من جديد نتابع ملف ما يعرف بالإصلاح في قمة تونس، وهو الملف الذي تسبب إلى حد في تأجيلها بتلك الطريقة الدرامية التي تابعناها قبل شهرين. ولعل ما يثير الحزن في هذا الملف هو أن أحداً لا يريد الإصلاح العملي، بقدر ما يسعى جاهداً إلى إبقاء الحال على حاله وإن بإخراج جديد. ونتحدى أن يكون هناك نظام عربي واحد يتحدث عن إصلاح يصل حدود التداول السلمي على السلطة والحرية الكاملة للتعبير، والحماية الحقيقية للمجتمع المدني، إلى غير ذلك من الأسس المعروفة للبناء الديمقراطي. لا الرافضون للإصلاح بالطريقة الأمريكية يريدون التغيير، ولا الموافقون عليه أو المبشرون به يريدون ذلك، بدليل أن أهم دولة رفعت الشعار هي الأسوأ في مجال انتهاك كل أسس الديمقراطية، اللهم إلا شكلها الخارجي من حيث وجود أحزاب وبرلمان وانتخابات يفوز فيها الحزب الحاكم بنسب أصوات لا تحدث في أي مكان في العالم، ولا تسأل عن السجون والمعتقلات وأوضاع الصحافة الموغلة في البؤس!! ما يطالب به الكثيرون هو الاستجابة العملية لجوهر الإصلاح الأمريكي ممثلاً في القبول بالسياسات الأمريكية في المنطقة والتغاضي عن مجريات النزاع مع العدو الصهيوني ومن ثم التطبيع المجاني معه، فضلاً عن التراجع أمام استحقاقات الاحتلال الأمريكي للعراق، وصولاً إلى مطاردة الدين في المجتمعات العربية والإسلامية بوصفه مناهضاً للديمقراطية وحقوق الإنسان ومنتجاً للإرهاب. والخلاصة هي تطبيق سياسة تجفيف الينابيع التي ابتكرها ذلك النظام العربي المشار إليه. من هنا كان من الطبيعي أن يتعاطف المواطن العربي مع رافضي الإصلاح على الطريقة الأمريكية، حتى وهو يدرك أنهم يرفضون أيضاً الإصلاح بالمعنى الحقيقي الذي يريده هو ويسعى إليه، إذ أن تساوي الجميع في إدارة الظهر للإصلاح الحقيقي يجعل رافضي الإملاءات الأمريكية أقرب إلى روح الجماهير، حتى وهي ترفض الجانب الآخر من سياستهم، مع التذكير بأن الكلام هاهنا نسبي، لأن الذين يروجون للمطالب الأمريكية ليسو سواء، تماما كما أن الأنظمة ليست سواء في مستوى التعاطي مع عناوين الإصلاح الحقيقي. لا جديد إذن في القمة، فلا أحد سيلتزم بما ورد في توصياتها، باستثناء ما هو ملتزم به أصلاً، ويبقى ما يتعلق بذلك اللون من المواقف التي تشير إلى تراجع جماعي، كما هو حال البند المتعلق بإدانة العمليات ضد المدنيين دون تمييز، في إشارة واضحة للعمليات الاستشهادية ضد المحتلين الصهاينة، الأمر الذي يشير بدوره إلى نجاح الأصوات التي طالبت بذلك مراراً. ولعل ما يغيظ في هذا البند هو مجيئه في ظل الهجوم الشاروني البشع على الفلسطينيين في غزة والضفة وبعد موجة الاغتيالات للقادة الذين لم تجف دماؤهم بعد، ما يؤكد أن طلباً أمريكياً واضحاً قد وضع على طاولة القمة بهذا الشأن، وذلك بهدف قطع الطريق على محاولات المقاومة الثأر لدماء القادة ومن ثم دفعها نحو التوقف الكامل عن أي أعمال من هذا النوع في المستقبل بوصفها تخالف الإجماع العربي!! تبقى الدراما التقليدية التي أدمن العقيد القذافي على تقديمها على مسرح القمة كل مرة، وهذه تحتاج وقفة أخرى، تماماً مثل الجولات السابقة التي تضطر المرء للتوقف عندها ولو مكرهاً!! ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني