تقدم نائب وزير الدفاع الأمريكي Paul Wolfowitz أحد أبرز صقور الجناح اليميني في إدارة بوش الحالية بعرض رؤية المجموعة -المسوق للحرب على العراق- التي يمثلها للمهام الاستراتيجية التي تجند رفقاؤه لإنجازها منذ فترة والتي عبر عنها ب"بناء تحالف للقيم المشتركة"، وقد كشف عنها في لندن يوم 2 ديسمبر قبيل زيارته الأخيرة إلى تركيا، وتضع مجلة العصر أهم فقراتها - دون تصرف- بين يدي القارئ كأحد أهم الوثائق في اللحظة التاريخية الراهنة التي تعكس فكر هذا الجناح المسعر للحرب وتميط اللثام عن تطلعات قادته وتصوراتهم. كما قال رئيس الوزراء بلير البريطاني مؤخرا :" هذا نوع جديد من الحرب، قاتل على نحو مختلف وبوسائل مختلفة. لكن، كما هو الحال مع كلّ الحروب، فإن هذا لا يختبر فقط قدرتنا للمحاربة، لكن منطقنا وطريقة تفكيرنا، مرونتنا وإعتقادنا في طريقة حياتنا "، في الحقيقة، هذه الحرب الجديدة إختبرتنا على كلّ الجبهات، ونحن إستجبنا على كلّ الجبهات. وعقب الهجمات، عرّف الرّئيس بوش مجال ردّنا: " نحن سنوجّه كلّ مصدر من قيادتنا - كلّ وسائل الدبلوماسية، كلّ أداة للإستخبارات، كلّ آلية لتطبيق القانون، كلّ تأثير مالي، وكلّ سلاح ضروري في الحرب - إلى إعاقة وإلى هزيمة شبكة الإرهاب العالمية". وقد انضم إلينا على مستوى كلّ هذه الجبهات حلفاؤنا وشركاؤنا، خصوصا حلفاء الناتو. للمرة الأولى في تأريخه، نشر حلف الناتو طائرات ال AWACS في سماء الولاياتالمتحدةالأمريكية لمراقبة مجالنا الجوي وللمساعدة على منع الهجمات "الإرهابية" الأخرى. بعد أن طورت منظمة حلف شمال الأطلسي طائراتها لمواجهة هجوم سوفييتي على أوربا الغربية سابقا. إنّ الأحداث بالغة الأهمية خلال السنة الأخيرة بيّنت بأنّ روابطنا عبر الأطلسي أبعد من أن تلغى. في الحقيقة، هي أكثر من ضرورية. العديد من البلدان ساهمت في التقدّم الهامّ الذي أحرز في السنة الأخيرة. التحق البعض بنا علنا؛ بينما اختار آخرون أشكالا هادئة وسرية من التعاون. أكثر من 150 بلد جمَدت أصولا "إرهابية" تجاوزت قيمة 116$ مليون دولار. و شاركت سبع عشرة دولة بحوالي 6,000 جندي في عملية "الحرية الدائمة" و في قوّة الأمن الدولية في كابول، وخلال الشهور ال14 الأخيرة تحرر الشعب الأفغاني من نظام الطالبان الذي أزيح من السلطة، وفقدت القاعدة ملجأها في أفغانستان، وأعداد كبيرة قتلت أو أسرت أو تفرّقت وفي حالة هروب. مهم على حد سواء، إن لم يكن لدرجة أكبر، أن الجهود العالمية لتطبيق قانوننا ووكالات إستخباراتنا بالتعاون مع أكثر من 90 بلد أدّت إلى توقيف حوالي 2,400 شخصا. التحالف سيبقى مهما بشكل حيوي كما نواجه أبعادا أخرى في الحرب ضدّ الإرهاب. كما قال الرّئيس بوش مؤخرا في قمّة منظمة حلف شمال الأطلسي , " ليس هناك حاجة للدفاع الجماعي أكثر إستعجالا O من الحرية وأضاف :" ما زال للحرية أعداء O كلّ أمّة حرّة هدف محتمل [من الإرهابيين والدول الإرهابية]، بما في دول أوروبا"، وحسب كلمات الرئيس بوش، فإن الحقيقة التي قادت العالم للإتّحاد هو " التهديد الفريد والمستعجل الذي يشكله العراق". القرار السلمي لمشكلة العراق : دعني أقول بضعة كلمات هنا حول مشكلة العراق...