعت الأحزاب الأخرى بالكفر. الاتهام بالنفاق يقول الأمراني: «إنني أعلم من واقع المعايشة والمتابعة اليومية لواقع خراج التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في المغرب، الذي يحمل اسم حركة التوحيد والإصلاح وفترينته السياسية حزب العدالة والتنمية أن آخر من يحق لهم الحديث عن الأخلاق هو رموز هذا الخراج الذين حولوا الدين إلى أدوات للارتزاق والنفاق». (هل هناك تكفير أكبر من الاتهام بالنفاق، إن النفاق أخطر درجات الكفر والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، فضلا عن الاتهام بالاترتزاق؟). نماذج من الكلام الساقط لم يقف الأمراني عند حد الاتهام بالنفاق، بل تجاوز ذلك إلى السباب والكلمات الفاسقة، حيث يقول ناقلا عن نظير له في السباب، والطيور على أمثالها تقع، بأنهم «جعلونا نعيش يقصد الحركات الإسلامية بالفعل كما أشار إلى ذلك الدكتور خالد منتصر في حوار له مع موقع إيلاف في مجتمع فترينات: أكبر حجم عمرة وأكبر استهلاك للفياغرا (انظر إلى الهوس الجنسي في الخطاب وانظر إلى الموضوعية في التناول)... مادامت الفترينة مصقولة ولامعة فلا يهم ما وراءها نحن مثل فترينة ثلاجة سوبر ماركت بها أفخر أنواع اللحوم والدواجن والأسماك ولكن الفيشة الموصلة للكهرباء منزوعة، أظن أنك لن تجد إلا العفن ...»، وهل هناك عفن أكبر مما يخرج على لسان الأمراني، وهل هناك عفن أكثر مما ينشر يوميا على صحيفة الأحداث؟ ومع الكذب والسب الطعن في الولاء الوطني يقول الأمراني: «الكل يعلم أن الخراج الذي يحمل اسم حركة التوحيد والإصلاح وفترينته السياسية التي تحمل عنوان حزب العدالة والتنمية ليس له ولاء للوطن.. فهو امتداد لتنظيم عالمي، يقدم مصالح المسلمين في البوسنة وبلاد الأفغان والشيشان، وبلاد تركب الأفيال على مصالح الوطن، وولاؤه لهذا التنظيم أكبر وأوثق وأعمق من ولائه للوطن». قلت: أليس هذا نوعا آخر من التكفير، التكفير السياسي، أليس هذا تخوينا ودعوة إلى نصب المحاكم والمشانق والقتل السياسي!! ومع ذلك يدعي كتاب الأحداث المغربية أننا نحرض على القتل؟ وقلت: لقد خبرت أعضاء حركة التوحيد والإصلاح، وخبرهم الناس في الأحياء وفي المؤسسات والمعامل ، وأشهد ويشهد لهم جيرانهم أنهم من أشد الناس تخلقا وحسن معاملات، شأنهم في ذلك شأن عامة المتدينين، سواء من أعضاء الحركة أو من غيرهم من الحركات أو من غير المنتمين للحركات ، فهم أبعد الناس عن الخمور والفجور والكذب وإيذاء الناس بسلوكهم وأقوالهم، دون أن يعني ذلك أنهم ملائكة أطهار أو أنهم لا يخطئون، ولكن لو قارنتهم كما يقارنهم المواطنون البسطاء من أهل الفطرة مع نفر من أدعياء الحداثة ولست أعمم أيضا لاتضح الفرق. ويعرف عموم المغاربة حينما يرتاد المتدينون المساجد وأهاليهم وبيوتهم وأسرهم المستقرة أي قبلة يمم بعض أدعياء الحداثة وجوههم مساء، وقد خبرنا بعضهم في ندوات وفنادق ودعوات لبعض السفارات، ورأينا منهم أحوالا، ولولا أن لهم علينا واجب النصيحة كأعيان، ولولا أننا نرجو لهم توبة قلوب صادقة لذكرناهم أسماء وأعيانا، ولكن تأبى علينا أخلاقنا ذلك مهما فجروا في خصومتنا وفسقوا في مجادلتنا، دون أن يمنعنا ذلك من أن نقول لهم في أنفسهم قولا بليغا، وأن نرد الاعتداء بمثله، ويعلم الله أننا نصبر على مائة تجريح وقذف كي نرد على واحد منه، ولكنهم قوم لا يصبرون ولا يقوون على كلمة واحدة في المناظرة والجدل بما يناسب وقاحتهم واعتداءهم ، (ولكنهم قوم يفرقون). ادعاءات وافتراءات لبريني 1 دعوى التسامح والقبول بالآخر: لم تنفك الأحداث المغربية منذ صدورها تحرض الدولة على