بعد أن كانت عصية على التغيير، وبعيدة عن التعبير عن الرأي المخالف، على امتداد عقود ، عرفت القناة الأولى في التلفزيون المغربي، الليلة الماضية، منازلة إعلامية ساخنة، تميزت بالكثير من الجدية، في طرح مجمل القضايا الحقيقية، التي يعيشها المغرب، مثل الفساد والبطالة، وواقع الأحزاب السياسية المغربية، وعلاقتها بالحكومة، وعلاقة الأجيال داخلها، وذلك في لقاء مباشر مع كاتب الدولة للشباب والرياضة المغربي محمد الكحص، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وقد أدار الحوار الصحفي في القناة الأولى المغربية مصطفى العلوي، وشارك فيه ثلاثة صحافيين هم نور الدين بن مالك من جريدة /الصحيفة/ الأسبوعية المستقلة، المعروفة بطرحها للملفات الساخنة، مما جعل حكومة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي تدخل في صدام معها قبل نحو عامين، وشفيق اللعبي من صحيفة /الحياة الاقتصادية/ الناطقة بالفرنسية، ومحمد أبو بهدا من صحيفة /الأحداث المغربية/. وتناول الحوار، الذي استمر على امتداد ساعتين، من الساعة التاسعة وحتى الحادية عشرة ليلا بتوقيت المغرب (معادل لتوقيت غرينتش)، وحضره عدد من الوزراء والوجوه السياسية المغربية البارزة، مثل وزير إعداد التراب الوطني محمد اليازغي ووزير الاقتصاد فتح الله ولعلو، في جزئه الأول قضايا الفساد، ونهب المال العام، وقضايا البطالة، والعلاقة مع التيار الإسلامي، وبعض القضايا الأخرى المتفرقة، مثل عزوف الشباب عن السياسة، في حين ركز الجزء الثاني من الحوار على واقع الأحزاب السياسية، وعلى العلاقات بين مكونات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي ينتمي له الضيف. وفي حين حرص كاتب الدولة للشباب والرياضة على تأكيد صعوبة الأوضاع ودقة المرحلة، بالنسبة لمشكلة مقاومة الفساد، وعلى أن مراكز الفساد والنهب العام تقيم الدنيا ولا تقعدها، كلما أحست أن مصالحها مهددة، وهو ما يتطلب ترفقا في تناول هذا الموضوع الخطير، مشددا على أن الحكومة لن تسمح في المستقبل بنهب الثروة العامة، كانت ردود الصحافيين بأن سياسة "عفا الله عما سلف"، تفقد الحكومة مصداقيتها، وتحرم البلاد من 500 مليار درهم (نحو 50 مليار دولار) تم نهبها من الخزينة العامة، طيلة المرحلة السابقة، وهو ما من شأنه أن يوفر نحو 14 مليون منصب شغل، هي ما يحتاجه الشباب المغربي، وليس ألف مؤسسة للترفيه والنشاط الثقافي، تعتزم وزارة الشباب والرياضة تنفيذها. وتهجم الكحص بشدة على التيار الإسلامي، معتبرا إياه تيارا ظلاميا معاديا للحداثة وللقيم المعاصرة، وتيارا قائما على القتل وتشجيع الإرهاب، وبأنه غير ديمقراطي، يستخدم الديمقراطية لإلغائها، مما جعل بعض الصحافيين يردون عليه بأن التيار الإسلامي المغربي، الذي يهاجمه كاتب الدولة، تيار عقلاني وديمقراطي، وأن حزب العدالة والتنمية الإسلامي ممثل في البرلمان ب43 مقعدا. ودفع تهجم الكحص على التيار الإسلامي بالصحافي نور الدين بن مالك إلى اتهامه بأنه يبدو وقد اختير في الحكومة، ومن خارج القوائم الحزبية، ليلعب دور سعيد سعدي، كاتب الدولة السابق، صاحب خطة إدماج المرأة في التنمية، التي أثارت جدلا واسعا في الشارع المغربي، لم يحسم إلا عبر مسيرة شارك فيها أكثر من مليوني مغربي معارضين للخطة، مما جعل الكحص ينفي أن يكون قد اختير للعب هذا الدور، مشددا على أنه يلعب دوره الخاص، وليس أي دور آخر. ولوحظ في الجزء الأول من الحوار، أنه كلما طرح الصحافيون قضايا الفساد وعجز الحكومة عن تغيير واقع المغاربة، أن كاتب الدولة كان يلجأ للاحتماء "بجلالة الملك"، واعتبار مجنل السياسة ومساعي التغيير هي مساعيه، وأن الحكومة تسير في تدعيم هذا الخيار. في حين تخلى عن هذه الاستراتيجية الدفاعية حين تناول الحديث الجزء الثاني، وهو واقع الأحزاب والعلاقات داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. الرباط - خدمة قدس برس