يؤكد الدكتور تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي بالرباط، ورئيس منتدى 21 للحوار والتنمية أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة يمارس نوعا من المجاملة غير البريئة في علاقته بالمغرب، فهو من جهة يظهر في رسائل متوالية رغبته في الحوار وفي بناء المغرب العربي وفي خدمة علاقات الصداقة والتعاون والأخوة بين المغرب والجزائر، غير أنه لا يتوقف عن توجيه الطعنات من الخلف، متسائلا في هذا الحوار الذي خص به "التجديد" حول ما إذا كانت القيادة الجزائريةالجديدة بعد انتخابات ثامن أبريل الجاري ستتوفر على إرادة سياسية حقيقية لإقامة علاقة متوازنة مع المغرب. ويؤكد الحسيني أن السعي الجزائري نحو التسلح يبعث رسالة خطيرة لكل دول الجوار الإقليمي، وعلى رأسها المغرب. وأن النزاع الجزائري المغربي يصب في خانة المصالح الحيوية الأمريكية. وفيما يلي نص الحوار: صرح الرئيس الجزائري قبل أيام قليلة بأن غزو العراق للكويت، مطلع التسعينات، شبيه تماما بحالة المغرب في علاقته بأقاليمه الجنوبية، وهو تصريح لم يخف الموقف الجزائري السلبي من وحدتنا الترابية. في نظركم الأستاذ تاج الدين الحسيني كيف تقرؤون هذه التصريحات في هذه الظروف بالذات؟ عندما نحاول دراسة شخصية الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، نلاحظ أنه ومنذ تولى مسؤولية وزارة الخارجية في عهد الرئيس الراحل الهواري بومدين، كان دائما يعتبر بمثابة المنظر الاستراتيجي للسياسة الخارجية الجزائرية، وخاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، وهذا النوع من المواقف رافق سلوك الرئيس بوتفليقة، سواء حين كان في الحكم كوزير للخارجية، أو في لحظة توقفه عن ممارسة أي نشاط سياسي على مستوى النظام الجزائري. وبهذه المناسبة أنقل إليكم صورة عشتها شخصيا قبل بضعة أشهر من التحاق الرئيس بوتفليقة بسدة الحكم، وكان حينها مستشارا لدى رئاسة الإمارات العربية المتحدة، وكنت حينها في زيارة إلى أبو ظبي، والتقينا على غير موعد في بيت مستشار الشيخ زايد بن سلطان، وتناولنا طعام الغذاء سويا، وبقينا طوال فترة ما بعد الظهر نتحدث في قضايا تهم العالم العربي، والمغرب العربي والعلاقات مع شمال أوروبا، وفوجئت حينها بأن الرئيس بوتفليقة، الذي كان وقتئذ مستشارا بالإمارات العربية المتحدة، بالمواقف نفسها التي سبق أن عبر عنها مذ كان وزيرا للخارجية ببلاده في ما يخص الموقف من قضية الصحراء، ولاحظت في أسلوبه نوعا من الاهتمام بهذا الملف، وبأنه يحتفظ بأحسن الذكريات عن مواقفه في ما يتعلق بتحقيق حق تقرير المصير وإظهار هوية الشعب الصحراوي. وبعد وصول بوتفليقة إلى الحكم، تابع الأسلوب نفسه، ولا حظنا أنه يمارس نوعا من المجاملة غير البريئة في علاقته بالمغرب، فهو من جهة يظهر في رسائل متوالية رغبته في الحوار وفي بناء المغرب العربي وفي خدمة علاقات الصداقة والتعاون والأخوة بين المغرب والجزائر، غير أنه لا يتوقف عن توجيه الطعنات من الخلف، كان أقلها تلك التي مارسها النظام الجزائري بقيادة الرئيس بوتفليقة نفسه عندما وضع المبعوث الخاص للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء جيمس بيكر الصورة الأولى لمخططه الرامي إلى تطبيق الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وكان المخطط آنذاك ملبيا لطموحات المغرب، ولرغبات المجتمع الدولي، بل إن ذلك المخطط كان قد حظي حينها بشبه إجماع من طرف أعضاء مجلس الأمن. وآنذاك ظهرت الجزائر بمقولتها الجديدة التي تهدف إلى خيار رابع وهو المتمثل في إمكانية تقسيم الصحراء، بل ودعم هذا المخطط (مخطط التقسيم) بكل الوسائل. وحينها تبين أن المناورات الجزائرية لا تقف عند هذا الحد، بل تصل إلى ممارسة مجموعة من الضغوط المشبوهة، الأمر الذي أدى إلى تحول في اتجاه مقاربة ملف الصحراء حتى لدى المبعوث الأممي جيمس بيكر، وبالتالي إلى وضع مخطط جديد يتنكر تقريبا للسيادة المغربية على الصحراء وعلى أقاليمه الصحراوية المسترجعة. وهكذا نلاحظ بشكل عام أن السيد عبد العزيز بوتفليقة، كرئيس للدولة الجزائرية، لم يحاول أبدا أن يقيم علاقات للجوار مع المغرب على أسس متينة من التوجه نحو الاندماج الإقليمي الذي هو خطوة أساسية لتحقيق المزيد من المصداقية لهذه المنطقة على الصعيد الدولي، بل إن توجهاته تسير دائما في إعطاء الجزائر بعدا متفوقا على باقي البلدان المغاربية الأخرى. نظرا لأن الجزائر أصبحت منذ يناير الماضي عضوا غير دائم بمجلس الأمن، وأن مجلس الأمن سيناقش ملف الصحراء المغربية نهاية الشهر الجاري، كيف تنظرون لواقع العلاقات المغربية الجزائرية على ضوء هذه التصريحات المعاكسة لوحدة المغرب؟ بكل تأكيد أن العلاقات المغربية الجزائرية تعيش نوعا من التوتر بسبب الموقف الجزائري السلبي من الوحدة الترابية للمغرب، وهذا الأمر يدركه الجزائريون جيدا. والإشكالية المطروحة الآن هي هل ستتوفر لدى القيادة الجزائرية بعد انتخابات ثامن أبريل الجاري الإرادة السياسية الحقيقية لإقامة علاقة متوازنة مع المغرب، والسير بالتالي بالمغرب العربي نحو الأمام، لأنه ينبغي أن نعترف، أحببنا أم كرهنا، بأن المغرب والجزائر هما المحوران المركزيان في اتحاد المغرب العربي، تماما كما كان شأن ألمانيا وفرنسا بالنسبة للاتحاد الأوروبي. يلاحظ أن الجزائر تنزع نحو امتلاك أكبر ترسانة عسكرية في شمال إفريقيا، في نظركم الأستاذ الحسيني، هل يمكن القول إن في ذلك رسائل معينة للمغرب؟ فعلا، نحن نعلم منذ التاريخ القديم أن قضية توازن القوى ترتبط بمجموعة من العناصر الأساسية لتحقيق التوازن، تأتي على رأسها القوة العسكرية، فالجزائر منذ حصولها على الاستقلال، ومنذ حرب الرمال سنة 1963 التي خاضتها ضد المغرب، اعتبرت منذ ذلك التاريخ أن من أهدافها الاستراتيجية تحقيق التفوق العسكري على شركائها الإقليميين، وكان هذا الهاجس يرافق كل الحكومات الجزائرية دون استثناء، ومن ذلك أن النظام الجزائري عقد في غضون الأسبوع الماضي صفقة من 50 طائرة من نوع ميج 29 مع روسيا، بالإضافة إلى تجديد ما تمتلكه من أسلحة الطيران العسكري وسلاح المدرعات، الأمر الذي جعل معهد الدراسات الاستراتيجية بلندن يصنف الجزائر من بين أول دول المنطقة الساعية نحو التسلح، ليس فقط على المستوى المغاربي وحسب، بل أيضا على مستوى دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط. فهل بهذا السعي الجزائري نحو التسلح، الذي يفوق إمكانياتها ومستوى دخلها القومي، تسعى لمناهضة عدو مفترض للأمة العربية والإسلامية، أم هو لخوض صراع ضد دول في الشمال الإفريقي. علامات استفهام كبرى تطرح بكل براءة أمام هذا الخيار الجزائري، غير أن الواقع يؤكد أن الجزائر تهدف دائما إلى تحقيق التفوق العسكري على المغرب، ويعلم الله أن مثل هذا التوجه هو توجه يصب في الاتجاه المعاكس لمصالح الشعب الجزائري نفسه قبل غيره من الشعوب، هذا الشعب الذي يفقد بسبب هذا التوجه إمكانيات هائلة، كان بالإمكان توظيفها في تحسين الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية والصحية والتعليمية والسكنية للشعب الجزائري. وهذا السعي الجزائري نحو التسلح يبعث في الوقت نفسه رسالة خطيرة لكل دول الجوار الإقليمي، وعلى رأسها المغرب، الذي سيكون بدوره مدعوا، أحب أم كره، إلى العمل على تفادي اختلال التوازن، والسعي بدورها نحو إعادة التسليح، وهو ما سيدخل المنطقة في دوامة خطيرة لن تنعكس على المنطقة، وعلى مصالحها، إلا سلبيا. يلاحظ أن ثمة تقاربا بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالجزائر أصبح يتقوى في السنوات الأخيرة، أصبح يخشى من آثاره على المغرب، وخاصة على وحدته الترابية، كيف تقرأون هذا التقارب؟ أعتقد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنذ تاريخها القديم تؤمن بعقيدة راسخة في سلوكها الخارجي، هي أنه ليست هناك مبادئ دائمة، بل هناك مصالح متجددة. ومن ثمة فالولاياتالمتحدةالأمريكية تعتبر أن مواقفها في السياسة الخارجية يجب أن تخدم بالأساس مصالحها الحيوية على كل المستويات، وكل الإدارات الأمريكية تعترف بأن المغرب صديق تقليدي للولايات المتحدة، ليس فقط لكونه أول دولة اعترف باستقلال هذا البلد منذ حوالي 100 سنة، ولكن لأنه كذلك منذ استقلاله، دأب على تطبيق نظام سياسي يقوم على الديموقراطية التعددية ونظام اقتصادي يرتكز على الليبرالية وعلى حرية السوق، لكن وفي الوقت نفسه فالمغرب لا يقدم نوعا من المقابل المنتج على صعيد المصالح الأمريكية، وخاصة على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي. فعلاقات الجزائر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية أصبحت تتطور بشكل تدريجي بعد ارتفاع واردات الولاياتالمتحدة من الغاز الطبيعي والبترول الجزائري، وهي واردات تغطي 9 بالمائة من الواردات الأمريكية من هذه المواد، وبالتالي أصبحت الجزائر هدفا جيدا للشركات الأمريكية المستثمرة في التنقيب على البترول والغاز، وكذلك مجالا خصبا للتعاون على مستوى منتجات التكنولوجيا المتطورة، سواء في الميدان العسكري أو المدني، وربما فالمواقف التي عبر عنها جيمس بيكر أخيرا في تقريره الذي رفعه للأمين العام الأممي، كوفي عنان، كانت تظهر هذه النقلة النوعية في موقف المبعوث الأممي، جيمس بيكر، الذي سبق له أن كان وزير خارجية أمريكا، كما أظهرت انحيازه للأطروحة الجزائرية في التقرير نفسه. ويفيدنا كذلك، في هذا السياق، ما تتخذه الولاياتالمتحدة من موقف متذبذب بخصوص قضية الصحراء، فهي تعبر دائما عن مساندتها للمغرب وعن وعيها بحساسية ملف الصحراء لدى الشعب والنظام المغربيين، ولكنها في الوقت نفسه تساند مشروع جيمس بيكر، وتدعمه حتى أمام مجلس الأمن، وهذه الخطوات في منتصف الطريق هي معروفة في السياسة الأمريكية الحالية، التي تقوم على مبدإ أساس يتمثل في عدم الحسم المطلق في أي من النزاعات الإقليمية المحدودة، ذلك أن الإدارة الأمريكية تعتبر في سلوكها الدبلوماسي أن المحافظة على عدم التسوية وعلى هذا التناقض القائم بين الأطراف من شأنه أن يخدم مصالحها الحيوية بمزيد من النفوذ ومزيد من الهيمنة بهذه المنطقة من العالم. هل يمكن القول إن هذا التذبذب الأمريكي بخصوص ملف الصحراء المغربية هو مصدر الموقف المرتبك للأمم المتحدة من الملف نفسه؟ هناك علاقة وطيدة بين الموقف الأمريكي ونظيره للأمم المتحدة، كمنظمة عالمية في ما تظهره في سلوكها الدولي، فالولاياتالمتحدة عضو كامل في الأممالمتحدة، متمتع بحق الفيتو، ولها نوع من النفوذ على باقي الأعضاء في ما يتعلق بالضغوط المادية التي تمارسها على المنظمة العالمية، سواء من حيث حصتها في تمويل هذه المنظمة، أو من حيث الضغوط التي تمارس على الدول الأعضاء، ولذلك فالموقف الأمريكي سينعكس بكل تأكيد على موقف الأممالمتحدة من الملف نفسه. وكان حريا بالمنظمة العالمية أن تعمل منذ أواخر السبعينات على حل هذا المشكل المفتعل الذي عرض أول الأمر على منظمة الوحدة الإفريقية ثم في ما بعد على الأممالمتحدة. ولقد بدا واضحا أن الأطماع الجزائرية وعدم الانضباط الذي تعرفه الأممالمتحدة كانا من وراء هذا التأخر في حل قضية الصحراء، وهو تأخر لا يمكن أن يخدم قضية السلام بمنطقة المغرب العربي، ولا أن يخدم أيضا مصداقية الأممالمتحدة نفسها. هل يمكن القول إن هذا الموقف المتذبذب الذي تتخذه كل من أمريكا ومعها الأممالمتحدة هو الذي جعل بوتفليقة يصر على ألا تطرح قضية الصحراء المغربية على أية قمة عربية؟ طبعا لأن مواقف بلدان الجامعة العربية واضحة بهذا الخصوص، لقد شاركت هذه البلدان في المسيرة الخضراء ودعمت موقف المغرب في استرجاعه لصحرائه، ومن الطبيعي ألا تقبل هذه البلدان إضافة دولة مجهرية جديدة إلى الكيان العربي. فالجزائر تمتنع عن طرح ملف الصحراء المغربية على الجامعة العربية، لأنها تعلم مسبقا موقف هذه الجامعة من قضية الوحدة الترابية للمملكة. حاوره عبد الرحمان الخالدي