قد لا يصدق المرء وجود عبيد وجواري في القرن الواحد والعشرين، لكنها الحقيقة المرة وهي أكبر من أن توصف، فالعالم الغربي الذي يقود الإنسانية اليوم يعيش موجة جديدة من استرقاق الناس،ويمكن أن يوجه له دون تردد توبيخ القول المأثور: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟.نساء وفتيات من دول الجنوب ،دفعهن الفقر أو الانبهار بالعالم (المتحضر) إلى الهجرة طوعا أو قسرا، لينتهي بهن الأمر إلى أن يصبحن خادمات أو عاهرات، يبعن ويشترين في صفقات بيع سرية وعلنية تتم في أسواق النخاسة العالمية،ويتحمل الوزر الأكبر في هذه الجريمة المعادية للإنسانية نظام مادي جشع منطقه المنفعة بأي ثمن، ولو كانت هذه المنفعة على حساب أجساد الناس وأجساد النساء بشكل خاص،نظام تتربى في أحضانه منظمات الدعارة والمتاجرة في النساء التي تحاول أن تحقق أكبر كسب ممكن،ولا تبالي بأي توبيخ مهما كان.. النخاسة العالمية..أرقام مدوية دقت المنظمات المتخصصة ناقوس الخطر في باب المتاجرة بالناس، حيث أكدت المنظمة الدولية للهجرة أن هناك أكثر من 600 ألف امرأة وطفلة هم ضحايا تجارة الرقيق في العالم،في حين كشفت الأممالمتحدة عن أن تجارة الرقيق قد احتلت المرتبة الثالثة خ بعد تهريب المخدرات والأسلحة- في النشاطات غير الشرعية الأكثر ربحًا؛ حيث تسجل أرباحا سنوية تقدر ب 9 مليارات دولار. وتؤكد منظمة (ووتكليف) المناهضة للاتجار بالأيدي العاملة من النساء والأطفال ومقرها في مدينة (أبوجا) عاصمة نيجيريا: (إن زهاء (13000) فتاة نيجيرية تم تهريبهن إلى فرنسا خلال السنتين الماضيتين ففي بلدان مثل بنين ومالي وتوجو يبيع الوالدان أولادهم بمبلغ (15) دولار تقريباً للطفل.لتصبح هذه الأعداد من البشر ضمن دائرة استعباد حديثة يضطر ضحاياها إلى العمل في المزارع والمصانع والبيوت وبالنسبة للنساء ك(عاهرات)،وغالباً ما يدخل في روع الآباء والأمهات أن الأطفال سيجدون عملاً في المزارع مما يتيح للابن أو الابنة كسب مال للإنفاق على التعليم والعودة إلى الوطن ذات يوم.لكن هيهات هيهات.. ويقول الخبراء إن تجارة الرقيق العالمية تحقق أرباحا طائلة سنوياً وأن دول العالم الغنية تشهد موجة متصاعدة من الاتجار بالبشر معظمهم من النساء والفتيات اللاتي يجبرن على ممارسة الدعارة.وبقدر ما يبدو أن الدول الغنية مسؤولة عن ترك الأمور تجري كما تشاء عصابات الاتجار بالبشر فإن المأساة الإنسانية عند أولئك الضحايا تكبر أكثر ويكفي الذكر أن ازدهار تجارة الرق في أوربا أن بلدانها تستقبل سنوياً ما لا يقل عن مليون أنثى يقدن من أقطار العالم للعمل في مجالات الدعارة السرية ومن ضمن ما يتم الإيقاع بهن وهن في عمر لا يتجاوز بعد العشر (10) سنوات. كما قدرت آخر إحصائية لمجموعة الحقوق الدولية في تقرير أصدرته السنة الماضية، أن عدد الأشخاص الذين أُجبروا على العمل بنظام السخرة ربما بشكل أو بآخر بحوالي 27 مليون شخص من بينهم ملايين النساء الذين يعملون في المنازل. الرق في أوروبا..