تكميم الأفواه وقطع الأعناق من خلال اعتماد النهج الاستئصالي وتقليد النهج البوليسي التونسي، ناهيك عن حملات التكفير السياسي والديني والاتهام في الولاء الوطني. وقد كان من الممكن أن نعتبر ذلك مجرد هوس خاص بالأمراني إلا أننا وجدنا أن السيد لبريني، رغم ذلك كله يجرؤ على الادعاء بأن جريدته تدافع عن قيم الحداثة والانفتاح والتسامح.. والحرية والقبول بالآخر وأن الخط التحريري ل الأحداث المربية واضح في هذا الاتجاه!! ولعل المتتبع المنصف يتساءل في استغراب كيف تستقيم الدعوة إلى الاستئصال البوليسي وتحريض الدولة على إطار حركي وتربوي وفكري وسياسي له وجوده في المجتمع ويعمل في إطار الدستور والمقومات الأساسية للدولة مع ادعاء الحداثة والتسامح والقبول بالآخر؟ كيف تستقيم مع الدعوة إلى شن حرب لا هوادة فيها ضد حركة التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية ولبريني يقصد ما يقول، إذ أن الأمر لا يتعلق عنده بدعوة إلى مواجهة فكرية وعلمية وإعلامية، بل بدعوة صريحة لشن حرب شاملة تشترك فيها الدولة بأجهزتها والأحزاب السياسية وبنصب المحاكمات، وفي آخر المطاف يأتي دور المجتمع المدني. لنستمع إلى جواب لبريني على آخر سؤال في المقابلة المذكورة الذي ورد فيه: س: إذا كان هذا هو واقع الحال، إلى من تعود مسؤولية مقاومة هذا الخطاب؟ (يقصد خطاب الحركة الذي يدعي أنه خطاب رجعي ومزدوج وظلامي). جواب البريني: «إن هذه المهمة تهم كل الفاعلين في المجتمع المغربي، سواء تعلق الأمر بالدولة أو بالأحزاب السياسية أو بالقضاء أو بالمجتمع المدني، فإن الجميع وجب أن ينخرط في إسكات صوت الظلامية (لاحظ أن الأمر يتعلق بتكميم الأفواه وإسكات الأصوات لنعلم عن أي تسامح وقبول بالآخر عند القائمين على الأحداث المغربية) إننا قادرون على أن نجعل البلاد تتقدم، والمقاربة الأمنية وحدها غير كافية» (وهذا يعني في سياق الكلام أنها ضرورية ومرغوب فيها). 2 التجديد وحركة التوحيد والإصلاح لم يسيق لهما أن أدانا الإرهاب؟؟!!! لم أكن أتصور يوما أن يصل الأمر بمسؤول عن صحيفة مغربية مؤتمنة على الحقيقة، وما انفكت تتباكى على حق المواطن في الخبر إلى حد الكذب الصراح، انطلاقا من موقف مبيت، كي يثبت موقفا مبيتا لا علاقة له بالحقيقة الواقعية، خاصة أن موضوع افترائه ليس غائبا عن المراقبين السياسيين أو غير قابل للفحص والتأكد. غير أن السيد لبريني ادعى أن حركة التوحيد والإصلاح وجريدة التجديد لم يسبق لهما أن أدانا الإرهاب. إن الأمر لا يعدو أن يكون أحد أمرين : أولهما أن مدير جريدة لا يعلم مواقف حركة دعوية وتربوية تؤرق مضجعه، وجعل شن حرب لا هوادة فيها عليها مهمة مقدسة لجريدته، وهذا أمر خطير لأنه يواجه خصما لا يعرف عنه شيئا، وإما أنه يعلم ويتعمد الكذب وتشويه الحقائق والوقائع، ظنا منه أن بإمكانه استغفال القراء وأن الكذب يمكن أن ينطلي عليهم. لذلك نود أن نقدم لجريدة أوجورودي لوماروك نموذجا آخر من نماذج ما سمته بالمقاربة العلمية للقائمين على الأحداث في تعاملهم مع حركة التوحيد والإصلاح ومع ما سمته بالحركة الأصولية. ففي سؤال موجه لمحمد لبريني في سياق المقابلة المذكورة جاء فيه: أين تكمن في هذا الاتجاه خطورة خطاب «التجديد»، أخذا بعين الاعتبار أن المغرب يندرج ضمن منطق لحرية التعبير، حيث لكل واحد الحق في أن يعبر عن فكره؟ جواب السيد لبريني: «إنهم أناس لم يسبق لهم أن أدانوا عملا إرهابيا، بالعكس كلما وقع عمل إرهابي وجدنا التجديد تستخدم كل الوسائل من أجل تبرئته Descriminaliser من خلال إيجاد المبررات والذرائع، حيث لهذه الجريدة القدرة على تبرير ما لا يمكن تبريره...» حركة التوحيد والإصلاح تدين هجمات نيويورك" أما جوابنا فمقتطفات من بعض نصوصنا وبياناتنا: جاء في الرسالة التي وجهتها الحركة عقب أحداث الحادي عشر من شتنبر للرئيس الأمريكي ما يلي، وكان ذلك قبل ذلك أحداث 16 ماي: «فور وقوع الهجوم على الولاياتالمتحدةالأمريكية يوم الثلاثاء 11 شتنبر 2001 بادر أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله تعالى إلى التعبير عن تضامن المغرب المطلق ملكا وشعبا وحكومة مع الشعب الأمريكي الصديق في هذه المحنة العصيبة، وقدم إليه التعازي والمواساة باسم جميع مكونات المجتمع المغربي التي أجمعت على استنكار الاعتداء على الأبرياء...» وجاء فيها أيضا: «كما تعلمون فإن السلام من أسماء الله الحسنى وتحية ديننا الإسلامي هي السلام، ومن مقاصد الإسلام تكريم الحياة والدفاع عنه الأبرياء وحمايتهم، والنهي عن العدوان وقتل المسالمين، حيث اعتبر أن من قتل نفسا واحدة بغير حق أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، كما جاء في القرآن الكريم...». حركة التوحيد والإصلاح تدين الأعمال الإرهابية ليوم 16 ماي في بيان صادر يوم 17 ماي 2003 وفيه ما يلي: «تعرضت مدينة الدارالبيضاء مساء يوم الجمعة 16 05 2003 لخمسة تفجيرات إجرامية استهدفت أحد الفنادق وبعض المطاعم المجاورة لبعض المصالح الأجنبية ومقبرة وناديا للطائفة اليهودية، سقط على إثرها عشرات الضحايا بينهم عدة قتلى وجرحى، وتأتي هذه الأحداث أياما معدودة بعد اعتداءات مماثلة تعرضت لها مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية. والمكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح في اجتماعه صبيحة يوم السبت 17 05 2003 بعد وقوفه عند المعطيات المتوفرة وعند دلالات هذا الحادث وأبعاده وانعكاساته المحتملة يعلن ما يلي: 1 إدانته الشديدة لهذا العمل الإجرامي الدنيء، والذي استهدف منشآت ومدنيين أبرياء، باعتباره عدوانا وإفسادا في الأرض. 2 إن هذه الأعمال أيا كانت الجهات التي وراءها وأيا كانت دوافعها أعمال مرفوضة شرعا وعقلا، ومدانة سياسيا واجتماعيا، كما أنها لا تمثل الشعب المغربي المعروف عبر التاريخ بالميل إلى الوسطية ونبذ العنف والإرهاب. 3 إن هذه الأعمال لا يمكن أن تنال من استقرار المغرب ووحدته، ولا ينبغي أن تنال من اختياراته القائمة على التمسك بأصالته الإسلامية الراسخة ومقوماته الوطنية العريقة في إطار الاعتدال والانفتاح على الأمم و الشعوب والثقافات الأخرى، وعلى احترام التعددية السياسية والفكرية والحريات الفردية والجماعية ومقتضيات دولة الحق والقانون. 4 أن هذه الأعمال لا يمكن أن تحسب بأي شكل من الأشكال على الإسلام، كما أنها لا تخدم قضايا المسلمين، بل إنها تسيء إليه وتفسح المجال لتشويه صورته وصورتهم، وتقدم خدمة مجانية للمتربصين بالدول الإسلامية المستقرة وتبرر مزيدا من التدخل الأجنبي، والتحكم في حاضر الشعوب الإسلامية ومصائرها من أجل إخضاعها للإملاءات الأجنبية» فهذا هو ادعاء مدير الأحداث وهذه حقيقة موقفنا من الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي، وقد جاءت مباشرة بعد وقوعها وقبل أن تتبين الجهات التي من ورائها، وجاءت تدين إدانة واضحة غير مشروطة، ولنا مواقف من العنف والإرهاب قبل أحداث 16 ماي وكتابات وافتتاحيات كثيرة من فكر الغلو والتطرف، ومما سميناه بأمراء الدم يمكن أن نعود إليها لنعلم عن أي حقيقة يتكلم أصحاب الأحداث وعن أي حداثة وانفتاح وتسامح وعن أي تحليل علمي يتحدث صاحب مقال أوجوردوي لوماروك. محمد يتيم