تعريف الآية: لغة: أصلها بمعنى العلامة، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ)، البقرة: 842. اصطلاحاً: فهي قرآن مركب من جمل ولو تقديراً، ذو مبدأ و مقطع، مندرج من سورة. تعريف السورة لغة: من سور المدينة، أو من السورة بمعنى المرتبة والمنزلة الرفيعة.اصطلاحاً: قرآن يشمل على آيٍ ذوات فاتحة وخاتمة . وأقلها ثلاث آيات. مصدر ترتيب القرآن الكريم أجمع العلماء سلفاً فخلفاً على أن ترتيب الآيات في السورة توقيفي، أي اتبع فيه الصحابة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل، لا يشتبه في ذلك أحد. والأحاديث في إثبات التوقيف في ترتيب الآيات في السور كثيرة جداً تفوق حد التواتر، إلا أننا سنذكر أمثلة منها: أخرج البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا)، البقرة:234، قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها أو تدعها؟ قال: يا أبن أخي لا أغيرّ شيئاً منه من مكانه. وأخرج الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شَخَص ببصره ثم صوَّبه، ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية في هذا الموضع (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى...)، النحل: 09، إلى آخرها. ترتيب سور القرآن توقيفي أجمع جماهير العلماء على أن ترتيب سور القرآن توقيفي، وليس باجتهاد من الصحابة. والأدلة على أن ترتيب السور كلها توقيفي كثيرة جداً نذكر منها: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: في بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، إنهن من العتآق الأول، وهن من تلادي.فذكر ابن مسعود السور نَسَقاً كما استقر ترتيبها. وقوله صلى الله عليه وسلم: أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل. قال أبو جعفر النحاس: وهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه مؤلف من ذلك الوقت، وإنما جمع في المصحف على شيء واحد. ويشهد لذلك من حيث الدراية والعقل واقع الترتيب وطريقته، وذلك من وجهين لا يشك الناظر فيهما، أن الترتيب بين السور توقيفي: الأول: مما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت على التوالي، وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبحات على التوالي، وأخرت طس عن القصص. الثاني: ما راعاه العلماء الأئمة في بحوثهم من التزام بيان أوجه التناسب بين كل سورة وما قبلها، وبيان وجه ترتيبها. حكمة تقسيم القرآن إلى سور وآيات أن القارئ إذا ختم سورة أو جزأً من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له، وأبعث على التحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله. ومنها: أن الحافظ إذا حَذَق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة، فيعظم عنده ما حفظه، ومنه حديث أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلّ فينا. منهج التعامل مع المعلومة كما حددته آية النبأ لقد كانت هذه الآية ومازالت موضع اهتمام المفسّرين والعلماء، أصوليين وفقهاء ومحدثين، لتطرّقها لموضوع هام في حياة المسلمين، وهو كيفية التعامل مع الخبر ومع المعلومة. فالآية تحذّر المؤمنين وتلزمهم بالتريّث والتأكّد بالبحث والتحري ومتابعة الخبر، حتى يحصل صدقه، مع أن الذي أنزلت فيه الآية هو صحابي، مخافة أن تنقل الأخبار الكاذبة، وتروج الإشاعات المضللة فيُساء إلى من يصدقها، وإلى من تتعلق به. سبب نزول الآية وقصة نزول هذه الآية كما يقول ابن كثير في تفسيره: روى الإمام أحمد عن الحارث ابن ضرار الخزاعي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت يا رسول الله: أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي دفعت زكاته، وترسل إليّ يا رسول الله رسولا إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة؟ فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الوقت الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسول ولم يأته، وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله فدعا بعلية قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتاً يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم الخلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوليد ابن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق أي خاف فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث البعث إلى الحارث. وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا هذا الحارث فلما غشيهم قال له: إلي من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلاّ حين احتبس عليّ رسول الله خشيت أن يكون سخطة من الله تعالى ورسوله، قال: فنزلت الحجرات (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ). فبعد هذه الحادثة التاريخية التي استهدفت تزوير الحقيقة وتزييفها، نزلت هذه الآية المباركة؛ لتوضّح للمسلمين ضرورة التثبت، وعدم