يناقش عدد من المثقفين والفنانين المغاربة مستقبل الثقافة المغربية، وخصوصيات الهوية المغربية في ظل المسار الذي تعرفه اتفاقية التبادل الحر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وقرب التوقيع عليها في الأسابيع القادمة، في أفق الإعلان عن ميلاد الائتلاف المغربي من أجل التعددية الثقافية الذي سيتولى العمل على حماية الثقافة المغربية من كل التداعيات السلبية المحتملة عليها. وقالت جريدة الصحراء المغربية التي أوردت الخبر إن المثقفين والفنانين المغاربة لم يتم التشاور معهم طيلة فترة التفاوض مع الأمريكيين، لذلك قرروا توجيه مذكرة إلى الحكومة المغربية تتعلق بوضع استراتيجية موحدة للدفاع عن الهوية الثقافية المغربية وبضرورة الإسراع بلقائهم لشرح مواقفهم وإبراز تخوفاتهم، وبعدم التعامل مع الثقافة المغربية بمثل ما يتم التعامل به مع المنتوجات التجارية. في هذا السياق اعتبر الأستاذ محمد طلابي، في اتصال هاتفي به أن آثار العولمة على الهويات وخيمة وسلبية بشكل عام، وأنها ستؤدي لا محالة، سواء داخل المغرب أو خارجه، إلى بداية تآكل ما يسمى بالسيادة عند الدولة في صنع القرار السياسي، ومن ذلك أن المؤسسات التي أصبحت تتحكم اليوم في صنع القرار السياسي هي مؤسسات من خارج الحكومات، وفي مقدمتها المؤسسات الاقتصادية الدولية بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. وأضاف الأستاذ طلابي أن هذه المؤسسات تتدخل في المغرب من خلال العديد من الآليات منها أن مستشاري صندوق النقد الدولي مثلا موجودون في كل القطاعات بما في ذلك الشأن التربوي والاقتصادي، وبطريقة تخدم المصالح الاستراتيجية لتلك المؤسسات، أو للعولمة باعتبارها هجمة استعمارية ثانية على العالم العربي. وأكد طلابي أن العولمة الآن تسير في اتجاه تعميم الثقافة الغربية الخاصة بالعالم الغربي على العالم العربي، وهي تحتاج في سبيل ذلك إلى القوة كما حصل في العراق أخيرا، أو إلى الكلمة من خلال الغزو التربوي، أو إلى الصورة من خلال الإعلام، ليخلص إلى أن العولمة تسعى جاهدة إلى فرض ثقافة الشهوة على العالم العربي والإسلامي، وأن هذا الأخير مدعو لتوظيف العناصر الإيجابية في هذه الهجمة من مثل قيم الحرية والديموقراطية ورفض الاستبداد لتقوية عناصر المناعة فيه. وفي السياق نفسه اعتبر حسن نجمي، رئيس اتحاد كتاب المغرب، أن الثقافة المغربية ليست مجموعة من السلع والبضائع والخدمات الثقافية التي يمكن أن تصبح بندا من البنود في أية اتفاقية من الاتفاقيات الدولية، بل هي نسيج حضاري وتعبير عن وجود أمة لها تاريخ ورصيد من المذخرات المادية والرمزية والروحية، وبالتالي فالجسم الثقافي بالمغرب أكبر من مجرد قرارات اقتصادية أو تجارية. وأضاف الأستاذ نجمي في اتصال هاتفي به أن التحولات الاقتصادية والاستراتيجية التي يشهدها العالم المعاصر اليوم بدأت تتعامل مع الثقافات الإنسانية المختلفة بوصفها مجرد سلع ووثائق توثيقية غنائية وفنية، وملكية فكرية وأدبية وفنية يمكن التفاوض حولها، ويمكن جدولتها ضمن اتفاقيات تجارية عالمية معينة. وفي هذا السياق أشار الأستاذ نجمي إلى أن نظام العولمة لم يتعامل مع الثقافات الإنسانية تعاملا متحضرا إنسانيا منفتحا، وإنما باعتبارها خدمات وبضائع تتكالب عليها الشركات متعددة الجنسيات ويتم ترويجها والمتاجرة بها حسب نظام المنافسة والسوق. واستشهد في سياق ضرورة الحفاظ على الخصوصيات الثقافية لكل بلد على حدة بدعوة النخب الثقافية والفكرية الفرنسية إلى إقرار نظام استثنائي للمنتوج الثقافي الفرنسي حتى يظل بعيدا عن كل وحشية اقتصادية و تجارية. وقال نجمي إننا نتوفر على ثقافة قوية لها إمكانياتها وطاقاتها ومقوماتها الخاصة التي تضمن لها الاستمرارية الوجود وإمكانية التحصين من أن تتلبد كما حصل لبعض الثقافات الهشة غير المؤسسة على رصيد تاريخي حقيقي، مثل النموذج الثقافي اللقيط الذي تقدمه دولة إسرائيل على سبيل المثال. ومع هذا يضيف المتحدث نفسه أنه لا ينبغي ألا نركن إلى الطمأنينة المبالغ فيها، على اعتبار أن الثقافة جسد حي قابل للتأثر والتأثير، وبالتالي من حقنا أن نصون خصوصياتنا الثقافية وأن نذوذ عن وضعنا الثقافي، وأن نبحث له عن الشروط القانونية لتحصينه حتى لا تصبح ثقافتنا المغربية بمختلف تعبيراتها وأبعادها مجرد رقم من الأرقام في المعادلات التجارية والاقتصادية. عبد الرحمان الخالدي