أعلنت رئاسة جامعة الحسن الثاني المحمدية في مبادرة جريئة تستحق كل التنويه عن تنظيم سلسلة من المحاضرات الشهرية تحت شعار محاضرات الجامعة المفتوحة يلقيها مفكرون مغاربة وأجانب وأكاديميون متخصصون في مختلف مجالات العلوم . الاجتماعية والإنسانية ، ويختار لها كل سنة محور محدد ويرجى للمبادرة أن تخفف من الجفاف الفكري والثقافي الذي تعرفه كثير من مدننا الجامعية خاصة تلك التي ترتبط الحركة فيها بمواعيد القطارات ذهابا وإيابا، ولا يقيم أغلب أطرها داخل المدينة مما يجعل استفادتها ثقافيا وفكريا من وجود الجامعة بها ضعيفا وهامشيا. وهذا الأمر يقودنا إلى التخطيط الذي سبق اختيار مواقع هذه الجامعات و مدى التوجه إلى توفير شروط الإقامة في المدن الجامعية . وفوق ذلك شروط البحث العلمي عامة من مكتبات ومكاتب ودور نشر وغير ذلك. المبادرة تهدف كما جاء في الورقة المنظمة إلى تعميق النقاش الثقافي والمعرفي داخل الجامعة، مستهدفا الطلبة والأساتذة والجمهور الواسع، وكذا وضع الجسور لانفتاحها الفكري على محيطها المحلي والعالمي، وذلك بالانشغال بالقضايا الراهنة التي تطرح على المجتمعات المعاصرة وما يرافقها من رهانات فكرية ومجتمعية وإننا لنرجو أن تكون هذه الفقرة من الورقة روحا تسري في الجامعة وتعم كل المؤسسات التابعة لها لأننا في كثير من الحالات لا نلمس توجها حقيقيا لتعميق النقاش بل الموجود غالبا هو إعادة إنتاج نفس الكلام في جزر منغلقة على ذاتها لا تسمع إلا لنفسها شعارها (ما أريكم إلا ما أرى) أو في أحسن الأحوال يتحول الشعار إلى لو كان خيرا ما سبقونا إليه في الوقت الذي كان ينبغي أن يكون الشعار هو الحكمة ضالة المؤمن كما لا نلمس استهداف الأنشطة الطلبة والأساتذة والجمهور الواسع، فكثيرة هي الأنشطة المغلقة المنغلقة، أغلقها أصحابها من خلال مواضيعها المختارة، والمحاور المقترحة، والأساتذة المشاركين، واللغة المتداولة... فهجرها الناس: طلبة وأساتذة والجمهور الواسع. وجميل أن تتم الإشارة في الورقة إلى الجمهور الواسع إذ ما معنى انفتاح الجامعة على محيطها إن لم يكن محيطها البشري واهتماماته أحد الأولويات؟ ما معنى انفتاح الجامعة على محيطها حين يكون دخول من لا يرى عليه آثار الانتساب إلى الجامعة محل استغراب؟ ومنشأ طرح كثير من الأسئلة: من يكون وما ذا يفعل هنا ؟ كيف للجامعة أن تؤثر في محيطها وتكون قاطرة حقيقة للتنمية الثقافية والفكرية بالأساس، إن لم تفكر في الأنشطة التي تستجيب لأسئلة الجمهور الواسع؟ ولهذا يجب الإلحاح على ما أشارت إليه الورقة من وضع الجسور لانفتاحها الفكري على محيطها المحلي والعالمي ولئن امتد الطموح إلى المحيط العالمي فأتصور أن المحيط المحلي له الأولوية، وهو الطريق إلى المحيط العالمي والخطوة المؤدية إليه، ولا معنى للانفتاح على المحيط العالمي إذا كان على حساب المحلي. فقد يعذر المرء في الثاني ولكن لا عذر له في الأول ولا ينبغي أن يفهم من كلامنا التقليل من أهمية الأنشطة العلمية الأكاديمية المتخصصة،وإن كانت هي الأخرى قد تكون منغلقة أو منفتحة بحسب درجة انفتاحها على محيطها الأكاديمي بفسح المجال لمختلف الآراء التي يمكن أن تسهم في تحقيق معاني البحث الأكاديمي الحر الذي يتحرى الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة عوض كثير من الأعمال التي تحدد أهداف عملها قبل الانطلاق فلا يكون الاجتماع . إلا من أجل إتمام الإخراج فتكون أعمالا منزوعة البركة قليلة الأثر أما ما جاء في الورقة من الانشغال بالقضايا الراهنة التي تطرح على المجتمعات المعاصرة وما يرافقها من رهانات فكرية ومجتمعية، فهو أيضا من ترشيد عمل الجامعة ووضعه على المسار الصحيح وهو ما يدخل في إطار العلم النافع: نافع للفرد والجماعة. إن لعصرنا أسئلة يجب أن تنخرط الجامعة في الإجابة عنها، فإن لم تفعل فلا نستغرب إذا جاءت الإجابات من هنا وهناك. فلابد للجامعة أن تستعيد دورها، و أن تمارسه كاملا، فكما جاء في الورقة يتطابق هذا المشروع مع مهمة الجامعة باعتبارها مؤسسة لنشر المعرفة وتكوين المواطن وتأهيله لمتابعة أهم قضايا الساعة. إنه بلغة الفقهاء الواجب العيني، فإن لم تقم به الجامعة أثمت و أثم القائمون عليها. ولا يسعنا هنا إلا التنويه مرة أخرى بما اعتبرته الجامعة التزاما منها بدور المؤسسة الجامعية في التثقيف وتنمية الوعي الفكري وانخراطا منها في مشروع بناء المواطنة الحية وتدعيم . أسسها الفكرية. أما المحور الذي اختير لهذه السنة وهو موضوع: الإسلام والتاريخ والمجتمع تحديات الألفية الثالثة فيندرج كما هو واضح في إطار النقاش والجدال الواسع في العالم كله عن الإسلام والمسلمين، بين المسلمين وبين غيرهم. وهو فرصة للمعرفة أو للتضليل، الأمر يتوقف على درجة الموضوعية والعلمية والحياد في التناول... فحملات التشويه لم تتوقف وما نظن أنها ستتوقف. لكن الظن بالجامعة المغربية أن تقدم الحقيقة العلمية الناصعة وهي سماحة الإسلام ورحمة الإسلام وعدل الإسلام... ونحن في انتظار محاضرة الأستاذ أحمد التوفيق وزير الأوقاف شتنبر 29 والشؤون الإسلامية في موضوع : الإسلام وفكرة الاندماج يوم الأربعاء بالمحمدية التي نرجو أن تكون فرصة لتحديد بعض معالم المشروع عمليا، 2004 . ولنا عودة د. مولاي عمر بن حماد