مَا وَصلته الصحافة ببلادنا، يَدعو إلى وقفة تأمل حقيقية من طرف جميع الغيورين على مهنة تُعاني من "فيروس" الدخلاء عليها، الذي يفتك بها "من يوم لآخر". هذه الوقفة ضرورية جدا، من أجل مُراجعة الدور الأساسي الذي يجب أن تقوم به السلطة الرابعة في هذه المرحلة المهمة من تاريخ المغرب. فإذا كان النقاش يدور عن توازن السلط الكلاسيكية، يجب "تدوير" النقاش عن دور "سلطة الصحافة" في نقل الحَقيقة إلى جمهور القراء دون أي تدخل سواء بالسلب أوالإيجاب. ومن هذا المُنطلق، يَجب على الساهرين على القطاع التفكير في وضع قواعد صارمة لولوج هذه المهنة، عوض ترك الأبواب مشرعة ليدخلها بعض "المرتزقة"، لاستعمالها في كيل الشتائم للخصوم عوض النقد البناء، لأن هذه الفصيلة من البشر لا تعرف من عملية النقد إلا النقود التي يقبضها منتحل صفة "صحافي" بيد ويكتب باليد الأخرى، أو بالأحرى يكتبون له الكذب ليوقع عليه مثل أي شاهد زور يقف أمام المحكمة ليبيع شهادته مهما كانت "الظروف".. والأظرفة أيضا، ولله در من قال "لماذا تشتري جريدة إذا كان في إمكانك أن تشتري الصحفي". افتحوا الجرائد، وطالعوا القُصاصات الإخبارية "المزعلكة"، ينقل كَاتبها (أو بالأحرى كاذبها) وجهة النظر الوحيدة، التي لا يمكن أن تَجد لها تصنيفا ضمن الأجناس الصحافية المعروفة. (عاجل، حصري، انفراد..)، عبارات تسبق المادة الصحافية من أجل التدليس على القارئ المسكين، الذي بمجرد أن يشرع في قراءتها ينتهي من قراءتها، مثل أي أكلة "بايتة" بلغة أهل الصحافة، يتم سحبها من "الفريكو"، وإضافة التوابل إليها، وخاصة "الحرور"، لتختفي عفونتها ويتم خداع المستهلك بها. هكذا يتحول بَعض منتحلي صفة "صحافي" إلى باعة نقانق مغشوشة، هدفهم الربح السريع وتوفير المال بأي ثمن، ومنهم من يكتفي بدعوة إلى إحدى البارات الرخيصة ليَشرب نخب "انتصاره" الفارغ، و منهم من يتم "تسفيره" داخل أو خارج المغرب من أجل "التغطية" على جريمة الكذب على الناس. كثيرا ما أضحك، عندما أقرأ أخبارا بعناوين بالبنط الغليظ، وقد روتها مصادر "موثوقة"، يتم فيها حشر مجموعة من المعطيات الزائفة، ولأن ذات المصادر هي من تسهر على تحرير تلك الأخبار، تعجز عن نقل وجهة النظر المُقابلة، فهل يمكن لموظف ينتحل صفة "صحافي" أن يطلب من رئيسه في العمل أن يدلي بوجهة نظره ؟ وهكذا، يَكتفي هذا "الصحافي" النحرير بوجهة نظر وحيدة مثل أي غراب أعور لا يَرى إلا بعين واحدة، ولأن رئيس تحرير الجريدة الصفراء أو المَوقع الكهربائي، ينتظر "الكذب" بفارغ "السفه" يتواطؤ مع زميله فينشر المادة المعجونة بماء الحقد الأسود، بدون أي مُراجعة أو تصحيح، شعاره في ذلك "كور واعط للأعور".. ألم أقل لكم بأن بعض منحلي صفة "صحافي" تحولوا إلى باعة صوصيص فاسد ؟ للأسف الشديد، لدينا معهد عُمومي وحيد لتخريج الصحافيين، الذين لا يشتغلون في هذه المؤسسات الإعلامية، وحتى إذا اشتغل بعضهم فإنه يُعاني كثيرا وسط بيئة غير مناسبة لإنتاج مواد صحافية قادرة على الإسهام في البناء الديموقراطي.. وهكذا يجدون أنفسهم مثل أي "هدهد" يعيش بين الطيور الكاسرة، و"الخاسرة".. كان الله في عونكم أيها الصحافيون النبلاء.. للأسف الشديد، تحولت بعض "الصحف" في بلادي إلى مجرد "دَوَاز"، يدوس أخلاقيات المهنة، من أجل تحقيق أهداف صغيرة وحقيرة، ومن أجل الاستفادة من الريع الذي تهاجمه الصحيفة الصفراء في افتتاحياتها، وتعيشه منه في باقي الصفحات دون أي عقدة ذنب، من يدري فلربما استفادت من إحدى "خلطات" خطوط التنجيم والخطوط الوردية التي تنشرها على صفحاتها يوميا ؟ تُدمي القلب الحرب الدائرة بين جريدتين مَعروفتين، كل واحدة تكيل للأخْرى الشتائم التي تصل إلى حد "التخوين"، و"العمالة"، وهذا شيء مُؤسف جدا.. حيث يجد "الصحافيون" الذين يشتغلون في المؤسستين معا أنفسهم في ساحة حرب أمام زملائهم، وقد أشهروا السكاكين وشفرات الحلاقة، بَينما يتوارى الذين يحركون هذه المعارك الوهمية في الصفوف الخلفية وسط ظلام دامس، مثلما يقع تماما في مَسرح العرائس.. بالله عليكم اشرحوا لي ما الفرق بين معركة الأيادي التي دارت رحاها في البرلمان بين شباط واللبار..وبين معركة الأقلام التي تدور بين "الأحداث" و"أخبار اليوم"؟ اشرحوا لي أيضا، الفرق بين انتقاد بعض الصحف لتدني الخطاب السياسي، في الوقت الذي تعيش هي نفسها تدنيا خطيرا في خطابها الإعلامي..ما الفرق بين زعيم سياسي يتهم رئيس الحكومة بالعلاقة مع داعش والموساد، وبين كاتب عمود كَهربائي يوزع الشتائم يُمنة ويسرة، دون رابط أو ضابط.. بكلمة. يجب أن نعترف بأنه لا وُجود لصحافي كبير أو صحافي صغير..بل يوجد صحافي صالح، وصحافي فاسد.. يوجد صحافي ناقد (يتحرى النقد)، ويوجد صحافي ناقم، وحتى إذا اجتهد في أن يمارس النقد فإنه يجد نفسه يلهث وراء النقود.. قُلت لصديقي سعيد : (الله يحسان لعوان كاين فيهم اللي محتاج، والحياة صعبة والمعيشة غالية، كاين فيهم اللي مريض بجنون العظمة.. ). يَرد علي : تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها أجيبه : طبعا ماشي قناة "الحرة". نَضحك كثيرا..(طبعا من كثرة الهم).
ملحوظة : تحية إكبار وإجلال للصحافيين الذين يقفون في صمود أمام جميع الإغراءات..هؤلاء من يجب أن يردد بفخر واعتزاز بأنهم يَنتسبون إلى مهنة المتاعب، عكس الدخلاء الذين يحصلون منها على المال بدون متاعب..