القرآن هو كلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المنقول إلينا بالتواتر المكتوب بين دفتي المصحف من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، المتعبد بتلاوته. وقد رواه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على طرق متواترة مختلفة في بعض ألفاظه وكيفيات الحروف في أدائها، وتنوقل ذلك واشتهر إلى أن استقرت منها سبع طرق معينة وصارت هذه القراءات السبع أصولا للقراءة. وهي في اللغة مصدر سماعي لقرأ، وفي الاصطلاح مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراءات مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم ولعلماء القراءات ضابط مشهور يزنون به الروايات الواردة في القراءات فيقولون: كل قراءة وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا ووافقت العربية ولو بوجه وصح إسنادها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها. والقراء السبعة المنسوبة إليهم القراءات السبع هم: نافع بن عبد الرحمان المدني توفي عام 169ه وعبد الله بن كثير المكي توفي عام 120ه وأبو عمرو البصري توفي عام 154 ه وعاصم الكوفي توفي عام 127 ه وابن عامر اليحصبي توفي عام 118ه والحسن الكسائي توفي عام 189ه وحمزة الزيات الكوفي توفي عام 156ه. هؤلاء هم الأئمة الذين تنسب إليهم القراءات السبع والذين أجمعت الأمة علي قبول قراءاتهم. ولا يسمى المقرئ مقرئا إلا إذا جمع بين قراءات هؤلاء فما فوق. ومن المعلوم أن القرآن دخل إلى المغرب مع الفتح الإسلامي إلا أن القراءات السبع لم يعرفها المغاربة إلا في القرن الرباع الهجري حيث تأسست النواة الأولى لمدرسة القراءات المغربية والتي هي امتداد للمدرسة الأندلسية التي أنجبت علماء وتلاميذ في علم القراءات أمثال الإمام الداني ومكي بن أبي طالب القيسي والمهدوي وابن شريح والشاطبي وغيرهم. وقد نبغ المغاربة في حفظ القراءات والتأليف فيها نبوغا لا مثيل له ولا نستطيع حصر العدد الهائل من قراء المغرب. فالمدرسة المغربية هي بدورها أنجبت قراء كبار يضاهون ببراعتهم المشارقة كالحزاز والهبطي وابن بري وابن غازي وابن القاضي وادريس المنجرة بل حتى ملوك المغرب كان لهم إسهام في هذا الميدان واشتهروا بحفظ القراءات كأحمد المنصور الذهبي والسلطان ادريس بن يعقوب الموحدي والسلطان محمد بن عبد الله العلوي والسلطان المولى سليمان والسلطان عبد الحفيظ وغيرهم كثير. كما لا نستطيع حصر ما ألفه المغاربة من الشروح والمستدركات والحواشي. فقد استوعبوا القراءات السبع والقراءات العشر. بحيث يستطيع الواحد منهم أن يقرأ القرآن بجميع الروايات والقراءات في آن واحد. وقد نتج عن هذا الاهتمام ما تزخر به المكتبة المغربية في القراءات والدراسات المتعلقة بها. وقد كان المغاربة بفضل هذا الاهتمام عمدة المشارقة في القراءات وضبط القرآن ورسمه ومن يتصفح تراجم القراء المشارقة يقرأ أسانيدهم في القراءات ومؤلفاتهم فيها يجد مدى اعتمادهم على المغاربة في هذا الشأن. ومن خلال هذه الحلقات المتتابعة سنقف على تراجم بعض الشيوخ الكبار في هذا الفن اخترناهم من كل القرون وعلى امتداد المناطق المغربية لنتعرف على جهودهم في هذا الميدان ومدى براعتهم وكفاءتهم في علم القراءات، وما خلفوه من مؤلفات قيمة لا يزال أغلبها مخطوطا ومركونا في رفوف المكتبات والخزانات تنتظر من ينفض عنها غبار النسيان. إعداد: محمد أبو رزق خريج دار الحديث الحسنية