التسرّع في استقبال الخبر والرواية وتصديقهما، والاعتماد عليهما، وتقرير الموقف بناء على ما جاء بهما، الحذر من التعاطي للإشاعة وفي عصرنا اليوم حيث تعتمد الإشاعة كوسيلة لتصفية الحسابات الشخصية أو الحصول على المنافع والمكاسب الأنانية عن طريق التزلف لأصحاب الجاه، وقد لا يرى كثير من المتعاطين للإشاعة والقائمين بمزاولتها ما يترتب عليها من مساس بالإيمان وطعن في الدين. ولاشك أن مثل ذلك الاعتقاد ناتج عن جهل البعض وعتقادهم أن صلاتهم وصومهم كافيان لأداء ما يناط بهم من واجبات وفرائض. فيما يتعمد البعض الآخر مثل هذه الممارسة جراء سوء الطبع وضعف الإرادة وهما أمران كثيرا ما تقترن معهما دوافع وأسباب عديدة من قبيل الحقد والغيرة والتنافس غير الشريف. وجميع هذه الدوافع والأسباب تسهم إسهاما مباشرا في خلق الأجواء الموبوءة والصالحة الانتشار مثل تلك الظاهرة الذميمة والخطيرة. منهج القرآن الكريم في التعامل مع الإشاعة وقد حرص القرآن الكريم على توعية المؤمنين (يا أيها الذين آمنوا)، وتكوين الحسّ السياسي والإعلامي لديهم؛ لصيانة الرأي العام، وتحصينه من التأثّر بالإشاعات والأكاذيب والأراجيف التي يبثها الخصوم؛ ليكوّن المناعة الفكرية والنفسية، ويفوّت الفرص على أولئك المخرّبين، فثبّت الأسس والموازين اللازمة للإنسان، ليتمكّن من فحص وتمييز الإشاعة والدعاية الكاذبة وفرزها، والوقوف بوجهها. كما هاجم القرآن المرجفين، ومروجي الإشاعات، ومثيري الفتن، واللاعبين بالرأي العام، الذين يسعون في الأرض فساداً، ويربكون استقرار المجتمع وأمنه، ويهدمون حصونه النفسية والفكرية، ويحاولون فتح الثغرات في بنائه، وبين أبنائه؛ ليسهل عليهم الإجهاز عليه وتمزيقه، كما حذّر المؤمنين من تصديق الإشاعات والأخبار الكاذبة، وطالبهم بفحص الأخبار والمعلومات، والتأكّد منها، وعدم تصديق مروجي الإشاعات التي تسعى لهدم سمعة المسلمين، أو وحدتهم، أو إضعاف بنائهم الروحي والنفسي والاجتماعي. أخبار الفاسق لا تؤخذ إلا بعد التبيّن ويفهم من قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)، أنه جلّ وعلا أراد أن يحدد مصدر المعلومة في الثقاة المؤمنين، لا أن يسد الباب ويوصده علينا، بل قد يتساهل بعض الناس في أخذ أخبارهم فقيّدهم بأن لا يأخذوا أخبار الفاسق إلا بعد التبيّن من صدقه. وقد فصّل الشيخ الطبرسي تفسير هذه الآية بقوله: ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) أي بخبر عظيم الشأن، والفاسق الخارج عن طاعة الله إلى معصيته، (فتثبتوا) صدقه من كذبه، ولا تبادروا إلى العمل بخبره، ومن قال فتثبتوا، فمعناه توقفوا فيه، وتأنوا حتى يثبت عندكم حقيقته. (أن تصيبوا قوماً بجهالة) أي حذراً من أن تصيبوا قوماً في أنفسهم وأموالهم بغير علم بحالهم، وما هم عليه من الطاعة والإسلام، (فتصبحوا على ما فعلتُم) من إصابتهم بالخطأ، (نادمين) لا يمكنكم تداركه. أما العلامة الطباطبائي فقد فسّر الآية كالآتي: قوله تعالى: (يا أيها الّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا)، الفاسق كما قيل الخارج عن الطاعة إلى المعصية، والنبأ: الخبر العظيم الشأن، والتبيّن والاستبانة والإبانة على ما في معجم الصحاح بمعنى واحد، يقال: بان الأمر واستبان وتبيّن، أي اتضح وظهر. ومعنى الآية: يا أيهّا الّذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بخبر ذي شأن، فتبينوا خبره بالبحث والفحص للوقوف على حقيقته، حذر أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا نادمين على ما فعلتم بهم. العجلة ضد التثبت وهي أم الندم قال الكسائي وغيره: التبيّن التثبت في الأمر. وأوصى أعرابي أولاده فقال: إياكم والعجلة فإنَّ أبي كان يكنيها أم الندم. وإذا كانت الأناة والتثبت من الصفات الحميدة فإن ضدها وهي العجلة من أقبح الصفات الذميمة. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله محللاً لصفة العجلة: ... فإنها خفة وطيش وحدِّة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم، وتوجب وضع الأشياء في غير موضعها، وتجلب عليه أنواعاً من الشرور وتمنعه أنواعاً من الخير وهي قرين الندامة، فقلَّ من استعجل إلاَّ ندم. وذلك تحرزاً من الاندفاع وراء تيار اتهام الناس بالباطل قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). وقد دلت الآية على أن الله تعالى يأمر بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتاط له، لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذباً أو مخطئاً، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه وقد نهى الله عن إتباع سبيل المفسدين. فالمندفع غير المتثبت يكون عرضة للندم. وهكذا نجد أن الأبعاد التربوية المشتملة عليها هذه الآية تضع أمام المؤمن الشروط والضوابط الواجب مراعاتها إزاء الأخبار والمعلومات غير الدقيقة والمشكوك في مصادرها وأسبابها ودواعيها، قبل أن يطلق الحكم ويتخذ الموقف.