تجارة قديمة جديدة.. ويؤكد المحللون أن ما تنعم به البلدان المتقدمة اليوم من رغد في العيش إنما قام على أكتاف عمال السخرة واعتمادا على المواد الخام التي استخرجت من أفريقيا لتجعلها من أفقر قارات العالم بعد أن كانت على نفس مستوى تقريبا مع البلدان الأوروبية في القرن السادس عشر. ويذكرون أن الإمبراطور الجرماني (شارل كينت) ملك أسبانيا، الذي تقاسمت إمبراطوريته مع البرتغال الأراضي الأميركية المكتشفة حديثا في ذلك العهد بموجب اتفاق تورديسيلاس منذ عام 1494م، كان أول من أضفى الطابع الرسمي عام 1518م على استيراد الرقيق من أفريقيا إذ كانت الإمبراطوريتان بحاجة إلى أعداد غفيرة من اليد العاملة لاستغلال الأراضي الجديدة خلف المحيط الأطلسي اقتصاديا.وبعد ذلك انضمت سائر الدول الأوروبية إلى عمليات تجارة الرقيق من القارة السوداء لتبلغ هذه التجارة ذروتها في القرن الثامن عشر.ولهذا فالازدهار الاقتصادي الذي نشاهده في الولاياتالمتحدة والبلدان الغربية اليوم إنما بني أساسا على أيدي الملايين من الأفارقة الذين أخذوا عنوة من ديارهم وشحنوا مكبلين في ظروف مروعة لينقلوا عبر المحيط الأطلسي إلى مزارع العالم الجديد في أميركا. وفارق عدد لا يحصى منهم الحياة قبل أن تكتمل بهم الرحلة إلى الشاطئ الآخر، كما لقي كثيرون حتفهم في أفريقيا نفسها بسبب الاستعمار مع تسخير الملايين في العمل بالكونجو البلجيكي حيث روعت السلطات سكان تلك البلاد من خلال قطع أياديهم وارتكاب فظائع أخرى ضدهم كي يجمعوا المطاط. واليوم إنهم يعدون بالملايين دخلوا من أبواب أوروبا السرية والعلنية ، عبيد يعملون ويكدون ويتألمون ويواجهون بصمت رهيب ولا مبالاة غريبة، عبيد ربما صنعوا تلك الأحذية المستوردة التي تلبسونها،أو غزلوا تلك الزرابي الفاخرة التي تفترشونها،وأطفال بدون طفولة ربما صنعوا لعب أطفالكم المحببة ودمى بناتكم ذوات العيون الزرقاء والشعر الذهبي المصفف بعناية ، كل ذلك بدون أجر، في فرنسا كما في البلدان الغنية تنتشر الظاهرة،قد لا يلاحظها أحد لأنها تجارة خفية تتستر وراء الجدران السميكة والمزارع العريضة. في كل يوم شباب أتوا من دول الجنوب من إفريقيا وآسيا ومن أمريكا اللاتينية أيضا يستغلون في السخرة.وتبدأ حكايتهم بسرقة أوراق إقامتهم أو إتلافها من ظرف مافيا منظمة ،وبها تسلب حريتهم وتبدأ مساومتهم باسترجاعها سواء عن طريق تسخيرهم فترة معينة ولم استغلالهم ضمن شبكة المافيا الجنسية ،ويعترف الآن في أوروبا أن الآلاف من الشباب يعملون ويعرقون في محلات غير قانونية في ميدان التعليب أو الجلد أو في أوراش البناء ،مدفوعون بأداء فاتورة حريتهم واسترجاع أوراقهم. واليوم يواجه الأميركيون من أصول أفريقية في الولاياتالمتحدة اليوم مشاكل اجتماعية واقتصادية تضرب بجذورها في عصور الرق وما انتهت إليه الحرب الأهلية الأميركية بانتصار الشمال على الجنوب في عام 1865م. ولم تنحصر الآثار السلبية لتجارة الرقيق في القارة الأفريقية بل إنها مازالت تلقي بتبعاتها حتى على السود الأميركيين حيث مازالوا يعاملون بما يشبه معاملة العبيد ولا يقدم لهم سوى الحد الأدنى من خدمات التعليم والخدمات الاجتماعية والاقتصادية ناهيك عن المعاملة غير الإنسانية من جانب البيض لهم في الأماكن العامة في معظم الولاياتالمتحدة الأميركية. الرق الأبيض..