عندما طرح شارون خطته للانفصال أحادي الجانب كان وضعه هو الأسوأ منذ مجيئه إلى السلطة، فالاستطلاعات لم تكن وحدها مؤشر الهبوط، بل كان ثمة مؤشرات أخرى على ضجر النخبة السياسية والعسكرية والأمنية من سلوكه السياسي، ففي تلك الأثناء أعلنت وثيقة جنيف وتكاثرت حركات التمرد على الأوامر في قطاعات الجيش، فيما خرجت قصص الفساد من الأدراج في رسائل يعرفها شارون أكثر من سواه. هنا خرج شارون بمبادرته السياسية، ومعها التأكيد على استمرار بناء الجدار، الأمر الذي دفعه إلى التقدم في الاستطلاعات على خلفية التأييد الواسع لمبدأ فك الارتباط مع الفلسطينيين، لكن ذلك التقدم كان نتاجاً لتأييد اليسار والوسط والغالبية من الإسرائيليين التي لا تعنيها الأيديولوجيا بقدر ما يعنيها العيش في ظل الأمن والأمان. هكذا شكّلت الخطة بالنسبة لشارون سفينة إنقاذ خرج في ظلها من هواجس النهاية السياسية البائسة التي طاردته طوال شهور بعد وضوح معالم الفشل الأمريكي في العراق الذي انسحب خيبة في الشارع الإسرائيلي، على اعتبار أن وعود إخضاع الوضع العربي ومن ضمنه الفلسطيني قد تبخرت بسب الاندلاع السريع للمقاومة العراقية. لتأكيد زعامته في الليكود والشارع الإسرائيلي وللحيلولة دون اتساع أصوات المزايدة عليه من قبل اليمين المتطرف، بادر شارون إلى إلزام نفسه بالاستفتاء معوّلاً على النجاح فيه سيما في ظل الدعم الأمريكي الاستثنائي الذي كان يتوقعه وحصل عليه بالفعل من خلال الوعد الكبير من صديقه بوش، ذلك الذي حوّل الانسحاب من غزة من هزيمة أمام "الإرهاب" إلى خطة سياسية. الآن وفي ضوء الخيبة التي حصدها بنتيجة الاستفتاء يمكن القول إن ما جرى لم يكن كارثياً إلى حد كبير، بل ربما حمل فائدة من لون ما تتمثل في ظهوره كرجل معتدل يواجه متطرفين من حزبه لا يتفهمون خطواته السياسية، الأمر الذي سيجلب له مزيداً من التعاطف في الأوساط الخارجية، فضلاً عن الشعبية في الأوساط المحلية خارج الليكود واليمين المتطرف. من الواضح أن شارون ليس في وارد الخروج من الحلبة السياسية بأي حال من الأحوال، سيما وأن حجم التأييد للخطة في الشارع والكنيست يمنحه الفرصة للاستمرار مشفوعاً بالدعم والتأييد والتعاطف، فيما قد يؤدي ذلك إلى وقفة خارجية وداخلية خلف خطته للانفصال يمكن أن تترجم ضغوطاً على السلطة والدول العربية للتعامل معها بروحية وعد بوش، ومعها الخطوات الأولى من خريطة الطريق التي تركز على مسألة "محاربة الإرهاب". على أن ذلك كله سيبقى رهناً بقدرة الوضع العربي والسلطة على مقاومة الضغوط، الأمر الذي يعتمد بدوره على تحولات المشهد العراقي ومدى تعمق الورطة الأمريكية في العراق، إضافة إلى اعتماده على مواقف قوى المقاومة الفلسطينية والشارع الفلسطيني، وهي كلها لا تسير وفق ما يشتهي شارون. وفي كل الأحوال فإن وعد بوش الجاهل بتحديده المسبق لسقف المفاوضات قد جعل أية خطوات قادمة على الصعيد السياسي جزءً من لعبة الضغوط، الأمر الذي يجعلها مؤقتة وغير قابلة للحياة، حتى لو نجحت خلال المرحلة الأولى. ما جرى إذاً ليس على تلك الدرجة من الأهمية، لكنه يشير إلى وجود فئة موغلة في التطرف في المجتمع الصهيوني ستسهم إلى جانب المعطيات الأخرى في مزيد من الغطرسة والعمى السياسي الذي يصب في مجرى الصراع لصالح الشعب الفلسطيني والأمة. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني