من الواضح أن ما جرى في مصر سيترك آثاره على مختلف دول المنطقة. لا نعني هنا نتيجة الانتخابات التي لن تغير كثيراً في ديمقراطية الديكور المعتمدة في العالم العربي، حيث تصرخ المعارضة بقدر معلوم، وإن تجاوزته في بعض الأحيان، بينما تفعل السلطة أو الحزب الحاكم ما يريد في ظل توفر غالبية مريحة لأي قرار سياسي حتى لو كان مخالفاً لتوجهات الغالبية الساحقة من الناس. وما الهوس الذي أصاب السلطات المصرية خلال الجولة الثانية والثالثة إلا بهدف الحيلولة دون وصول المعارضة إلى نسبة الثلث من المقاعد، الأمر الذي يهدد قدرة الحزب الحاكم على تمرير التغييرات الدستورية التي يريد. الذي نعنيه هنا هو وقائع ما قبل الانتخابات ممثلة في ذذلك الحراك السياسي الذي دفع النظام المصري إلى توفير الأجواء لنصر من هذا النوع للمعارضة، مع العلم أنه لم يكن ليعدم الوسيلة لترتيب نتيجة أخرى كما فعل من قبل، اللهم إلا إذا اعتقد بعض السذج أن الإخوان المسلمين قد حصلوا على حصتهم الحقيقية في المرة الماضية بفوزهم بسبعة عشر مقعد لا أكثر!! لقد تابعنا خلال الشهور الأخيرة فصولاً من النقد العاصف تجاوز كل الخطوط الحمراء وجهته المعارضة للنظام من رأسه حتى أخمص قدميه، وكان طبيعياً أن يترك آثاره على أي نظام عربي، فما دفع المواطن المصري والنخب المصرية إلى هذا المستوى من الاحتجاج ما زال يتوفر في مختلف الدول العربية، ما يعني أن ما جرى يمكن أن يتكرر في عواصم كثيرة. من هنا كان لا بد أن نتابع أصداء الحدث المصري في الدول العربية الأخرى، ومن ذلك ما جرى ويجري في تونس من احتجاجات متواصلة على عسكرة المجتمع ومن ثم على جهر النظام بالتطبيع مع العدو، وقد تابعنا ذلك الإضراب المفتوح عن الطعام لمجموعة من قادة الأحزاب والنقابات، وهو إضراب غير مسبوق إذ أنه يتم من أناس خارج المعتقل احتجاجاً على الأوضاع المزرية لحقوق الإنسان وتضامناً مع معتقلين سياسيين، فيما تبع الإضراب تحالف إصلاحي شمل العديد من الرموز من مختلف التوجهات بمن فيها الإسلامية. القرار الإماراتي بتشكيل مجلس للشورى ينتخب نصف أعضائه قد يدخل في ذات السياق أيضاً، وقبله الانتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية، والأهم ما جرى في اليمن، حيث مشروع الإصلاح السياسي الذي طرحته قوى المعارضة وطالب بتعديلات دستورية تمس منصب الرئيس وطريقة تشكيل الحكومات. ما يجري وسيجري في العواصم العربية لا صلة له البتة بالضغوط الأمريكية في ملف الإصلاح، لاسيما وأنها ضغوط لم تعد متوفرة، وقد قيل إن شارون قد أقنع جورج بوش بأن مسار الإصلاح سيأتي بأعداء الولاياتالمتحدة والدولة العبرية، وفي العموم فإن لعبة الإصلاح ستبقى قائمة ولكن في سياق الابتزاز وليس في سياق الضغط باتجاه الإصلاح الحقيقي، وقد رأى البعض أن تمرير النظام المصري لما جرى في الانتخابات ربما كان نوعاً من تنفيس الضغوط في هذا الاتجاه، وإن بدا أن هذا الطرح ينطوي على إحسان الظن بالوضع القائم في مصر، الأمر الذي تنفيه المعطيات السياسة الأخرى داخلياً وخارجياً. من هنا يمكن القول إن التعويل على الضغوط الخارجية من أجل دعم مسيرة الإصلاح لا يبدو مجدياً، ولا مجال إلا لتكرار النموذج المصري القائم على تحريك الشارع في مواجهة استمرار لعبة الديمقراطية الشكلية وإبقاء كل شيء على حاله بموازاة تقديم التنازلات للخارج في الملفات الحيوية للأمة من أجل تكريس الدكتاتورية في الداخل كما حصل ويحصل مع النظام التونسي.