تلك التجارة البغيضة.. يقدر المراقبون أنه مائتي ألف امرأة وفتاة يتم تهريبهن من وسط وشرق أوروبا كل عام، وحوالي 100 ألف من روسيا، وترسل حوالي 150 ألف إلى أوروبا الغربية، و50 ألف إلى الولاياتالمتحدة، إلا أن نشطاء حقوق الإنسان يرون بأن هذه الأعداد لا تُظْهر الحقيقة لأن معظم النساء يفضلن الصمت وعدم الإعلان عن تجاربهن للسلطات التي يعتبرونها فاسدة أصلاً، فهن يبدو أنهن يخفن أيضاً حتى من الهروب إلى مركز الشرطة للحديث عن مثل هذا الموضوع. .. كما إن بعض أفراد الشرطة يحمون أفراد المافيا،كما أن البنات يتعرضن للضرب، وحتى للقتل، وخير دليل ما أعلنت عنه منظمة العفو الدولية بتقرير تحدثت فيه عن فتاة اسمها (تتيانا) ،وقالت أنه بعدما رفعت شكوى أمام المحكمة ضد أحد الأشخاص الذين تاجروا فيها، ورجعت على بلدها بروسياالبيضاء، لحقوا بها وقتلوها.وتقول تقارير أمريكية رسمية أخرى أن عدد الرجال والنساء والأطفال من جرى بيعهم وشراؤهم ونقلهم على الضد من إرادتهم في مختلف أنحاء العالم خلال سنة 2001م ربما وصل لوحدها زهاء (4) ملايين فتى وفتاة الذين يسعون إلى حياة أفضل في دول أخرى والذين ينتهي بهم المطاف إلى العمل كعبيد في تجارة الجنس أو البغاء أو التسول أو عمال بأجور متدنية.وتعد موسكو اليوم إحدى المراكز الرئيسية التي تزود أسواق ألمانيا بالإناث وهذا ما جعل كابوس الرق يطارد فتيات من الجمهوريات السوفيتية السابقة يتحسبن من دواهي الدهر الذي قد يؤدي بمصيرهن إلى براثن الخطر الأخلاقي، و تحمل المنظمات الدولية حكومات أوربا مسؤولية التساهل بالاتجار النسائي البغيض. وجاء أيضا في ندوة نظمها مكتب منظمة الأممالمتحدة لمراقبة المخدرات وتفادي الجريمة في برازيليا حول تجارة الرقيق والاستغلال الجنسي للبنات الفقراء في أمريكا اللاتينية، على لسان مسئولين دوليين.. أن 75 ألف برازيلية يمارسن البغاء بأبخس الأثمان يوميًا في أوروبا، وأن 15% من بائعات الهوى في أمريكا الجنوبية هن من البرازيليات.. مؤكدين في الوقت نفسه أن ظاهرة الرق الأبيض قي تصاعد مستمر حيث أكثر من أربعة ملايين امرأة وفتاة يهاجرن من بلادهن بصورة غير مشروعة كل سنة لممارسة البغاء في بلدان غربية،رغم أن تجارة الرقيق توصف بأنها مرض العصر، وتحذر الفتيات من الوعود التي تُعطى لهن من قبل منظمات توظيف وهمية بالحصول على عمل ذي أجر مرتفع في دول متقدمة، ويُفاجأن بعدها بأنهن يمارسن الدعارة. مزاد علني في دويلة الكيان الصهيوني حكى تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية عن الاتجار بالنساء بالكيان الصهيوني سنة ,2000 عن حالات متعددة ،وكيف يتم الاتجار في النساء وبيعهن بالمزاد العلني،حيث ارتفع سعر فتاة إلى عشرة آلاف دولار،بعد أن سلبت كل أوراقها،ومن تم لا يمكنها أن تهرب لأن ذلك سيوقعها في قبضة الشرطة التي يمكن أن تحكم عليها بأشد العقوبات وأن أشد أنواع التعذيب خوفا من احتمال انتمائها إلى عرق غير يهودي. ولم تستطع منظمة العفو الدولية سوى مناشدة حكومة شارون بتعديل هذه القوانين. إن العديد من نشطاء حقوق الإنسان يتساءلون عن دور المنظمات الدولية،وهل يجب عليهم أن يمارسوا ضغوطا كبيرة على الأممالمتحدة، من أجل تفعيل الاتفاقيات الدولية، ابتداءً من اتفاقية عدم المتاجرة بالبشر اللي وقعت في عام ,49 وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،و اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، اتفاقية القضاء على العنف ضد المرأة، والحقوق المدنية والاقتصادية والثقافية، وانتهاء بالعديد من هذه الاتفاقيات التي لا يتم تنفيذها للأسف الشديد أو الالتزام فيها من الحكومات الديمقراطية على الخصوص، فبدل أن تُعامل الضحية كمجرمة كونها لم تحصل على أوراق ثبوتية لوجودها في هذا البلد أو ذاك، عليهم أيضاً أن يُحاكموا المافيات وهيئات الجريمة المنظمة التي تغرر بهؤلاء النساء ويخدعهن وبالتالي يرسلوهن إلى الجحيم. منظمات بدون حيلة.. رغم أن منظمات مكافحة الرق في أوروبا، استطاعت أن تستصدر قرارا هنا وقانونا هنا ،وفتح مراكز استماع هناك..إلا أن مافيا تجارة الرقيق التي تحكمها المادة وذابت في نظام رأسمالي شجع لا يعرف لمكارم الأخلاق سبيلا، ولا تعطي لقيم الحرية قيمة،مافيا قدرت أن تصل إلى إسكات صوت الحق ،وهامت في الأرض تعيث فسادا،ولم تستطع العدالة في مجمل القضايا أن تنصف مظلوما ولا أن تسترجع حقا، ففي أحد المحاكم الأوروبية حوكمت امرأة إيفوارية بعشرين سنة حبسا نافذة متهمة إياها بارتكاب جريمة قتل في حق ابن مشغلها.وكشفت أطوار المحاكمة أن هذه الفتاة واسمها فرونيك كوبي (عشرين سنة)كانت تغتصب ببشاعة مرارا مرة من طرف الابن ومرة من طرف الأب،وعكس ما كان تنتظره منظمات مناهضة الرق لم يحدث أن جرمت المحكمة هذا السيد التي اغتصب جاريته،التي ملت هذه الحياة الكريهة وضعت حدا لحياة مغتصبها ليلقى بها في السجن. وتقضي به ما تبقى من زهرة أيامها. حكاية أخرى من محاكم فرنسا دائما كشفت أن زوجين من دولة بنين كانا يشتغلان 15يوميا ساعة متواصلة بثمن 300 فرنك للشهر ما يعادل نصف درهم للساعة الواحدة!!!، وعندما تقدما إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن وضعيتهما المزرية، أعيدا إلى بلديهما في أول رحلة طائرة بدون أدنى تعويض،والقضية التي تبنتها سنة 1993 منظمة مناهضة الرق العصري المهتمة بشؤون العبيد لم يستطع من ورائها الحصول على أي شيء،كانت المحكمة تؤجل القضية مرة بعد مرة.في سنة 1996 عاشت ساكنة فرنسا على إيقاع تحرير شاب أثيوبي من قبضة سيد عات كان يسخره في أعمال شاقة بالضاحية الباريسية ،وقد نقلت القناة الثانية الفرنسية أطوار تحرير الشاب محارث الذي كان يعمل في ظروف مخجلة .وفلم يمنع احتفال فرنسا سنة 1998 بمرور 150 عاما على قرار مناهضة الرق من أن تستقبل المنظمات المهتمة بشؤون العبيد 80 شكوى في ظرف شهرين . الجرأة على الاعتذار من المؤكد أن أفرادا وعصابات انتمت وتنتمي إلى العالم الغربي استفادت وتستفيد من تجارة الرقيق ، وتعلمنا الحضارة الغربية أنه من يسيء إلى جاره وجب عليه الاعتذار ، فهل تملك الدول الغربية تلك الجرأة على الاعتراف بما يقترفه أبناؤها وتقدم اعتذارا إلى الدول المتخلفة ودفع تعويضات عما ألحقته من تمريغ كرامة الإنسان في التراب وعن الدمار الذي أصاب الموارد البشرية والثروات الطبيعية في القارات الفقيرة.؟ عبد الغني بلوط