عاد الحديث مجددا عن التنسيق الأمني، وخاصة مع انطلاقة الانتفاضة الثالثة في فلسطينالمحتلة، بصراحة التنسيق في حد ذاته لا عيب فيه كآلية لحل مشاكل أمنية أو غيرها، فهناك تنسيق سياسي بين أحزاب المعارضة لإسقاط حكومة، يقابله تنسيق أحزاب الأغلبية لدفاع عن منجزاتها، طبعا تكون الوسيلة هي الديمقراطية حيث الاحتكام في النهاية لصناديق الاقتراع، وعلى الصعيد الدولي هناك تنسيق بين دول كاملة السيادة، فيما يخص تأمين حدودها من الإرهاب العابر"للقارات" أو ضد تهريب المخدرات والبشر، المهم التنسيق الأمني هنا بين دول مستقلة، ففي هذه الحالة التنسيق الأمني لا غبار عليه، فنحن لا نعيش في جزر معزولة، لكن الإشكالية هي عندما يكون التنسيق في ظل الإحتلال، فالفلسطينيين اليوم منقسمين حول تحديد دلالات هذا المصطلح ، فهناك من يعتبره خروجا عن الصف الوطني، وآخرين يعدونه إنجازا وطنيا مكن السلطة من التحرك على الصعيد الدولي لشرح قضيتهم، كما أنه فوت الفرصة على الصهاينة لضرب الجميع تحث ذريعة"الإرهاب". بداية لابد من التذكير بأساليب الإستعمار في القرن الماضي، فالتاريخ سجل بمداد من خزي تعاون بعض الخونة مع المحتل، فعندما تسقط دولة في قبضة المستعمر يلجأ هذا الأخير إلى "الأعيان" أو الملاء من القوم أي الطبقة الغنية المتنفذة، فيبرم معها عقود تجارية ويعطيها امتيازات اقتصادية مثلا: "استيراد وتصدير بعض المواد الفلاحية، و تمكين أبنائهم من السفر للخارج قصد التجارة أو الدراسة.."، مقابل التنسيق الأمني معه والعمل على شل حركة المقاومة الوطنية المسلحة التي تكافح من أجل نيل الإستقلال و طرد المستعمر، فيبدأ التخابر مع العدو بالوشاية وإرشاد جنوده إلى مخازن السلاح والرجال، قصد إفشال كل عمليات المقاومة المسلحة، فيكون دور "أعيان" البلد هو العمل على ضبط الأوضاع أمنيا ، وهكذا يخلو الجو للمستعمر كي ينهب ثروات الوطن بكل سهولة، فالمستعمر هنا قام بربط مصالحه مع هذه الشرذمة المنسلخة من وطنيتها، فهذه وسائله الخبيثة بالأمس واليوم لضرب الشعوب من داخلها وحرمانها من نيل استقلالها، لقد عانت كل الدول الإسلامية والعربية من الإستعمار الغربي في القرن الماضي. واليوم نقف أمام نفس الأسلوب الاستعماري بفلسطينالمحتلة، فالمحتل الصهيوني يعطي بعض الإمتيازات لشخصيات فلسطينية معروفة، والسؤال المحرج هنا هو مقابل ماذا تمنح هذه" الإكراميات"؟، لقد كشفت لانتفاضات المتتالية لشعب الفلسطيني وجه الإحتلال البغيض، ونتذكر اليوم بكل حسرة وألم الزعيم التاريخي لحركة"فتح"، القائد الشهيد أبو عمار أو"الختيار" كما يحلو للبعض تلقيبه، كان يحمل غصن الزيتون الأخضر في يد وبندقية ثائر في اليد الأخرى، وهذا الأسلوب ينفع مع هذا العدو المتغطرس، يعني أن المفاوضات مع العدو الصهيوني لا تلغي فرضية اللجوء إلى حمل السلاح من جديد، لكن مع الأسف جاء من بعده من يعتبر المفاوضات خط استراتيجي وحيد لا بديل عنه مهما كانت الظروف، والتنسيق الأمني"مقدس" وخط أحمر غير قابل لنقاش، وظهرت قيادات تفتخر بكونها لم تطلق رصاصة واحدة على المحتل طيلة أيام "كفاحها"المجيد كتعبير عن حسن نية، إنه عين الحمق أن ينسق من يريد تحرير وطنه مع من يحتل هذا الوطن، اللهم إن كان يريد تأبيد هذا الإحتلال "المبارك"، فالأولى أن تنسق القيادة المناضلة مع الفصائل الوطنية والإسلامية لضرب المحتل، وتفعيل الإنتفاضة ودعمها بالسلاح وتأيدها سياسيا وإعلاميا بدل نعتها ب"الهبة" وهي تدخل شهرها الرابع، إنها انتفاضة الشعب الفلسطيني الموحد في الميدان، وخير دليل على ذلك هي أعلام كل الفصائل الحاضرة في الإشتباك مع المحتل عند نقاط التماس وكذلك عند تشيع جنائز الشهداء، فهذا هو التنسيق المقدس والخط الأحمر هو المس بالمسجد الأقصى وليس ب"التنسيق الأمني". الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للأسرى. بالمعطي أش ظهرليك فالمتعاون مع العدو؟ أولدي أيام الكفاح ا فاش كنت شاب هداك كنقتلوه حيت خاين.