الحلقة الأولى عرف المغرب ومازال يعرف حملات تنصيرية منظمة تحت عدة غطاءات وذرائع، وأصبح واضحا أن الكثيرين من الغربيين لا يزورون بلدنا فقط للتمتع بشمسه وجباله ورماله وطبيعته الساحرة، بل أيضا من أجل تدمير أخلاق شبابه وشيبه، وإبعادهم عن دينهم القويم، والتشويش على إيمانهم، وكذا من أجل الترويج لعقائدهم المنحرفة والضالة. التجديد تتغلغل في هذه الحلقات مع شاب مغربي خبر وسائل التنصير، وارتقى معراج شبكة من شبكاته حتى أصبحت له فيها مسؤوليات ومهام وإشراف. قضى مع الأخطبوط أكثر من أربع سنوات، ولكنه في الأخير عرف كيف يتخلص من قبضته ويفر بدينه بعدما تيقن أن هؤلاء يدعون إلى الضلال ويخططون لتخريب شباب المسلمين. بدأ صاحبنا مغامرته متسليا وباحثا عن متعة واستفادة مادية، ولم يكن ينوقع أن يجد نفسه إزاء شبكة منظمة تروم التشويش على بني جلدته. في هذه الحلقة يتحدث مغامرنا عن بداية احتكاكه بالمنصرين وعن كيفية انخراطه معهم في العمل الاجتماعي بسبتة. كما يحدثنا عن انتقالهم لتوسيع العمل التنصيري بالمغرب حيث بدأوا من المحمدية. العمل الاجتماعي بوابة التنصير من النزهة إلى التنصير التحقت بهذه الشبكة حوالي سنة 1988، بدأت علاقتي بهم أولا على شكل تعارف بسيط بيني وبينهم لكونهم أجانب، ولأننا كنا مجموعة من المعطلين الشباب نجد تسلية في التعامل مع الأجانب، ثم أيضا نجد متعة في السفر معهم مجانا والنزهة برفقتهم، خصوصا إلى طنجة أو أصيلا أو العرائش. وأول مرة خرجت معهم في نزهة كان ذلك إلى مارتيل. غير أنه بعد عدة خرجات ونزهات، أصبحنا نسمع منهم كلاما عن حياة جديدة، وأن الإسلام ليس الدين الوحيد وأن هناك دينا آخر، وهم لا يسمونه الدين، وإنما يسمونه "الحياة"، لأن الدين بالنسبة إليهم هو تعقيدات والتزامات، أما المسيحية كما يرونها، فهي الحياة والحرية ويكفي معها الإيمان فقط، وشعارهم في الدنيا "آمن تخلص"، وهي عبارة معناها أن مجرد الإيمان ب"الرب يسوع" يجعل الإنسان في حل من جميع الالتزامات والارتباطات. الأفراد الذين اتصلوا بي كانوا من الكنيسة البروتستانتية، أو ما يسمى "الكنيسة الإنجيلية". هذه الكنيسة يترأسها أمريكيون أحدهم اسمه ماركو وورد (أستاذ اللغات) أسس في سبتة مركزا للغات يدرس فيه ست لغات بنفسه، ويدرس فيه حتى اللغة العربية، إضافة إلى الروسية والعبرية والفرنسية والإنجليزية ولغة أخرى لا أذكرها الآن، كان برفقته أمريكي آخر يدعى "بيل ريبروك"، وهذا هو الذي كان مكلفا بشمال المغرب إلى حدود تازة، إضافة إلى مبشرين آخرين كانوا موجودين في تطوان، وكان من بين هؤلاء في تطوان المسمى "بارول"، وهو أمريكي ما يزال يمارس نشاطه التبشيري إلى اليوم، ويسكن في مارتيل، وهو رئيس الكنيسة التي سموها "شجرة الحياة" "Tree Life"، كما كان يوجد أيضا بتطوان مبشر آخر اسمه "توم" وهو أمريكي أيضا، وقد كان من قبل في مصر، ولما ضرب الزلزال المشهور مدينة القاهرة، أتى إلى المغرب. والغريب أنه بعد هذه المدة التي أمضيناها مع هؤلاء المبشرين في سبتة، دخلنا مرحلة أخرى جديدة. وهي مرحلة جاءت صدفة فقط، وهي أن أحد أصدقائي الذين تعرفت عليهم مع هذه الشبكة كان بحكم فراغه وحركيته يرسل الكثير من الرسائل، اتصل بالمركز العربي الإنجيلي في إنجلترا، وهو مركز كان يترأسه شخص يدعى عبد الله الأمين، وهذا اسمه المستعار والرمزي، أما الإسم الحقيقي فهو فوزي نجيب، وقد كان ممنوعا من الدخول إلى المغرب، لأنه سبق أن تم ضبطه على الحدود محملة سيارته بعدد كبير من الأناجيل، ورغم أن هذا الشخص (رئيس المركز العربي الإنجيلي) ينتمى إلى كنيسة أخرى غير التي استقطبتنا، إلا أن هؤلاء المبشرين فيما بينهم، ينسقون الجهود ويتعاونون على عملهم التنصيري رغم الاختلافات الموجودة بينهم، سواء في العقائد والتصورات أو في الوسائل، إلا أن هدفهم الكبير هدف واحد. الخطوة الأولى في التنظيم كان صعبا أن أنتظم مع هذه الشبكة، غير أني دبرت حيلة أعلنت من خلالها أني مدمن مخدرات، وكان لهم مركز لإعادة إدماج المنحرفين في سبتة، سموه "جمعية إعادة تأهيل المنحرفين (REMAR)، وهي جمعية خاصة بالمرضى والمدمنين. ولكي أدخل هذا المركز وأنتظم معهم، ادعيت أنني مدمن مخدرات، وقد شككوا في هذا الادعاء أول الأمر لكوني لم تكن تظهر علي أية أعراض لتناول المخدرات، ولكني تشبثت قائلا إني أدخن، وهم يعدون السجائر من المخدرات، وفعلا تمكنت من إقناعهم بضرورة قبولي، فضموني إلى مركز جمعية "ريمار" (REMAR) ، التي كان لها تعاطف شعبي كبير في إسبانيا، وكانت الكنيسة تمدنا بالملابس والثياب التي يتركها فيها أولئك الذين يأتون للصلاة كل يوم أحد، وهذه الملابس تستغلها "ريمار" في الدعاية لنفسها والتبشير بالمسيحية عبر العمل الاجتماعي. وكنا أيضا ننجز إعلانات في إطار هذه الجمعية ونعلقها في الشوارع مضمونها: "لا ترم شيئا مما لا تحتاجه، فقط ناد علينا بالهاتف، ونحن نخلصك منه"، وكنا ندور بالسيارة ونحضر الملابس والأثاث وكل الأشياء التي يود أصحابها التخلص منها، فنعيد بيعها وندخل ثمنها في حساب جمعية "ريمار". من سبتة إلى المحمدية بعد مدة ، انتدب ثلاثة منا لفتح أول فرع لهذه الجمعية المسيحية في المغرب، حيث جاء أمر من رئيس الجمعية "مايكل دياس"، التي مقرها في مدريد ولكنها عالمية، بفتح مركزين في ذلك العام، واحد في المغرب والثاني في "إسرائيل" في نفس الوقت. انتدب ثلاثة إذن لفتح الفرع بالمغرب، وترأس هذا الفرع مغربي اسمه "رضوان..."