رغم صدور مرسوم قانون رقم 663 - 02 - 2 منذ 10 شتنبر 2002 القاضي بإنهاء احتكار الدولة لميدان البث الإذاعي والتلفزي، حيث توج بتأسيس الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية سنة 2005 والهولدينغ السمعي البصري (القطب العمومي) سنة 2006، فلا شيء يوحي بأن الدولة رفعت يدها عن التحكم في الإعلام العمومي والدليل -حسب العديد من المراقبين- هو الضعف الكبير للبرامج الحوارية السياسية، وضعف تفاعل التلفزيون والإذاعة الوطنية مع القضايا الوطنية كشفت متابعة الإعلام العمومي للانتخابات الجماعية الأخيرة عن فشل في فتح نقاشات حقيقية تحضر فيها مختلف المشارب السياسية لمناقشة إشراقات وإخفاقات التجارب الجماعية بالمغرب وتقييم الحصيلة ومحاسبة المقصرين واستشراف المستقبل، وبدلا عن ذلك تم إغراق التلفزيون بخطابات جافة لمختلف الأحزاب السياسية وكليشيهات ظلت أقرب الى الأشخاص عوضا عن البرامج والأفكار، من قبيل الوافد الجديد، ابن الحي، ولد القبيلة.. وهو ما يعني أن الإعلام العمومي أضاع مرة أخرى فرصة ذهبية للرفع من الوعي العام وخلق إمكانات للتنمية والتقدم. «استمرار إغراق التلفزيون بالبرامج الترفيهية التي تصرف عليها الملايير - حسب محمد العوني معد ومقدم برنامج (وجهات نظر بالإذاعة الوطنية)- هي محاولات للتمييع والتعليب وتكريس إعلام لا يستند على الثقافة، بل على القوالب الجاهزة على حساب الإخبار والتوعية، اعتمادا على مقولة «الجمهور عايز كده»، وإيديولوجية الإعلام الخفيف على وزن الساندويتشات الخفيفة التي أثبتت فشلها في السينما العربية». وأضاف العوني، صاحب أقدم برنامج سياسي بالإعلام العمومي، أن وظائف الإعلام ينبغي أن تتكامل، خاصة أن الجمهور المغربي في غالبيته يملك ذوقا رفيعا، ويطلب الإنتاج الذي يخاطب عقله ووجدانه وليس الذي يدغدغ مشاعره، خاصة أن المرحلة الجديدة التي يعيشها المغرب تفترض انخراط الدولة ومختلف مكونات المجتمع في نقاش واسع بغية الوصول إلى قواسم مشتركة، وبشكل يجعل المغاربة يتخلصون من ثقل الماضي ويلجون مرحلة جديدة للتباري السلمي والتنافس الديمقراطي، حيث يعتبر الإعلام قنطرة ولوج الانتقال الديمقراطي من خلال الحضور الواسع للبرامج الحوارية السياسية، محذرا الدولة من خطورة قمع حريات التعبير من خلال محاصرة البرامج الجادة بالإعلام العمومي، والذي قد يؤدي إلى ردود فعل بعيدة عن الحوار السلمي. من جانب آخر، سجل بعض المهتمين بالإعلام العمومي أن هناك محاولات يائسة من طرف الدولة لجس نبض الجمهور عبر استطلاعات رأي وصفوها ب «المخدومة»، والتي لا تعتمد حاجياتهم. كما سجل البعض الآخر استمرار المناوشات في التعاطي مع البرامج الحوارية السياسية بالإعلام العمومي على قلتها، وهو ما يفرض حسب أصحاب هذا الطرح تشكيل جبهة تضم مختلف الأطراف السياسية ومكونات المجتمع لدعم البرامج الحوارية والبرامج الجادة، مسجلين أن الوضع الذي يعيشه الإعلام العمومي يؤشر على أن المغرب مازال لم يتخط مرحلة «التمارين في الديمقراطية»، أمام الطغيان الملحوظ لما وصفوه بالترفيه البئيس واستمرار ربط الإعلام