في تعليقه على قرار فرنسا منع ارتداء الحجاب بالمدارس الحكومية وعلى موقف شيخ الأزهر من هذه القضية، اعتبر المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث أن إكراه المسلمة على خلع الحجاب المعبر عن ضميرها الديني واختيارها الحر من أشد أنواع الاضطهاد الذي لا يتفق مع القيم الفرنسية الداعية لاحترام كرامة المرأة وحريتها الشخصية والإنسانية والدينية، ودعا باريس إلى مراجعة موقفها بهذا الشأن. كما اعتبر المجلس أنه كان على شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي أن يشير إلى أنه على فرنسا مراعاة مواثيق حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية وميثاق الأممالمتحدة عند التعامل مع هذه المسألة. جاء ذلك في بيان أصدره المجلس في ختام جلسة خصصت لمناقشة قضية الحجاب في فرنسا خلال أعمال الدورة ال12 للمجلس التي يحتضنها مقره الرئيسي في العاصمة الأيرلندية دبلن والتي انتهت مساء الأحد 4/1/.2003 وتضمن البيان انتقادات قوية لموقف فرنسا تستند إلى رؤية منطقية، كما حرص على الإشادة في الوقت نفسه بمواقف فرنسا من عدة قضايا عربية وإسلامية، ودعا مسلمي فرنسا إلى التصدي للقرار الفرنسي حول الحجاب بالوسائل السلمية. ودعا المجلس أيضا في بيانه المسئولين في فرنسا الى إعادة النظر في هذا المشروع بما يتفق مع غايات الوحدة الوطنية والأمن الاجتماعي والتلاحم بين شتى قاعات المجتمع الفرنسي في عصر حوار الحضارات لا صراعها. وأوضح المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث -المرجعية الدينية لمسلمي أوربا- أنه فوجئ، كما فوجئ المسلمون في العالم بالتوجه لمنع ارتداء ما يسمى بالرموز الدينية في فرنسا، والذي سيؤثر بالدرجة الأولى على حق المسلمات في فرنسا في ارتداء الحجاب في المدارس والمؤسسات العامة، كما أن إكراه المسلمة على خلع الحجاب المعبر عن ضميرها الديني واختيارها الحر من أشد أنواع الاضطهاد الذي لا يتفق مع القيم الفرنسية الداعية لاحترام كرامة المرأة وحريتها الشخصية والإنسانية والدينية. وفي الوقت نفسه، أشاد البيان ب مواقف فرنسا العادلة تجاه قضايا عربية وإسلامية أساسية، مثل وقوفها ضد العولمة المهيمنة، ودعوتها المتكررة إلى احترام التنوع الحضاري والثقافي والتعايش بين الثقافات والحضارات والديانات، وكذا اعترافها بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. كما أشار إلى تفهمه للباعث من وراء محاولة إصدار قانون لمنع الحجاب، وهو قلق قطاع كبير من المجتمع الفرنسي إزاء بروز بعض الشعائر والتقاليد الإسلامية غير المعهودة في ثقافته، ومحاولة المجتمع الفرنسي أن يتعامل مع هذه الظاهرة بما يحفظ وحدته وهويته، ويحقق التعايش بين مكوناته. غير أن المجلس شدد على أنه إذا كان ارتداء المرأة المسلمة للحجاب يجب أن يكون مؤسسا على القناعة الشخصية والفهم، فإنه بالمثل لا يجوز إجبار المرأة المسلمة على خلع حجابها مقابل تعليمها أو استفادتها المشروعة بمرافق الدولة. ورفض بيان المجلس أن تكون العلمانية الليبرالية مبررا لسن قوانين صارمة من شأنها الانقضاض على أهم حقوق الإنسان وحرياته، وهما الحرية الشخصية والدينية، مذكرا بأن ارتداء الحجاب من أمور العبادة، وهو واجب شرعي، وليس مجرد رمز ديني أو سياسي، وهو أمر تعتبره المرأة المسلمة جزءا مهما من ممارستها المشروعة لتعاليم دينها. وأوضح المجلس أن هذا الالتزام أمر غير مرهون بأي مكان عام سواء أكان من أماكن العبادة أم كان من المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية؛ لأن تعاليم الإسلام لا تعرف التناقض والتفرقة في حياة المسلم الملتزم بدينه. والحجاب أمر أجمعت عليه كل المذاهب الإسلامية قديما وحديثا باختلاف المذاهب الإسلامية. كما ذكر المجلس بأنه كان للثورة الفرنسية دور مهم في ترسيخ مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان؛ وهو ما جعل فرنسا توصف بأنها أم الحريات ومن أهم البلاد التي يحافظ فيها على حقوق الإنسان. وأوضح البيان أن القانون المقترح وإن ظهر أنه يشمل كل الرموز الدينية (بما فيها المسيحية واليهودية) فإنه في النهاية يستهدف تحديدا الحجاب الإسلامي مما يمثل تفرقة دينية ضد المسلمين، وبما يخالف كل الدساتير والأعراف فيما يسمى بالعالم الحر. وشدد في هذا الإطار على حق مسلمي فرنسا في المطالبة بحقوقهم المشروعة ومعارضتهم لمثل هذا القانون الظالم، غير أنه أكد في الوقت نفسه على ضرورة التزامهم بالوسائل السلمية والقانونية، قولا وعملا، في إطار الديمقراطية والحضارية. واستنكر المجلس أن تتخذ بعض التجاوزات في سلوك بعض المسلمين أو غيرهم بما لا يتفق ومتطلبات العيش المشترك كدافع لحرمان 5 ملايين مسلم في فرنسا من حقوقهم المشروعة، مشيرا إلى أن احترام التنوع والمحافظة على الحريات هو الأساس المتين والضمان الأكبر للوحدة الوطنية والأمن العالمي وخاصة في الأمد البعيد. وأعرب المجلس في بيانه عن تأييده لما قاله وأقره أهل التخصص من علماء المسلمين في جميع أنحاء العالم، ويدخل في ذلك موقف فضيلة شيخ الجامع الأزهر الذي صرح بوضوح أن الحجاب الإسلامي فريضة شرعية وليس رمزا دينيا، غير أنه خالفه فيما نسب إليه من حق فرنسا كدولة ذات سيادة في سن ما تراه مناسبا من قوانين وتشريعات فهو أمر وارد ومقبول دوليا.