، والإسم "الحركي" الذي كنا نطلقه عليه هو "كيكو"، ورضوان هذا من الدارالبيضاء، وبالضبط حي للا الياقوت، وأرسل معه إسباني اسمه "نور الدين" ومغربي آخر من تطوان. وفعلا نزل هؤلاء العاليةبالمحمدية، واكتروا بيتا بمبلغ 2000 درهم في شارع فلسطين واستغلوه كإدارة للفرع، واكتروا أيضا فيلا في طريق بن سليمان ب 5000 درهم، ووضعوها رهن إشارة المرضى والعجزة والمدمنين، وكان لديهم مشكل مع الترخيص من لدن السلطات، فبدأوا عملا سريا، ولم يكونوا يشترون أي شيء من المغرب، لأن الأكل كله كان يأتيهم من إسبانيا تحضره لهم شاحنات من الحجم الكبير، تأتي محملة بعدة أنواع من الغذاء (الجبنة الروز السمك، وعموما أنواع كثيرة من المصبرات)، الأثاث أيضا جاءهم من الخارج. بدأ هؤلاء الثلاثة يجمعون المساعدات المادية والعينية من بعض الشركات ومنها المغربية، وخصوصا بعض معامل الخمور، وهناك بعض الشركات التي كانوا يطلبون منها فقط بعض السلع التي ترى فيها عيبا وتراها غير صالحة، وهم يعيدون بيعها. والغريب أنه بعد مدة من هذا العمل السري، أمر المكتب المركزي ل"ريمار" هؤلاء الذين كونوا الفرع في المحمدية أن يتصلوا بعامل المحمدية من أجل الحصول على الترخيص، إلا أن العامل كان ذكيا في تعامله معهم، واشترط عليهم مقابل الترخيص أن يكون تمويل الفرع تمويلا مغربيا، ولكن الإسبان رفضوا، لأن التمويل المغربي يعني بالنسبة لهم التحكم المغربي في قرار الفرع. وكان أول عمل قام به الفرع غير المرخص له، هو البحث عن العجزة وبعض المدمنين المشردين وإيوائهم في الفيلا المكتراة، وكان هذا هو المدخل للتنصير والتبشير. وللإشارة فإن جمعية "ريمار" كانت لها علاقة وطيدة بالكيان الصهيوني، حيث كانت هناك رسائل متبادلة، بين مسؤوليها وبين "إسرائيليين". إلى "المسؤوليات" كان هناك مغربي آخر في تطوان له اتصال برئيس المركز العربي الإنجيلي في إنجلترا، وطلب منه رئيس هذا المركز أن يجمع له بعض المغاربة، فنادى علي من بين من نادى عليهم لهذا اللقاء، وفي اليوم المحدد للقاء كنت في مدينة سبتة، وهي المكان المقرر، وفي نفس ذلك اليوم كان في سبتة إضراب عام، ووصل رئيس المركز العربي الإنجيلي إلى سبتة بصعوبة لأنه وجد باخرة واحدة فقط، فلم نجد بالتالي أين نعقد اللقاء معه بسبب الإضراب العام، إذ لا وجود لفندق ولا مطعم، ولم يكن باستطاعته أن يدخل إلى المغرب. فكان الحل الوحيد هو أن التجأنا إلى مقر فرع جمعية "ريمار" بسبتة، اتصلنا بالمسؤولين عن الفرع، فأحضروا لنا سيارة "فاركونيت"، ونقلونا إلى المقر حيث وفروا لنا الأكل الكافي لثلاثة أيام وآوونا طيلتها، ونظرا لأني كنت نشيطا وحيويا، أدخلوني معهم في التنظيم وكلفوني بمهمات ومسؤوليات لا يستهان بها في الجمعية، وهكذا أصبحت بعد ذلك مسؤولا على مجموعة تنصيرية، ولأن المغاربة الذين كنا نتعامل معهم لا يهمهم شيء من كل هذا، وليس لهم أهداف من وراء هذه الحملات التبشيرية إلا الهدف المالي، فقد كان ذلك يسبب لي بعض المشاكل. أعدها للنشر: محمد أعماري