من الواضح أن الموقف الرسمي والشعبي العربي مما يجري من مجازر بحق الفلسطينيين والعراقيين على أيدي الاحتلال الصهيوني والأمريكي لا ترتقي بحال من الأحوال إلى مستوى الدم والعطاء الذي تبديه المقاومة هنا وهناك، ومن ورائها الجماهير التي تمدهما بالمال والدم والرجال. في قراءة هذا المستوى المؤسف من التفاعل يحضر الموقف العربي الرسمي، ليس باعتباره مذنباً في تراجعه السياسي فقط، بل بوصفه متورط في سياق إضعاف ردة الفعل الشعبية على ما يجري. يحدث ذلك بسبب ذعر ينتاب الوضع العربي الرسمي من سطوة القوة الأمريكية المنفلتة من عقالها على مشارف الانتخابات الرئاسية، وفي ظل معالم الفشل التي تلوح في العراق. وهو في واقع الحال ذعر في غير مكانه، لكن ما يجعله أكثر حضوراً هو تلك الشرذمة التي يعيشها الوضع العربي والتي تسمح للولايات المتحدة بالاستفراد بكل طرف على حدة. واللافت أن ذلك القدر من التضامن الذي تابعناه في محطات مختلفة بين المحاور العربية الرئيسة لم يعد موجوداً، بل إن تلك المحاور هي الأكثر استهدافاً في واقع الحال، كما يحدث مع مصر التي يجري العبث بخاصرتيها الفلسطينية والسودانية بعد أن سرقت منها الساحة الليبية، في ذات الوقت الذي يستهدفها الفشل العراقي في حال وقوعه. وكما يحدث مع السعودية التي تعاني قدراً كبيراً من الضغوط المتعددة الأشكال والعناوين. وتبقى سوريا الأكثر استهدافاً، والتي تعاني من ضعف النصرة وغياب التنسيق بين الأشقاء، الأمر الذي يجعلها رهن ضغوط لا ترحم تجلى آخرها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559. لكن الأسوأ من ذلك هو انسحاب روحية التراجع في الموقف الرسمي على الموقف الشعبي وحيث تلجأ الأنظمة إلى قمع أية محاولة من طرف المجتمع المدني للتحرك تضامناً مع الوضع الفلسطيني والعراقي. ويتم ذلك بالطبع من خلال لعبة ديمقراطية تملك حق منع الناس من الحديث والتظاهر، كما تملك السماح لهم إذا رأت ذلك، وهي في الغالب لا ترى!! هنا يتبدى الهزال في الساحة السياسية الشعبية العربية، ولا نعني هنا الحالة الجماهيرية العادية، وإنما القوى السياسية التي تراجع فعلها على مختلف المستويات، مع أن الأصل أن يكون لها موقف أفضل، سيما وهو موقف يدافع عن الأنظمة أكثر من دفاعه عن الشعوب نفسها، وإلا فأي مصير ينتظر المنطقة لو نجح شارون في تركيع الفلسطينيين، ونجح متطرفو الإدارة الأمريكية في قمع الوضع العراقي وفرض إرادتهم عليه بعد قمع المقاومة. الجماهير الشعبية ليست ملامة، فقد يئست من لعبة الديمقراطية المبرمجة على مزاج الأنظمة التي لا تطيق الكثير من المعارضة، كما لا تطيق الفعاليات الشعبية المناصرة لقضايا الأمة بوصفها فعاليات تنطوي على مزايدة عليها من جهة، كما يمكن أن تستجر بعض الضغوط من قبل الولاياتالمتحدة من جهة أخرى. والحال أن غياب الفعاليات الشعبية لا يشكل دليلاً على هزال الشارع العربي كما يذهب البعض، لأن التظاهر ليس الدليل الوحيد على الحيوية أو مستوى التفاعل والغضب، ولعل من يعايش الجماهير يدرك حجم الغضب الذي يملأها ومستوى الإقبال على التضحية والعطاء الذي تملكه لو فتح لها المجال. نقول ذلك لأننا لا نحب التورط في مغبة إعلان هلاك الناس، لأن من قال هلك الناس، فهو أهلكهم (بضم الكاف) أو أهلكهم (بفتحها)، كما وردد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني