من أي حزن تبدأ الكلمات معراج الصعود إلى جبينك أيها القديس في زمن البطولة والشهادة. من أي قهر يبدأ الأبطال رحلتهم إليك وأنت قافية الشهادة والبسالة والصمود. يا صانع الشهداء والأمراء دعنا نقتفي أثر البطولة في هدير الموج إذ يأوي إليك لكي تعلمه الرجولة في مواجهة الصخور . يا صانع الشهداء .. هل ودعت صحبك ثم أودعت الأمانة في عيون الساهرين على المآذن يحرسون شموخها ويشربون ندى المصاحف في المحاريب التي بايعتك على الشهادة كي تظل القدس معراج الرحيل إلى الخلود. يا صانع الشهداء.. ما فعلت بك الأيام من سجن إلى سجن ومن منفى إلى منفي، وهل تعبت مراكبك العتيقة من هدير الشوق للأبرار ممن ودعت عيناك في درب الشهادة؟ دعنا نبايع فيك إحدى الحسنيين فما خرجت إلا طلباً لهما فأدركتهما معاً بانتصار دمك على سيفهم، وبرايتك التي ستزداد شموخاً باستشهادك. ( 2 ) "يا رنتيسي ارتاح ارتاح .. إحنا نواصل الكفاح"... هكذا هتفوا في وداعك يا سيد الرجال.. تماماً مثلما علمتهم طوال سنين. أنت الذي لم تفارق يدك سواعدهم إلا سجيناً أو مبعداً أو هدفاً تطارده الصواريخ بلا هوادة. أنت الذي كنت صوتهم ورايتهم وعشقهم الفلسطيني. أنت الذي كنت سر العنفوان وروعة الإيمان. أنت الذي لم تعرف روحك الوهن أو الانكسار. أنت الذي كان شموخك سر شموخهم، والتحدي في عينيك سر صمودهم. أنت الذي لم تقل لهم يوماً إن الغزاة أكثر قوة وعتاداً حتى وهم يملكون أقوى ما على الأرض من عتاد. هم يطالبونك بأن ترتاح الآن. وقد آن لك أن ترتاح. ففي فلسطين جحافل من الرجال الذين سيحملون الراية ويواصلون المسيرة. من قال إن هذه الأرض الطاهرة التي رويتها بدمك ستتوقف عن إنجاب الأبطال؟ من قال إن فلسطين بكل هذا الطهر وهذا الشموخ والعنفوان ستخون روعة دمك وتستكين للغزاة كما يتوهم خنزيرهم؟ إنها فلسطين. كانت طاهرة ورائعة من قبلك. وستظل كذلك من بعدك، لأن في رحمها أبطال بلا عدد سيبرزون للغزاة من كل فج عميق. لك أن ترتاح الآن يا سيد الرجال .. لك أن تلتحق بإبراهيم وصلاح والشيخ الجليل الذي سبقك بأسابيع قليلة. ستلتقون هناك وتسترجعون المسيرة من لقاء التأسيس وحكايات السجون والسكينة الأولى والبندقية الأولى والاستشهادي الأول وصولاً إلى لحظة الانفجار لكل واحد منكم. سيروي كل واحد منكم ما فات الآخر من الحكاية، وحين يكثر التكرار ويرين الصمت سيطل عليكم شهيد جديد بحكايات لم تشهدوها . لك أن ترتاح الآن . ستقول كما هي عادتك إنك لم تتعب. ولكن ماذا عن الأحبة الذين اشتاقوا إليك ونادوا عليك وما كان لك أن تخذل نداءهم. ثم إن الشهادة اشتاقت إليك كما اشتقت إليها. لا تقلق على الراية ولا على الانتصار. لقد انتصرت غزة وهاهو الغازي بصدد الفرار منها. ثم إن دمك قد انتصر على سيوفهم. ألا يكفيك ذلك؟ ( 3 ) يا الله ما أجملك محمولاً على الأكتاف والقبضات تبايعك. يا الله ما أجملك وأنت مضرج بدمك وعيناك تبعثان الطمأنينة في قلوب المؤمنين بنصر الله رغم القهر. يا الله ما أجملك وأنت ترتاح على الأكتاف مثل مسافر آوى إلى ظل ظليل. يا الله ما أجملك وأنت على الأكتاف تقود الركب وتوجه الجمع وترسم المسار. يا الله ما أجملك وأنت على الأكتاف سيداً عذبا تعانقك الأكف والأحداق. يا الله ما أجمل وأنت على الأكتاف معلماً يتلو على الجموع سورة الإسراء وتراتيل الرجولة والصمود. يا الله ما أجملك على الأكتاف تخطب في الجموع كما كنت دائماً، لكنك اليوم كما قال الخطيب في جنازة القسام "أخطب منك حياً". سلام عليك شهيداً سيداً وعلى من مضى قبلك وسار على دربك إلى يوم الدين. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني