لم تبد الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج الكثير من الأسف لإلغاء القمة العربية التي كان من المقرر عقدها في تونس يومي التاسع والعشرين والثلاثين من شهر مارس الجاري، لأن هذه الشعوب تعودت أن تسمع ضجيجا ولا ترى طحينا، وتعودت أن تسمع القرارات ولا ترى التنفيذ. وبالتأكيد فإن هذه الشعوب تقدر الظرف الصعب وحجم المسؤولية والتحديات التي تواجه القادة في القمة والتي هي بحاجة لموقف حقيقي وفعال من قبل القادة الذين باتوا في مهب ريح التغيير الأمريكية. ويتبين للمتتبع أن جملة التحديات التي كانت أمام لقمة الملغاة تعتبر ذات أهمية كبيرة، ففي هذه القمة يطرح الملف الأقوى ملف اغتيال واستشهاد الشيخ أحمد ياسين رمز النضال الفلسطيني على مدى أكثر من سبعة عشر عاما، وهنا وجد العرب أنفسهم أمام موقفين إما إدانة الاغتيال وهو بالنسبة للولايات المتحدة دعم للإرهاب، أو السكوت على هذا الملف وهو الأمر الذي قد يثير شعوبهم عليهم ويفقدهم ما تبقى لهم من ثقة في شعوبهم. الملف الآخر الذي وجد القادة أنفسهم أمامه هو المشروع الأمريكي الجديد المسمى الشرق الأوسط الكبير، وهنا تباينت المواقف العربية مما عمق الخلاف، فهناك مرحب بهذا المشروع لحصوله على حصانة أمريكية ببقائه كما هو، وهناك رافض له لاحتمال أن تطاله ريح التغيير القادمة من واشنطن، أو خشية أن يصل "الإرهاب" كما يصفونه أي الإسلاميون إلى الحكم. وعلى صلة بذات الموضوع برز بين القادة من يدعو لإصلاح الجامعة العربية، ومن غير المستبعد أن يكون البعض قد طالب بإيجاد تسمية أخرى للجامعة العربية تمكن إسرائيل من الانضمام إليها وبالتالي تصبح عضوا مألوفا وفعالا في الجسم الجديد، أو على الأقل الدعوة للزيادة وتيرة التطبيع معها كما اقترح البعض حسبما تسرب من أروقة اجتماعات وزراء الخارجية، وقد مهدت الولاياتالمتحدة لذلك منذ زمن إذ أشعلت فتيل النزعات العرقية في عدد من البلدان لإدماجها بالتالي في الجسم الشرق أوسطي الجديد. الملف الآخر الساخن أمام القمة هو الحملة الدولية على الإرهاب والموقف من المقاومة الفلسطينية في هذا الإطار، إذا ترى بعض الدول العربية أن المقاومة الفلسطينية ينبغي أن تندرج تحت مسمى الإرهاب وبالتالي محاربتها لأنها تستهدف من يسمون بالمدنيين الإسرائيليين، وفريق آخر يرى أن المقاومة حق شرعي للفلسطينيين أمام الاحتلال الذي يضرب عرض الحائط بالرأي العام العالمي. من الملفات المطروحة أما القمة أيضا هو الملف العراق واستمرار احتلال العراق من قبل البعبع الأمريكي الذي لا يمكن انتقاده حسب هؤلاء الزعماء، وكون الحكومة الجديدة هناك أصبحت أمرا واقعا لا مفر منه، وهنا بالتأكيد ستختلف وجهات النظر حول شرعية مجلس الحكم والوجود الأمريكي. وللعام التالي على التوالي كان من المفترض أن يطرح في القمة قضية الانتفاضة الفلسطينية واستمرار الحصار على الرئيس الفلسطيني والقمع بحق الشعب الفلسطيني وإقامة الجدار الفاصل وغيره من الملفات على الصعيد الفلسطيني. أمام كل هذه الملفات وغيرها الكثير من الموضوعات الأمنية والاقتصادية التي طرحت سابقا، لم يجد القادة العرب والبلد المستضيف تونس سوى سلاح الهروب وإرجاء القمة أو إلغائها حتى لا يعتب عليهم أحد. عوض الرجوب –فلسطين