لم يكن رشيد حميد والي الفقيد الأول الذي ودعته الجزيرة في العراق، وربما لن يكون الأخير إذ إن رشيد رحمه الله أصبح شهيد الجزيرة الثاني في العراق بعد الشهيد طارق أيوب رحمه الله في ظرف نحو عام واحد. جاء استشهاد الزميل رشيد (44 عاما) إبان تواجد فريق الجزيرة مع مراسلها عبد العظيم محمد في مدينة كربلاء وفور انتهائه من النقل المباشر تحدث فيه عن آخر الأحداث والتطورات في كربلاء والمواجهات الدائرة بين جيش المهدي وقوات الاحتلال الأميركي. بعد الانتهاء من البث كان رشيد رحمه الله يتواصل مع زميله المصور ليث عاصم وطاقم جهاز البث بإدارة الأستاذ سيف محمد. ورغم علم معظم أهل المدينة وقوات الاحتلال الأميركي بوجود فريق الجزيرة في فندق خدام الحسن في مدينة كربلاء منذ عدة أيام فإن الرصاص الذي أودع رأس الشهيد كان أسبق إلى خروج الروح إلى خالقها من تقديرات ومعرفة الأميركيين بالمكان. وقد طالت الطلقات المرحوم رشيد وهو على سطح الفندق في كربلاء كما طالت من قبل الشهيد طارق أيوب وهو على سطح مكتب الجزيرة في بغداد مما أدى إلى استشهاده على الفور. وقد بقي الفقيد مدة تزيد على ست ساعات بعد استشهاده من غير أن يستطيع أحد الوصول إليه. ونظرا لاستمرار القصف الأميركي وتطويق الآليات الأميركية للفندق لم يتمكن فريق الجزيرة من نقل رشيد إلى المستشفى. تولى رشيد حميد أو المنقذ كما يحلو لزملائه تسميته بنفسه إيصال المدد والطعام لفريق الجزيرة العامل في الفلوجة أيام حصارها الخانق إذ كان الوصول إلى داخلها يعد ضربا من الخيال حيث كانت لجهوده الدور الأكبر في إيصال صور الفلوجة إلى العالم. مسيرة حافلة التحق رشيد بركب الجزيرة في مارس/ آذار من العام الماضي لكن قصر المدة لم يحل دون مسيرة حافلة اعتقل خلالها على يد قوات الاحتلال الأميركي لمدة ثلاثة أيام لم يؤرقه فيها غير هم أطفاله الستة الذين أبكاهم اليوم فقد أبيهم وأرقهم من تلطخت يداه بدمائه. وقد كان الفقيد معرضا للموت أكثر من مرة في إطار عمله في الجزيرة كما هو حال جميع زملائه. فقد عمل الشهيد في أيام الحرب على العراق في مدن الجنوب وتحديدا في البصرة، وبعدها كان ملازما لمدير عام قناة الجزيرة وضاح خنفر الذي كان يومها مديرا لمكتب بغداد. ورغم أن الفقيد بقي مستقرا في العاصمة فإنه بقي دائم الترحال إبان تلك الفترة حيث كان قبل استشهاده في البصرة وقبلها في السليمانية. وقال رشيد قبل أيام من استشهاده إن عمله في الجزيرة يعد عملا مشرفا وإنه وإن كان لديه ستة أطفال ويعرف تمام المعرفة أن عمله يعرض حياته للموت وأبعده عن أطفاله وزوجه بيد أن التواصل مع الجزيرة يعد ضرورة وأنه من الشهامة أن يكون الرجل مع مثل هذه المحطة وأن لا يدعها في أحلك الظروف حسب ما يقول. ويبقى عمل الإعلام في العراق وجها لوجه أمام الموت، لكنه موت يليق برشيد لأنه وبلا شك موت يصنع الحياة بل ويقترن بها. لم يمت رشيد ولا أي من شهداء الإعلام في هذا البلد، فمجانية الموت التي حولتها قوات الاحتلال إلى مشهد يومي في كل مدينة علمتهم أن يموتوا من أجل أن يصنعوا الحياة. عامر الكبيسي- بغداد