بذل الأستاذ الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت ماهر جرار جهدا واضحا في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان عبد الرحمن منيف والعراق... سيرة وذكريات ليقدم حياة هذا الروائي الكبير من خلال قراءة ممتعة، تبرز جوانب كثيرة من شخصية منيف عبر نسيج يتداخل فيه الشخصي والعام والأدبي والاجتماعي والتاريخي والسياسي والحزبي في بعض المراحل. وقد استطاع جرار أن يجعل من مقابلاته مع الكاتب الراحل، رغم استنادها إلى أسئلة وأجوبة وأشكال من الحوار والنقاش، سيرة متلاحمة الأجزاء تنساب بروح سردية ويشكل العراق نقطة ثقل فيها. واتبع جرار ذلك بدراسة طويلة عميقة الغور لثلاثية منيف أرض السواد بلغت حصتها نحو 60 صفحة من الكتاب الذي جاء في 215 صفحة متوسطة القطع بينها عشر صفحات للهوامش.وأوضح جرار في مقدمة كتابه أنه حاول أن تكون علاقة منيف الحميمة مع العراق هي المنطلق من خلال إطلالته الجميلة والاستشرافية على فضاء العراق في ثلاثية أرض السواد الصادرة عام 19999. وتطرق الحوار بين جرار ومنيف إلى المرحلة الانتقالية التي تناولت مؤتمر حمص عام 1962 لحزب البعث العربي الاشتراكي وخروج منيف من الحزب ثم مراحل بغداد ودمشق وبيروت، وشمل بعد ذلك العراق انطلاقا من المشروع الإصلاحي الذي عمل عليه داود باشا الذي حكم العراق بين عام 1817 وعام 1831 مما تناولته أرض السواد، وصولا إلى الاستعمار الجديد.
وردا على سؤال لجرار عما إن كانت أرض السواد استشرافا للرعب الاستعماري الجديد القادم للعراق بكل جبروته قال منيف عندي قناعة بأن هذه الموجة لا بد أن تنحسر وتنكسر، ربما كان الاحتلال الأميركي اليوم هو من أغبى الاحتلالات فهو يقوم على صورة وهمية عن الآخر بما فيه العراق.
وأعرب منيف عن قناعته بأن أميركا تحاول أن تجد بؤرا أخرى في سوريا وإيران وربما لبنان من أجل أن تشتد الحاجة إليها في المنطقة، بحجة إطفاء الحرائق وتهدئة الأوضاع.وقال جرار في مقدمة الكتاب إن هذا العمل الأدبي يصدر في الذكرى السنوية الأولى لرحيل منيف، وهو يتضمن أيضا شهادة لطلال شرارة رفيق درب منيف في السياسة والحياة.وقد أجريت الحوارات مع منيف بتكليف من مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، التي ارتأت أن تجري حوارا مع منيف أحد أبرز رموز النضال القومي العربي والروائي بوصفه شاهدا على عصر عربي يعيش مخاضا أليما وتحولات مفتوحة على المجهول كما أشار جرار في مقدمته