إستعمل النظام العراقي الحالي أسلحة الدمار الشامل ضدّ إيران وحتى ضدّ شعبه. أنتج مادة كيمياوية وأسلحة بايولوجية، و له برنامج تطوير أسلحة نووي نشيط. والإستخبارات تشير إلى بأنّ هذه البرامج عرفت تسارعا في السنوات الأربع الأخيرة منذ أن إنتهى تفتيش الأونسكوم. التطبيق السلمي لقرار 1441 يمكن فقط أن يحدث إذا هناك فعلا تغيير أساس في موقف النظام العراقي. لا يمكن أن تكون مسؤولية المفتشين تطهير كلّ بوصة في العراق. ولا يمكن أن تكون مسؤوليتهم البحث عن وإيجاد كلّ سلاح أو برنامج غير شرعي. تلك ستكون مهمّة ما بعد تجريب وسائلهم وإمكاناتهم. وليس من مسؤولية المفتشين لنزع سلاح العراق، تلك مسؤولية النظام العراقي نفسه. وما يمكن أن ينجزه المفتشون هو منحنا بعض الثقة في أن النظام في الحقيقة إستلم تلك المسؤولية، بأن كشف عن كلّ سلاح الدمار الشامل وكلّ برنامج تطوير، وبأن تلك الأساحة دمرت وأن البرامج فككت. إنّ الحدّ الأدنى الذي نقبل به، هو أنّ صدام حسين ونظامه يجب أن يغيّرا موقفهم أساسا وأن يطبّقا في الأخير نزع السلاح. هذا التغيير في الموقف ليس الشّيء الذي يمكن للمفتشين أن يحققوه أو يحصلوا عليه. كلّ ما يمكن لهم عمله هو المساعدة على التحقق من هذا التغيير في حالو حدوثه. إذا أجبر المفتشون على العودة إلى لعبة القط والفأر، فإن الجهد لحلّ هذه المشكلة سلميا سيكون عندها فاشلا. إحدى عشرة سنة من المواجهة العنيدة ل16 قرار لمجلس، يوضح بأنّ صدام حسين سوف لن يتخلّى عن الأسلحة بسهولة، وقد دفع مثل هذا الثمن الباهظ للإبقاء على الوضع. وقدر بأنّ الحكومة العراقية ضحّت بأكثر من 100$ بليون في الإيرادات النفطية لتجنّب الإمتثال لقرارات الأممالمتحدة التي طالبت بنهاية برامج أسلحة دمارها الشامل. وصدام حسين سيتخلّى عن تلك الأسلحة فقط إذا اعتقد بأنّ عمل ذلك هو المخرج الوحيد الذي يمكنه ونظامه من البقاء. النقاش ليس قائما بين أولئك الذين يرغبون السلام وأولئك الذين يحبّون الحرب. لا أعرف أحدا، ماعدا الإرهابيين، يحبّ الحرب. إنّ القضية : ما هي أفضل طريقة لزيادة إحتمالات تسوية سلمية، و الطريق إلى النتيجة يمر عبر مواجهة النظام العراقي بتهديد موثوق به من القوة وراء دبلوماسيتنا. و الإثنان يجب أن يكونا جزءا من سياسة واحدة. وهو ما أخذ به الرئيس كندي في 1962. عندما بدأ كندي بالتفاوض مع الإتحاد السوفيتي لإزالة صواريخهم من كوبا، جمّع قوة فعالة لإظهارها