"سهام بن سدرين الصحافية والناشطة الحقوقية التونسية ل"لتجديد":حرية الصحافة تعاني في الوطن العربي على هامش المؤتمر السنوي الثالث لالمنظمة العربية لحرية الصحافة الذي عقد بالدار البيضاء طيلة الأيام الأولى من الأسبوع الماضي (3 4 5 6 ماي)، التقت التجديد السيدة سهام بن سدرين الصحافية والمناضلة التونسية المعروفة، وكان لنا معها الحوار التالي: كيف هي الحالة الصحية لحرية الصحافة في الوطن العربي من وجهة نظركم؟ من الصعب القول إن درجة حرارة حرية الصحافة في الوطن العربي هي موحدة، بل هناك تفاوتات بين دولة ودولة، وإن كانت جميع الدول تشترك في كونها تضيق على حرية العمل الصحافي بطريقة أو بأخرى. ومن المسلم به أن الكثير من الحكومات العربية تلجأ إلى شد الخناق على الصحافة، لأنها مجال لصنع الرأي العام، وربطه بقضاياه التي تهم مختلف جوانب حياته اليومية. وهي لأجل ذلك تشكل مصدر إزعاج للسلطة التنفيذية التي تريد الحفاظ على مصالحها من خلال إظهار أن الأمور على ما يرام، وليس هناك أي سلبيات في التسيير الحكومي، وهذا يتناقض كلية مع الدور المفترض للصحافة. وحتى في الجزائر، التي يظهر أن الصحافة فيها هي صحافة قوية وجريئة، فهي الأخرى تعاني الكثير من المضايقات المباشرة أو غير المباشرة التي يحدثنا عنها الزملاء الصحافيون الجزائريون... وهكذا فحالة المعاناة هي حالة معممة في الوطن العربي، والصورة هي بالشكل غير المقبول، خاصة في هذا العصر المتطور. وبالنسبة لتونس.. أولا لا بد من الإشارة إلى أن القاعدة التي يبدأ الإنسان في تعلمها من خلال ممارسة العمل الصحافي، هي أنه لا يوجد شيء اسمه مستحيل يصعب مقاومته في اتجاه الإصلاح. لذلك بالنسبة لتونس، من المهم أن نعرف بعض التفاصيل المرتبطة بالموضوع حتى نستطيع الحكم على المجال الصحافي عامة في هذا البلد العربي. في هذا السياق، أشير إلى أن الصحافة عرفت تطورا ملحوظا نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي. هذا التطور كان من نتائجه تقوية الجسد الصحافي في تونس، بحيث رأينا أن جمعية الصحافيين بدأت تتكون وتعرف طريقها نحو النور، وتحاول أداء دورها بالشكل المطلوب، كما هو الحال في باقي الدول. لكن منذ مجيء الرئيس زين العابدين بن علي، بدأ كل شيء في الانهيار، وأصبحت الحياة الصحافية متأزمة بشكل عام. فقد فرض النظام الجديد رقابة شبه مطلقة على الصحف التونسية التي كانت تصدر حينئذ، ومنع إصدار كل الصحف الحرة المستقلة التي تؤدي وظيفتها بعيدا عن أي شكل من أشكال تدخلات وزارة الداخلية... وبالمقابل فتح الباب على مصراعيه أمام الصحف الموالية للنظام الجديد، والصحف التي تبدو مستقلة ظاهريا، لكن في حقيقتها هي منشورات يديرها الأمن التونسي مباشرة... هذه المعادلة الجديدة فرضت وضعا مأساويا على الصحافيين التونسيين، بحيث اضطر الكثير منهم للجوء إلى الصحف الرسمية حفاظا على أنفسهم أو تحويل مهنتهم إلى مهن أخرى (محامون، مدرسون...)، كما اضطر آخرون للجوء للخارج، في حين بقيت قلة قليلة صامدة في الداخل، تقاوم هذا الوضع الصعب، وتناضل من إجل إعادة الحياة لحرية العمل الصحافي، خاصة وأن نقابة الصحافيين التونسيين (الجمعية الحرة للصحافة)، التي يفترض فيها أن تدافع عن حقوق الصحافيين، غدت مؤسسة تهاجم الصحافيين المستقلين، وترفض الدفاع عنهم في حالات اعتقالهم وتعرضهم لسوء ما. وبصفة عامة، إن موضوع حرية الصحافة في تونس هو موضوع مؤجل إلى أجل غير مسمى، بالنظر إلى الممارسات المناقضة لحرية العمل الصحافي الموجودة حاليا، لدرجة أنني يمكن أن أؤكد لك أنه لا توجد في بلادنا ولا صحيفة واحدة مستقلة.. وهذا أمر خطير جدا.. إذا انتقلنا أستاذة سهام إلى الحديث عن الجسم الصحافي، ألا ترين الآن أنه جسم مشتت، بحيث إن المؤسسات المفترض أن تدافع عنه لا تقوم بدورها المطلوب، ودائما نرى الصحافيين يوجهون الانتقادات إلى الحكومات دون فرض آلية للنقد الذاتي تصحح الأوضاع داخل الجسم الصحافي ذاته؟ أولا أؤكد أن أهم شرط لوجود جسم صحافي قوي هو وجود صحافة مستقلة... ونحن في تونس متيقنون من هذه الحقيقة، فنحن كما قلت لك ليس لدينا صحافة مستقلة، وهذا أثر سلبا على الصحافيين الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها مشتتين... فإذن قوة الصحافة هي في قوة الصحافيين أنفسهم. وهنا أود أن أشير إلى أن حرية الصحافة ليست أمرا مختزلا داخل الجسد الصحافي نفسه، بل هي قضية المجتمع كله بمختلف اتجاهاته الفكرية والسياسية... إذ إن قوة الصحافة هي قوة للمجتمع عامة، فهي عنوان للديمقراطية، وحرية الرأي، وحرية التعبير، ومؤشر على أن النمو الحضاري هو في الطريق الصحيح... لكن وجود صحافة ضعيفة تستر الحقائق، وتبرز للناس وجهة نظر واحدة، هو على العكس من ذلك تماما عنوان للتخلف الحضاري، وعنوان للاستبداد، لأن الناس تفقد حرية التعبير عن رأيها، وتفقد حقها في المعلومة والخبر... ومن هنا على الصحافيين المستقلين أن يتحدوا، ويكونوا جبهة لمقاومة كافة أشكال القمع، وهذا هو الحل الأوحد... تحدث الجميع عن الأزمة التي أصبح يعاني منها العمل الصحافي بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر، وبعد أحداث إرهابية وقعت في عدد من الدول العربية... بحيث ظهرت في بعض هذه البلدان إما قوانين تنسجم مع إعلان حالة الطوارئ، أو قوانين لمكافحة الإرهاب... وكلها أثرت بشكل أو بآخر على العمل الصحافي عموما... ما تعليقك على هذا الأمر؟ هنا أؤكد أن هذه الأزمة هي حقيقة واقعة، وإن كانت نسبتها تتفاوت من دولة لأخرى. والأمر لا يتعلق فقط بالدول العربية، بل يتجاوز ذلك إلى كثير من الدول الأجنبية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وبريطانيا، بحيث تم استغلال الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب للتضييق على عمل الصحافيين، وفرض قيود صعبة على طريقة عملهم.. وهنا أحب أن أشير إلى أن هناك مشكلة أخرى يعرفها العمل الصحافي عموما، وهي مشكلة الكيل بمكيالين: بحيث نجد الكثير من الصحافيين يعبرون عن فكرة ما ويدافعون عنها بقوة، وبعد فترة قصيرة يتغير فيها المكان والزمان، يدافعون عن فكرة مناقضة للفكرة الأولى... وهذا أمر خطير جدا، لأنه من غير المقبول أن يكون بعض الصحافيين بهذه الأفكار... آمل أن يتحد الصحافيون عبر الوطن العربي، ويسعوا إلى تحقيق ظروف عمل جيدة للصحافيين كافة، وأعتقد أن هذا ممكن، وسيأتي يوما ما... أحب من أحب، وكره من كره.. حاورها: أحمد حموش بن سدرين.. التونسية المغضوب عليها اسمها سهام بن سدرين، صحافية معروفة في الوطن العربي وفي العالم عموما بسبب نضالها من أجل تحقيق حرية الصحافة في تونس وفي العالم العربي، إلى جانب كونها ناشطة حقوقية. تعتبر بن سدرين من الأعضاء المؤسسين لالمجلس الوطني للحريات بتونس، غير المعترف به من لدن الحكومة، والناطقة باسمه حاليا. وهي كذلك تشغل منصب الكاتب العام لالمراقبين من أجل الدفاع عن حرية الصحافة، ومديرة الصحيفة الإلكترونية كلمة الممنوعة في تونس. وقد كان ثمن مواقفها المناهضة لقمع الحريات عامة المعاناة من المراقبة والمتابعات والاعتداءات والسجن. ونظرا لتاريخها النضالي المهم، تسافر سهام بن سدرين إلى كثير من دول العالم للمشاركة في الندوات التي ترتبط بالصحافة عموما، ولإلقاء محاضرات حول الحريات الصحافية في تونس وفي الوطن العربي عامة. السيدة سهام بن سدرين متزوجة من ناشط حقوقي عانى هو الآخر من السجون والاعتقال هو عمر المستيري، رئيس المجلس الوطني للحريات في تونس، ولها ثلاثة أبناء.