في الدول الدكتاتورية تقوم الأنظمة الحاكمة بتصفية معارضيها عن طريق القتل خارج القانون، وفي الدول السلطوية تقوم بتوظيف القضاء والأمن لضرب خصومها السياسيين.. في الحالة المغربية تعتمد القوى المناهضة للإصلاح أسلوب القتل الرمزي وتشويه السمعة ومحاولة ضرب المصداقية عن طريق أسلوب الحملات التشهيرية عبر ترويج إشاعة واحدة مكتوبة بحبر واحد ومعممة على مواقع ومنابر إعلامية أصبحت ارتباطاتها مكشوفة.. في المغرب أصبح من المألوف أن يتابع المواطنون والمواطنات مع قرب كل استحقاقات انتخابية حروبا سياسة وإعلامية لا أخلاق فيها.. قد تصل إلى حد توظيف القضاء، دون احترام للدستور ولا للقانون ضد هذا العدالة والتنمية، في إعتراف صريح عن عدم قدرة مسايرة الإيقاع التنافسي لهذا الحزب وهزمه بالطرق السياسية العادية. نتذكر جميعا كيف استغلت الأحداث الإرهابية الأليمة المدانة التي ارتكبت في 16 ماي 2015، بشكل ظالم ضد هذا الحزب وصلت إلى حد محاولة حله قبيل الانتخابات الجماعية لسنة 2003، وفرضت عليه تعسفاً تقليص حجم مشاركته. كما يتذكر الجميع ما حصل خلال الانتخابات الجماعية ل 2009 من تحكم سلطوي جرى فيه توظيف العديد من مؤسسات الدولة من أمن وقضاء.. حيث شنت أجهزة الداخلية آنذاك حملة تشهيرية غير مسبوقة ضد منتخبي الحزب، وزجت بملفات بعضهم في القضاء قبيل الانتخابات الجماعية لسنة 2009. كما أن الكل يتذكر غداة إنتخابات 2009، كيف تم استعمال النيابة العامة والأجهزة الأمنية في مدينة وجدة بشكل مخالف للدستور من أجل فض تحالفات انتخابية مبرمة بين العدالة والتنمية وحلفائه من أجل تسيير المدينة، واللجوء إلى نفس الممارسة في الرباط وسلا أيضاً من أجل فرض تغيير خارطة التحالفات الانتخابية التي أفرزتها العملية الانتخابية. و لن ينسى المغاربة أيضاً كيف تم تركيب الملفات القضائية الثقيلة تمهيداً للاستحقاق التشريعي الذي كان سيجري في 2012، لقياديين لأحزاب سياسية معارضة للتحكم آنذاك، وكيف دبجت البيانات ضدهم من طرف وزارتي الداخلية والعدل ورئاسة مجلس النواب، في حملة تشهيرية غير مسبوقة في التاريخ السياسي للمغرب. وقد استعملت فيها منابر إعلامية معروفة بسخرتها للسياسة غير النظيفة وعدائها للديمقراطية. الانتخابات البلدية والجهوية القادمة في المغرب تغري بالمزيد من المفاجآت. مرة أخرى ومع اقتراب انتخاب مجالس الجماعات الترابية في شتنبر 2015، والتي أجلت غير ما مرة لأن بعض الحقل السياسي لم يستوعب الاختيار الديمقراطي للمغاربة بعد دستور 2011، تعود نفس الجهات لاستعمال نفس الوسائل غير الشريفة ضد حزب العدالة والتنمية، رغم وجود فارق كبير هذه المرة، هو وجوده على رأس الحكومة، وقيادته لإصلاح غير مسبوق في منظومة العدالة بقيادة وزير العدل والحريات الأستاذ مصطفى الرميد... تبدو بعض أجزاء السلطة لم تستوعب بعد بأن بعض الأساليب السلطوية العتيقة لم تعد صالحة لتدبير العلاقة مع المخالفين، ويبدو بأن الجماعة التي كانت تخطط لاختطاف الوطن قبل 20 شباط/فبراير وقبل 25 تشرين الثاني/نوفمبر تجرب هذه الأيام العودة إلى أسلوب التحكم عبر معادلة مكشوفة: نشر الإشاعة عبر موظفين يشتغلون في الصحافة، نفس الإشاعة يتلقفها من يتولون مهمة «التحليل» و»التأويل» و»التكييف»، قبل أن يأتي دور بعض الجهات القضائية التي تدافع عن الإستقلالية لتحريك المتابعات.. إن مناهضة الإصلاح عن طريق هذا الأسلوب هو خيار فاشل لأن المغرب قرر بكل بساطة ملكا وشعبا وحكومة أن الإصلاح الديمقراطي هو خيار لا رجعة فيه..ولأن الإعلام البديل الذي يوفره الأنترنت أصبح قادراً على تسفيه كل حملات التضليل والكذب والخداع مهما بلغت قوتها… الكثير من الأخبار والإشاعات الرائجة تنسب إلى محاضر وإجراءات قامت بها أجهزة أمنية ويفترض فيها غطاء السرية، الذي يفرضه القانون من أجل حماية سمعة الأشخاص الذين تباشر ضدهم هذه الإجراءات لأن البراءة هي الأصل. مؤخراً، نظم مركز الأمن والديمقراطية الذي يديره صديقنا مصطفى المنوزي ندوة بمجلس المستشارين بالبرلمان المغربي حول الحكامة الأمنية، وكان العديد من المتدخلين قد دافعوا عن فكرة بسيطة مفاده أن مجال تدخل الأجهزة الأمنية ينبغي أن يبقى محصورا في مجال مكافحة الجريمة كما هي معرفة في مجموعة القانون الجنائي: الجريمة المنظمة، تبييض الأموال والإرهاب، وتهديد سلامة الدولة الداخلية والخارجية والاتجار في المخدرات والجريمة الدولية والجرائم المعلوماتية بالإضافة إلى الجرائم التقليدية المعرفة في مجموعة القانون الجنائي، وأن لا يتعدى ذلك إلى مجالات أخرى عبر إعطاء مفاهيم مطاطة للأمن غير معرفة بالقانون. و بالتالي فلا مجال لاشتغال الأمن بالسياسة، إلا في حالة ما إذا اختلط العمل السياسي بجرائم كتلك المذكورة آنفاً. حاجتنا إلى المزيد من ضبط العلاقة بيت الصحافة والسياسة والأمن..والقضاء أيضا..