(3 من 3) إسرائيل تعاقب المرتد ولا أحد يعترض عليها! يلفت الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري في الجزء الأخير من محاضرته العلمية، التي ألقاها بالرباط يوم الأربعاء 21 أبريل 2004 إلى الحيثيات المعاصرة بخصوص تطبيق حد الردة، ارتباطا بمقتضيات المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. ويبين المدغري، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأسبق، تناقضات الهيآت والدول المدافعة عن حقوق الإنسان في ما يخص مسألة الحجاب بفرنسا، وعدم الاعتراض على موقف اليهودية والمسيحية من حكم المرتد، مشددا على أن تعليق الأحكام لظروف طارئة لا يعني تعطيلها. تعليق الأحكام لا يعني تعطيلها أول ما ينبغي أن ننتبه إليه هو ما وقع من تبدل في أحوال الأمة، وتغير في أخلاقها ودينها، فالناس اليوم إذا طبقنا عليهم أحكام الردة، وما يدخل في حكمها، قتلنا الكثير، إما بسبب الخروج الصريح عن الدين، أو بسبب المعتقدات الفاسدة، أو الإيديولوجية الكاسدة، أو ترك الصلاة مع الإصرار على الترك، أو الامتناع عن أداء الزكاة، فما بالك بالإصرار على الفواحش مثل الزنى وشرب الخمور. والأمة الإسلامية اليوم في حالة ضعف بين، وقد تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي غير قادرة على تطبيق الشريعة، وقد قامت بتعليق كثير من الأحكام الشرعية مثل حد الزنى وحد الخمر وحد السرقة، واضطرت إلى التعامل بالربا، ووافقت على ملاءمة تشريعاتها الداخلية مع القوانين والمواثيق الدولية المخالفة لها. وهي مضطرة إلى ذلك مثل من يضطر لأكل الميتة لحفظ الحياة، ثم إننا في الوقت نفسه اختلطنا بالأمم والشعوب، وبدأ الإسلام ينتشر في أوساط الشباب والشيوخ، وظهرت حركات وجماعات إسلامية مناضلة، وأصبح لها أنشطة في الداخل والخارج، واستطاعت أن تستقطب عددا من أبناء الشعوب والأمم الأخرى وتدخلها في الإسلام، وأصبح الدخول في الإسلام والخروج منه أمرا جاريا، وبالكثرة حيث لا يحصى. ولو أننا تأملنا في نشر الغزو الثقافي والتبشير المسيحي ونشاط المنظمات الصهيونية في مجالات الإعلان والنشر والسينما وما تنشره من فساد وانحلال خلقي، ووضعنا بإزاء ذلك ضعف تعليمنا ومناهجنا التربوية، وضعف العمل الدعوي في أوساط شبابنا، لعلمنا أنه من يرتد اليوم من أبنائنا إنما هو ضحية لذلك كله. ولا يجمل بنا أن يقال عنا إن المسلمين يقتلون أبناءهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ولقد رأينا كم قتلت بعض الثورات الإسلامية من أبنائها وسلسلة الإعدامات التي أتت على كفاءات وطنية عالية في تلك البلدان، وشخصيات سياسية وعلمية كثيرة بسبب توجهاتهم التحررية وأفكارهم الغربية، بالإضافة إلى الفتوى التي صدرت بإهدار دم سلمان رشدي من أجل قصة!؟، وما أحدثت من ضجة عالمية، وما تسببت فيه من تشويه صورة الإسلام في العالم. تطبيق حكم الردة بيد ولي الأمر إن فينا أفواجا من الناس ينتمون إلى الإسلام بالاسم فقط، ويعتبرون أنفسهم مسلمين، لا يقيمون صلاة، ولا يوتون زكاة، وبعضهم لا يصوم ولا يطبق شيئا من الشرع، ويرتكبون أفعالا وأفعالا، ولا ينبغي لأحد أن يكفرهم، فأحرى أن ينفذ فيهم حكم الردة، وهذه أوضاع ينبغي معالجتها بمنتهى الحكمة. وإذا كان حد الردة سيؤدي إلى نصب المشانق، وما يترتب عن ذلك من فتنة وحروب أهلية، وضرب بعضنا ببعض، فإن الأولى هو درء المفسدة وسد الذريعة وسلوك السياسة النبوية، التي سماها في صلح الحديبية العيبة المكفية، إلى أن يتقوى جانب الدين وتصلح أحوال المسلمين، مع العمل من أجل ذلك، وبذل قصارى الجهد فيه، وليس في هذا أي تعطيل لحدود الله، ولا أي إبطال لحدود الشرع أو لحكم الردة بالخصوص، وإنما هو النظر في المقاصد والتركيز على درء المفاسد وجلب المصالح، والأخذ بمآلات الأفعال، وتطبيق روح الشريعة والعمل بمبادئ السماحة والتوسعة ورفع الحرج. وهكذا نرى أننا لسنا في حاجة إلى الطعن في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تلفيق الأخبار الكاذبة والقذف في السلف الصالح. فحديث من بدل دينه فاقتلوه صحيح، وحديث لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث... صحيح، وقتل المرتد جاري به العمل من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليه أجمع السلف والخلف، وهذه الأمور لا مطعن فيها لأحد، ولكننا في الوقت نفسه، نؤكد على أن حد الردة لا ينفذه إلا ولي الأمر، وهو يفقه الأمر بفقه الواقع ويتأسى بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسير على منهجه في التدرج، وترك المباح الصرف إلى ما هو أفضل، وترك المطلوب خوفا من حدوث مفسدة أعظم من مفسدة ذلك المطلوب. هذه أمور يجب أن نتفهمها على أجمل ما يكون التفهم. المواثيق الدولية لا تسمح بتطبيق حكم الردة وهل تسمح المواثيق الدولية لولاة أمورنا بتنفيذ حد الردة؟ إذا فرضنا أنه يمكن لأحد أن يمد يده لتنفيذ حد الردة في شخص ما، وقلنا إن الأمر لولي الأمر، فهل يستطيع ولي الأمر تنفيذ حد الردة حسب المواثيق الدولية؟ أول ما يستوقفنا في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان هو المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على ما يلي: لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده، بالتعبد وإقامة الشعائر وممارسة التعليم بمفرده أو مع جماعة أو أمام الملإ أو على حدة. وهذا نص صريح في حماية المجتمع الدولي للشخص الذي يمارس حريته في تغيير دينه ومعتقده، بل إن هذا الشخص له الحق، كامل الحق، حسب هذا القانون في إظهار دينه الأصلي، أو دينه الجديد بجميع المظاهر المنصوص عليها في هذا الفصل، ولا يمكن لأحد أن يعترض عليه أو يقيد حريته. فالمسلم إذا ارتد وأصبح مسيحيا أو يهوديا مثلا، فإن بإمكانه إظهار مسيحيته أو يهوديته وممارسة شعائر دينه الجديد أمام الملأ أو على حدة، وهذا كله مخالف للنصوص الشرعية التي ذكرنا، ولكنها عهود ومواثيق التزمنا بها ووقعنا عليها. والدول الإسلامية ملتزمة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعضو في الأممالمتحدة، ويلزمها تطبيق هذا القانون، وإلا تعرضت للعقوبات الاقتصادية والانقلابات العسكرية وغيرها من الأمور التي تضرب بها المنظمات الدولية على يد كل من يحاول مخالفتها. منع الحجاب بفرنسا والكيل بمكيالين وقد كرست الاتفاقية الدولية الحقوق المدنية والسلمية بما في ذلك الفصل ,18 التي تنص على ما يلي: لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والديانة، ويشمل هذا الحق حريته في الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد باختياره، وفي أن يعبر منفردا أو مع آخرين بشكل علني أو غير علني عن ديانته أو عقيدته، سواء كان ذلك عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم. ثانيا: لا يجوز إخضاع أحد لإكراه من شأنه أن يعطل حريته في الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد التي اختارها، ثالثا: تخضع حرية الفرد في التعبير عن ديانته أو معتقداته فقط للقيود المنصوص عليها في القانون، والتي تستوجبها السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو حقوق الآخرين وحريتهم الأساسية. رابعا: تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية احترام حرية الآباء والأمهات والأوصياء القانونية عند إمكانية تطبيق ذلك بتأمين التعليم الديني والأخلاقي لأطفالهم تمشيا مع معتقداتهم. وهذا النص فيه تأكيد وتفصيل لما ورد في المادة 18 من التصريح العالمي لحقوق الإنسان. ونستحضر، عند النظر في الفقرة الأولى من هذا النص، القانون الفرنسي الأخير المتعلق بالحجاب وغيره من العلامات الدينية البارزة، التي يعلن الأشخاص بواسطتها انتماءهم الديني. ولا شك أن اللجنة الفرنسية، التي اقترحت القانون وكذلك البرلمان الفرنسي، وقفت طويلا عند هذه الفقرة، التي تعتبر التعبير العلني عن الديانة والعقيدة حقا من حقوق الفرد، سواء كان ذلك عن طريق العبادة أو التقيد أو الممارسة أو التعليم. ولا شك أنهم يعلمون أن ارتداء المرأة المسلمة للحجاب داخل في الممارسة الدينية، التي ينص عليها هذا القانون، إلا أنهم تمسكوا دون شك بالفقرة الثالثة التي تقيد هذا الحق بالقيود المنصوص عليها في القانون، أي تلك التي تستوجبها السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو حقوق الآخرين وحريتهم الأساسية. ونحن في نظرنا، لا نرى وجها لمنع المرأة المسلمة المقيمة في فرنسا أو غيرها من ارتداء الحجاب، لأنه نوع من التعبير العلني عن الديانة، ونوع من ممارسة الدين طبقا للفقرة الأولى من هذه المادة، وليس فيه مس لا بالسلامة العامة أو الأخلاق أو حقوق الآخرين أو حريتهم الأساسية. وإلا فلتمنع فرنسا الراهبات والرهبان من ارتداء زيهم الديني خارج الكنائس، وليمنعوا اليهود من وضع الكيبا على رؤوسهم . وتمسك فرنسا بهذا القرار سيجعل بإمكان الحكومات الإسلامية أن تتمسك بغيره مثل حكم المرتد، الذي يجاهر بردته، لأنه يمس فعلا بالسلامة العامة والنظام العام، لا سيما وأن احترام الشعائر الدينية في الدول الإسلامية تعد من النظام العام. ولكنهم يريدون أن يطبقوا مبدأ حلال علينا حرام عليكم، أنتم لا يمكنكم الحديث عن المرتد لأن المواثيق الدولية تحرم ذلك، أما نحن فوضع المرأة المسلمة للحجاب يمنع بالقانون. وهذا نوع من العدوان، الذي له مخلفات وآثار لا يمكن حصرها، ولكنها في يوم من الأيام لها ردة فعل تظهر في وجه ثورة إرهاب، إذ لا يسهل على الأمة أن تهينها في دينها. في 1844 هاجم اللورد سترافورد الشريعة الإسلامية بشدة لكونها ستعاقب كل مسلم مرتد، وقال لرفعت باشا الوزير العثماني: إذا كنتم ترغبون في البقاء بأوروبا، فإنه لا يمكنكم ذلك إلا بشرط وقف إراقة الدماء التي تسيل باسم الدين!. وأخذا لهذا الاعتراض الغربي بعين الاعتبار لم تدرج الدول العربية في قوانينها الجنائية تدبيرا جنائيا يعاقب على الردة باستثناء القانون الجنائي السعودي س,1991 الذي يعاقب على الردة بالقتل، والموريطاني، الذي يذهب بعيدا بالتنصيص: كل شخص راشد يرفض أداء صلاة مع إقراره بوجوبها يدعى إلى قضاء صلاته، إلى حدود وقت صلاة الفرض المتعين عليه، وإذا أصر على الرفض إلى نهاية هذا الأجل يعاقب بالإعدام ردة وتستصدر أمواله لفائدة الخزينة العامة. من وسائل مواجهة التبشير المسيحي وتجب الإشارة هنا إلى أن موقف القانون الجنائي المغربي، الذي يعاقب فقط من دعا مسلما إلى الردة، ولا يتحدث عن المرتد نفسه، وذلك في الفصل 220 من الفقرة الثانية، فهو يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 500 درهم كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسة التعليم والصحة أو الملاجئ،. وهذه عقوبة واضحة، ولكننا لا نستغلها، فهناك من يستنكر التبشير المسيحي، ولكن لا أحد التجأ إلى وكيل الملك وقدم طلبا لتطبيق هذا الفصل في من يمارس التبشير، وهذه إحدى وسائل مواجهة التبشير، لأن القانون الجنائي المغربي واضح في هذا. إن غياب قوانين جنائية تعاقب على الردة في قوانين معظم الدول الإسلامية لا يعني أن الردة معفو عنها، والواقع يشهد أن هذه الدول محرجة جدا أمام شعوبها، وتلجأ إلى تنفيذ عقوبة الإعدام في إطار الشرع واستنادا على السلطات الواسعة المخولة لرئيس الدولة، ولا سيما إذا كان رئيس الدولة يتمتع بسلطات دينية، مثلما هو الحال في المغرب، الذي يعتبر ملك البلاد أميرا للمؤمنين، وتخوله هذه الصفة إصدار الأحكام باسم الدين في الظروف التي يتعذر عليه فيها إصدار أحكام باسم القانون. ولذلك يخلص الدارسون أنه ليس من الضروري أن يكون بين أيدينا قانونا مكتوبا حتى نستطيع معاقبة المرتد، ولدينا مشاريع دساتير قدمت لمنظمة المؤتمر الإسلامي والأزهر الشريف وجامعة الدول العربية ومن عدد من المؤسسات والجهات، وموقفها موحد من حكم المرتد، وهي رهن إشارة كافة دول العالم الإسلامي، وهذه المشاريع كلها تكرس هذه العقوبات. وهذا يدل على أنهم أدركوا خطورة الردة على المجتمع وعلى عقيدته وأخلاقه، وأن الأمر لا يتعلق بالإكراه الديني، بقدر ما يتعلق بتخليص المجتمع من شخص أصبح يتنكر إلى الوشائج الدينية والثقافية والأخلاقية التي يبني عليها المجتمع نظامه. حكم المرتد في اليهودية والمسيحية ثابت والغريب في الأمر أن قوانين إسرائيل تعاقب المرتد، وتعاقب من يدفع المال ويقوم بمختلف الإغراءات لحمل مواطنيها على تغيير دينهم والخروج عن اليهودية لاعتناق ديانة أخرى، ولكن لا أحد يعترض على إسرائيل، فأين هي المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان؟ وأين الأممالمتحدة والهيئات التابعة لها؟ وأين الإعلام المدافع عن حرية الفكر والحرية الدينية؟ والحقيقة أن الحملة موجهة نحو الإسلام وحده، ولا يرتفع صوت للتنديد بإسرائيل، وكذلك الشأن بالنسبة للكنيسة، فقد عاقبت عبر تاريخها المرتدين بالقتل والإحراق، بل كان الكاثوليك يعتبرون البروتستانت مرتدين وهو ما يعرف في تاريخ الكنيسة ب ردة الكنيسة. وعندما كانت الكنيسة سلطة تتحكم في الملوك والأمراء وتملي سياسة الدول، ولها الكلمة الفصل في سن القوانين وتنفيذها، كانت تقتل من بدل دينه وتحرقه، وما سكتت إلا عندما لم يعد لها من الأمر شيء، بعد أن تم تركينها وتهميشها من طرف الدول اللائكية. إن جميع هذه الاعتبارات يجب استحضارها في الموقف من عقوبة المرتد ومن الإكراه الديني، ونحن قبل ذلك وبعده، من دعاة حقوق الإنسان والمدافعين عنها، ونعتبر ديننا سباقا إلى حمايتها، ومانعا للإكراه الديني في شريعته قبل منعه في المواثيق الدولية. انتهى إعداد: عبدلاوي لخلافة