وعرضها على خروتشوف، إذا لم يتم إزالة الصواريخ سلميا، فإن الولايات المتّحدة ستجبر على إزالتهم. ذلك العمل كان محفوفا بالمخاطر، لكن بدونه، ما كان يمكن لقرار سلمي أن يتحقق. تركيا كعضو أوروبا إنّ الأتراك يجاهدون لتطوير مجتمع حرّ وديمقراطي ومتسامح، وهو ما يمكن أن يكون نموذجا مفيدا للآخرين في العالم الاسلامي. وقد لعبت تركيا دورا إستراتيجيا في تقاطع الطرق بين الشرق والغرب، تركيا عنصر رئيس لبناء أوروبا غير مقسّمة، ديمقراطية وحرّة والتي تساعد على تجسير الفجوة بين الغرب والشرق. وإنه لمكسب عظيم لمنظمة حلف شمال الأطلسي، الغرب، والعالم، أن تحتل مع الغرب منذ تأسيس الجمهورية التركية من قبل كمال أتاتورك قبل 80 سنة تقريبا، تواجه لحظة حاسمة أيضا تركيا n حليفنا الأقوى والأكثر ثقة واعتمادا على النفس- أحد أهم الطرق الاستراتيجية في العالم. تركيا التي تعهدت بالاندماج في علاقتها مع أوروبا والغرب. و ستكتمل المنفعة والمصلحة، ليس فقط لتركيا وأوروبا، لكن للعالم بأسره، إذا أمكن لقمة الإتحاد الأوربي في 12 ديسمبر في كوبنهاكن أن تنجح في تقدّم الهدفين المهمين: اتفاق في قبرص وإتفاقية على تأريخ لبدء المفاوضات على العضوية التركية في الإتحاد الأوربي. تركيا كانت حليف الناتو الوفي في السنوات ال40 للحرب الباردة وساعدت على استقرار أوربا الوسطى والشرقية. وتواصل اليوم إلتزامها القوي في تحقيق السلام، بمشاركة قوّاتها في قوّات حفظ السلام في البوسنة وكوسوفو وأفغانستان. وقبل عشر سنوات، عندما غزا صدام حسين الكويت، لعبت تركيا دورا حاسما في التحالف الذي حرّر الكويت ووفرت دعما حرجا فيما بعد لعملية تأمين الحماية التي مكّنت مئات آلاف اللاجئين الأكراد للعودة إلى بيوتهم. اليوم، تواصل مجموعة عملية المراقبة الشمالية مهامها من قاعدة إنجرليك الجوية التركية، لمساعدة قوّات التحالف في حماية سكان شمال العراق من قمع بغداد. وعندما ضرب الإرهاب الدولي الولايات المتّحدة في سبتمبر 2001، عرضت تركيا دعمها غير مشروط، بما في ذلك القواعد و إنتشار القوّات البرية في أفغانستان. تركيا تعطي نموذجا قيما لأغلبية البلدان الإسلامية، فهي تجاهد لإدراك أهداف الحرية، العلمانية والديمقراطية. وكما لاحظ المؤرخ الإنجليزي الأمريكي العظيم بيرنارد لويس, " تكشف تجربة تركيا بأنّ الديمقراطية صعبة، لكنها أيضا ممكنة". الانتخاب التركية الأخيرة وصفت من قبل البعض باعتبارها " زلزال سياسي", وليس هناك شك في أنه حوّل مشهد تركيا السياسي. يتفق أكثر المراقبين المطّلعين بأنّ الأتراك في الإنتخاب الأخير كانوا يعطون أصواتهم لمفهوم التمثيل المسؤول. هم ما كانوا يريدون n كما تخوف البعض- تسييس الدين. إنّ حزب العدالة والتنمية، والمعروف بهويته الإسلامية، أعلن إعتقاده أيضا بشدّة في قدر تركي في الانضمام إلى أوروبا، والحكومة التي شكّلت عرضت هذه منذ مجيئها إلى المكتب. و أبدى دعمه مرارا وتكرارا لفصل الدين عن الدولة، الذي يشكل قاعدة الديمقراطية التركية. وعليه، فليس هناك من سبب آخر للتخوف من هذا الحزب . تبيّن تركيا الحديثة بأنّ النظام الديمقراطي في الحقيقة متوافق مع الإسلام، وقد صرح أتاتورك المسلم سابقا، بأن : "الإسلام معناه الأخلاق والقيم"، وبإقرار إسلام الأخلاق والقيم ، يمكن أن يكون هناك إفتراق بين الدين والدولة، وهو ما عبر عنه أتاتورك بقوله: " الدين مسألة بين الإنسان و ربه". والناس الذين يشتركون في قيم الحرية والديمقراطية التيأنتجتها الحضارة الأوروبية ترى على نحو متزايد بأنّ هذه ليست فقط قيم غربية أو قيم أوروبية. هي قيم المسلمين والآسيويين أيضا. في الحقيقة، قيم الحرية والديمقراطية، كما رأينا مرارا وتكرارا، قيم عالمية. أوروبا عندها فرصة إستراتيجية الآن لمساعدة تركيا لإدراك تطلّعاتها بالإنضمام إلى الإتحاد الأوربي، وبهذا تساهم أوروبا في تقدّم البلاد التي لها الإمكانية في أن تكون نموذجا للعالم الاسلامي. نجاح تركيا يمكن أن يسوق إلى ال1.2 بليون مسلم في العالم بأنّ هناك طريق أفضل بكثير من طريق الدمار واليأس الذي يعرضه الإرهابيون . ويبيّنا بأنّ منافع المجتمعات الحرّة والناجحة والمفتوحة متوفرون على حد سواء إلى المسلمين بالنسبة إلى كلّ شخص. نجاح تركيا يمكن أن يسوق إلى ال1.2 بليون مسلم بأنّ هناك طريق أفضل بكثير من طريق الدمار واليأس الذي تعهد به الإرهابيون ويبيّن بأنّ منافع المجتمعات الحرّة والناجحة والمفتوحة هي في متناول المسلمين على حد سواء. نموذج تركيا الديمقراطي يمكن أن يسوق كإلهام أيضا للعراق... والأمر حيوي بالنسبة إلى تركيا الديمقراطية، وإلينا، أن الشعب العراقي يحكم نفسه أيضا ديموقراطيا، بالإحترام الكامل لحقوق كلّ مواطنيه..عراق ديمقراطي سيحفّز نموا إقتصاديا مع الجيران مثل تركيا وسيساهم في استقرار المنطقة. في هذا القرن، نحن ربّما نتمنّى رؤية مؤسسات الحريّة والديمقراطية مفتوحة إلى كلّ شخص. عندها، سنستفيد جميعا. لكن، يجب أن نعمل ما علينا لمساعدة تلك الأمم وأولئك الناس الذين يتطلّعون إلى تلك القيم وتلك المؤسسات. وهذا لمصلحتنا الإستراتيجة، بالإضافة إلى إهتمامنا الأخلاقي. وإذ يقف زعماء أوروبا بجانب تركيا، فإنهم سيقدّمون بهذا مساهمة عظيمة للإنتهاء من الحرب على الإرهاب، وبناء عالم أفضل. وفي الختام، فإني أذكر بالحقيقة التي نعرفها : التهديد الأكبر والوحيد للسلام والحرية في وقتنا الحالي هو الإرهاب. ونحن هنا نؤكد حقيقة أخرى أيضا أن : المستقبل لا يعود إلى الإرهابيين. وإنما المستقبل من حق أولئك الذين عملوا لإنجاز الحلم الأقدم والأكثر نبلا للجميع، حلم السلام والحرية. مجلة العصر الإلكترونية