العمومي ب«التكوير»، رغم إنشاء قناة الرياضية. كما دعا بعض الإعلاميين في تصريحات متفرقة ل«الوطن الآن» إلى ضرورة توفير هامش كبير من المبادرة والجرأة في طرح الموضوعات والابتعاد عن «لغة الخشب» في البرامج الحوارية السياسية بالإعلام العمومي بسبب رواسب التحكم المهني - الأمني لوزارة الداخلية في التلفزيون المغربي لسنوات طويلة، والذي أبعد الصحافيين عن «جحيم المجازفة» بإنتاج برامج سياسية مباشرة تتخطى الخطوط الحمراء، كما دعوا إلى القطع مع سياسة «الهواتف الرنانة» في ما يخص الأخبار و البرامج المباشرة. محمد مستعد، معد ومقدم برنامج «مجلة البرلمان» بالقناة الثانية سجل هو الآخر تراجع المتابعة للانتخابات الجماعية الأخيرة مقارنة بالانتخابات التشريعية لسنة 2007، حيث غاب النقاش السياسي وحلت محله الخطابات السياسية للأحزاب السياسية، مرجعا ذلك إلى الرقابة التي تمارسها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وداعيا إلى تطوير الهامش المتوفر للبرامج الحوارية السياسية، خاصة أن الظرفية التي يعيشها المغرب تفترض فتح نقاشات واسعة بين مختلف مكونات المجتمع، كما ألقى بالمسؤولية على الدولة التي مازال يطغى عليها التردد في تعاطيها مع الإعلام العمومي، داعيا الصحافيين والفاعلين السياسيين والجمعويين إلى ضرورة التحرك من أجل تطوير هامش الحرية المتاح بالإعلام العمومي وخلق مزيد من فضاءات الحوار السياسي للاستجابة للطلب القوي على البرامج السياسية ولمواجهة المنافسة، خاصة أن التلفزة أصبح لها دور محوري في النقاش السياسي بمختلف الدول الديمقراطية. من جهته، دعا ابراهيم الشعبي (باحث في علوم الإعلام والتواصل بجامعة - مالقة بإسبانيا) إلى عدم إغفال المعطى المتعلق باحتكار الدولة عبر وزارة الداخلية للإعلام العمومي مابين 1986 و1995، والذي لم يمكن من خلق التراكم الكافي في ما يخص البرامج السياسية، خاصة أن البرامج الحوارية تتطلب حرية الرأي والتعبير وأجواء ديمقراطية، مسجلا وجود توتر في علاقة المواطن عموما والصحافي خصوصا بالسياسة، وهو ما ينعكس على مضمون البرامج الحوارية، خاصة السياسية منها، محملا الدولة مسؤولية هذا التوتر، وإن كان يقر بكون القناة الثانية ظلت متقدمة على القناة الأولى في بعض البرامج الحوارية السياسية من قبيل «رجل الساعة»، «في الواجهة»، «تيارات»، «مباشرة معكم»...... لكن ظلت لغة الحبل سيدة الموقف في تعاطي الدولة مع هذه البرامج «التوقيف، البرمجة في ساعات متأخرة من الليل». أما القناة الأولى الأكثر محافظة حسب الشعبي باستثناء برنامج «حوار»، إذ رغم الجرأة «المخدومة» لصاحبه مصطفى العلوي، فإنه لا يحترم المواصفات المهنية. لكن رغم كل جوانب القصور التي تعانيها البرامج الحوارية السياسية في الإعلام العمومي على المستوى المهني الاحترافي، فإنه ينبغي الدفع في اتجاه تطويرها، لأن غيابها أو تغييبها -يصرح الشعبي- ستكون له انعاكاسات وخيمة على التربية السياسية للمواطنين. x مصطفى العلوي الصحفي بالقناة الأولى لما كان شابا، وعن يساره الميارديرعثمان بنجلون الصورة: أيس بريس هشام ناصر